الغلاف
اتفاقية أوسلو...في جريدة الأهرام المصرية
اتفاقية أوسلو...
في جريدة الأهرام المصرية
إعداد/ أحمد السعيد
لا تزال الصحافة العربية - وتحديداً الصحف القومية - تتبع الأنظمة العربية الاستبدادية، سواء في ما يتعلق بالسياسة الداخلية أو السياسة الخارجية، وما زالت الصحافة العربية تطبّل وتزمّر لكل حاكم خائن مستبد. وعلى ما يبدو، فإننا لم نتعظ من نكسة 1967 والصدمة التي انتابتنا عندما استفقنا من الوهم الذي كانت تنسجه لنا الصحافة العربية عن دخول القوات العربية لإسرائيل وتحريرها لفلسطين؛ فما زالت الصحافة العربية تسير على الدرب نفسه في أساليب التضليل الإعلامي والتطبيل السياسي للأنظمة المستبدة، ومن باب الدلالة على ما ذكر آنفاً، وفي ذكرى اتفاق أوسلو، اخترنا لكم إحدى الجرائد المصرية المهمة، وهي جريدة (الأهرام)؛ لنتتبع تغطية هذة الصحيفة المهمة لاتفاق أوسلو.
13 سبتمبر 1993 (احتفال تاريخي في البيت الأبيض)
استقبلت جريدة الأهرام اتفاق أوسلو باحتفاء حار، وعنونت عددها الصادر في 13 سبتمبر 1993 بـ(اليوم توقيع الاتفاق الفلسطيني – الإسرائيلي في احتفال تاريخي بالبيت الأبيض... مبارك: الفلسطينيون على بداية الطريق الصحيح... وتدخل مصر أزال العقبات التي كانت تعترض التوقيع). وتحت هذا العنوان، نقرأ أن الرئيس المصري (الأسبق) مبارك، قبل ساعات من توقيع الاتفاق، أعلن في لقاء بقادة وجنود القوات المسلحة المصرية الذين شاركوا في أعمال المناورة الرئيسية (بدر 93) أنّ "مصر تدخلت في الأيام الأخيرة لتقريب وجهات النظر بين الفلسطينيين وإسرائيل والتغلب على العقبات التي ظهرت وكانت تبدو معقدة بحيث لم يكن واضحاً أنه سيتم التوقيع على الاتفاق". وأضاف مبارك في اللقاء: "إن المهم الآن أنهم وصلوا إلى بداية الطريق الصحيح لحل المشكلة"، وأضاف مبارك أنه سيلتقي بالرئيس السوري حافظ الأسد قريباً، وأنه مقتنع بأنّ إسرائيل ستترك الجولان في النهاية.
وفي استكمال لسرد الجهود المصرية لاستكمال اتفاق أوسلو، ذكرت الصحيفة في خبر آخر على لسان مبارك، أنّ الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات جاء إلى القاهرة مرتين في الأيام الأخيرة "حين ظهرت مشاكل كانت تبدو معقدة"، وأن مصر تدخلت لتقريب وجهات النظر بين الطرفين. وذكرت الجريدة على لسان مبارك وصفه للرئيس السادات بأنه كان "بعيد النظر"، وأنه "سبق هذا العالم بعشرين سنة"، وأضاف مبارك: "إن معظم الدول العربية كانت متفقة على صواب فكر السادات والحل السلمي، وخاصةً دول الخليج، ولكن الظروف كانت تفرض عليهم شيئاً معيناً، أما الآن فالكل أصبح على يقين من صواب هذا الموقف". ويسترسل مبارك في القول: "تتذكرون أنه في عام 1977، وخلال المؤتمر الذي دعا إليه الرئيس الراحل أنور السادات في مينا هاوس جميع الأطراف ورفع العلم الإسرائيلي والعلم الفلسطيني والعلم الأمريكي وكل الأعلام، بما يعنى أنه كان هناك اعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية فإنهم رفضوا الحضور بسبب الظروف التي تحدثت عنها من قبل وأكثر من هذا – كما تتذكرون – وجهت لمصر الاتهامات والشتائم بسبب عدم قدرة البعض على تصور الموقف جيداً وتصور طبيعة العصر".
ويكمل مبارك: "وهذا كله للأسف لأن البعض لا يعرف الحقائق إلا متأخراً... أما الآن، فقد أصبح الكل يدرك الحقيقة... كان الاعتراف جاهزاً أمامنا في سنة 1977 ولم نكن في حاجة للاعتراف... وكان الإسرائيليون يريدون الجلوس مع منظمة التحرير الفلسطينية... والحمد لله أن وصلنا لاعتراف بعد أن وصلوا لوثيقة إعلان المبادئ".
هكذا أظهرت الجريدة دور نظام مبارك في توقيع الاتفاق المشؤوم، بل والاحتفاء الحار بهذا الدور.
وفي ما يتعلق بقضية عودة اللاجئين إلى أراضيهم وانعكاسات اتفاق أوسلو على القضية، تذكر صحيفة الأهرام في خبر على صفحتها الأولى "60 ألف لاجئ فلسطيني يعودون فوراً"، ويقول الخبر إن السفير الفلسطيني في القاهرة سعيد كمال، ومحمد صبيح، أمين سر المجلس الوطني الفلسطيني، قالا في حديث للأهرام إن 60 ألف لاجئ فلسطيني سيعودون إلى الأراضي المحررة فور العمل بالاتفاق الجديد. وعن عودة لاجئي عام 1948، ردّ السفير الفلسطينى:"لا توجد تصورات لعودتهم؛ لأننا نستند في ذلك إلى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 لعام 1949 بإثبات حق العودة أو التعويض!! وإسرائيل وافقت على أن يوضع الموضوع على جدول أعمال المرحلة النهائية أو مرحلة الوضع الدائم!!".
أما محمد صبيح، أمين سر المجلس الوطني الفلسطيني، فقد كان ردّه أغرب من ردّ السفير الفلسطيني؛ إذ قال: "هناك عدد سيعود فوراً يقدَّر بنحو 60 ألف مواطن ممن لهم تصاريح دخول وقرارات لمّ شمل، أو ممن خرجوا ومنعتهم إسرائيل من العودة لأسباب أمنية... وبالنسبة إلى لاجئي الـ48، فهم من استقر في الخارج!! وهم يحتاجون فقط إلى الهوية والانتماء!!! والقرار 194 هو الحاكم للتعامل مع هذا الأمر".
وأكد السفير الفلسطيني أنّ جيش التحرير الفلسطيني سيتحول إلى قوات لضبط الأمن الداخلي، وأشاد السفير الفلسطيني بتوجيهات الرئيس مبارك ببدء اتصالات مع دول العالم لتمويل الصندوق الدولي لدعم المشاريع في الأراضى المحتلة.
وفي إشارة ساذجة إلى التوافق والانسجام بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، نقرأ الخبر الآتي: "عرفات ورابين يدخلان حديقة البيت الأبيض في لحظة واحدة من بابين متقابلين"، ويفيد الخبر بوصول ياسر عرفات إلى واشنطن في زيارة تاريخية لتوقيع الاتفاق، وكان يبدو هادئاً مبتسماً، وكان في استقباله مساعد وزير الخارجية الأمريكي وأنه قد تقرر دخول ياسر عرفات وإسحق رابين إلى حديقة البيت الأبيض من بابين متقابلين في لحظة واحدة.
ويفيد الخبر أيضاً بأنّ فاروق القدومي، الرجل الثاني في منظمة التحرير، رفض السفر إلى واشنطن، وأعلن معارضته لاتفاق تبادل الاعتراف، وكذلك رفض الدكتور حيدر عبد الشافي، رئيس الوفد المفاوض، المشاركة في حفل توقيع الاتفاق للسبب نفسه.
14 سبتمبر خطوة شجاعة على طريق السلام في الشرق الأوسط
بهذه الكلمات الرنانة عنونت صحيفة الأهرام عددها الصادر في 14 سبتمبر 1993، وتلا هذا العنوان العريض تفاصيل عن توقيع الاتفاق شملت مراسيم التوقيع والإجراءات الأمنية المشددة لحماية الشخصيات التي ستوقع على الاتفاق.
وعدد المدعوين إلى حضور مراسيم الاتفاقية وصل إلى 3000 مدعو.
وفي خبر على الصفحة الأولى بعنوان "مبارك في حديث لشبكة سي.إن.إن الأمريكية: سنواصل الجهود لدفع مسيرة السلام"، تسلط الجريدة الضوء على تصريحات مبارك للدلالة على حكمته وحنكته السياسية (كما يعتقدون). ويفيد الخبر بأنّ مبارك صرح لشبكة سي. إن. إن. بأهمية إعلان المبادئ، وأنه بالرغم من وجود بعض الصعوبات في المفاوضات، فإننا سنواصل الجهود ودفع المسيرة، لإيماننا بأنه تكفي خمسون عاماً من سفك الدماء والكراهية ومحاربة بعضنا بعضاً. وصرّح مبارك بأنّ القدس قضية مهمة جداً، لا بد أن نتفاوض عليها (لاحظ كلمة نتفاوض، ما يدل على إمكانية التخلي عن جزء منها)، وهي قضية تشغل العالم العربي والإسلامي، وأعتقد أن السيد رابين يعلم ذلك تماماً، ولكن سيأتي الوقت الذي نجد فيه حلاً لقضية القدس. وأكد مبارك أنّ مصر معنية جداً بقضية السلام الذي يُعَدّ أمراً مهماً جداً لمنطقة الشرق الأوسط، وخاصةً بعد أن شهدنا خمسين عاماً من الكراهية المتبادلة في هذه المنطقة.
وعلى الصفحة الرئيسية نقرأ: "جدول زمني للانسحاب من غزة وأريحا خلال 4 أشهر انتخابات للحكم الذاتي تحت إشراف دولي وتشمل القدس". ويفيد الخبر بأنّ هدف المفاوضات الحالية بين إسرائيل وممثلي الشعب الفلسطيني هو تأسيس حكومة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة لمرحلة انتقالية لا تزيد على خمس سنوات وتقود إلى تسوية دائمة، قراري مجلس الأمن 242 و 328، وستقوم سلطة الحكم الذاتي على انتخابات حرة تحت رقابة دولية، وتشمل سلطة الحكم الذاتي الضفة الغربية وقطاع غزة، وينظر الطرفان إلى قطاع غزة والضفة الغربية كوحدة إقليمية واحدة.
ويقضي الملحق الأول للإعلان، بحق الفلسطينيين سكان القدس في المشاركة في انتخابات سلطة الحكم الذاتي، ويتناول إمكان إنشاء محطة تلفزيون فلسطينية في نطاق ترتيبات الحملة الانتخابية. ويتناول الملحق الثاني قضية انسحاب القوات الإسرائيلية من قطاع غزة ومنطقة أريحا، ويشير إلى أنّ الجانبين سيوقّعان خلال شهرين اتفاقية بشأن انسحاب القوات الإسرائيلية وفق جدول زمني، وينتهي خلال فترة لا تزيد على أربعة أشهر. وتشمل الاتفاقية ترتيبات تسلم قوات البوليس الفلسطيني لسلطة الأمن الداخلي والأمن العام في غزة وأريحا، وتتضمن تشكيل لجنة فلسطينية – إسرائيلية للتنسيق والتعاون في مجال الأمن المتبادل (لاحظ العبارة السابقة؛ إذ إن المعاهدة تؤكد التعاون الأمني المتبادل بين السلطة الوطنية وإسرائيل للقضاء على المقاومة، وهو ما سيطبق بالفعل).
وينص الملحق الثالث على تشكيل لجنة مشتركة للتعاون الاقتصادي الذي يشمل مجال المياه والطاقة والكهرباء والنقل والمواصلات... إلخ. أما الملحق الرابع، فيقضي بتنظيم تعاون مشترك في مجال التنمية الإقليمية في نطاق المفاوضات المتعددة الأطراف بشأن المياه والتبادل الاقتصادي ونزع السلاح (نزع السلاح من جانب واحد!).
بهذا الإسهاب حاولت جريدة الأهرام تصوير حجم المكاسب المزعومة التي سيحصل عليها الفلسطينيون من جراء اتفاق أوسلو، إلا أن الحقيقة واضحة لكل من له عينين؛ فاتفاق أوسلو لم يكن سوى اعتراف بدولة الاحتلال الصهيوني وبداية انقضاض السلطة الفلسطينية على المقاومة الوطنية.
15 سبتمبر: الأردن وإسرائيل يوقّعان اتفاقاً يشمل الانسحاب من أرض أردنية محتلة... ورابين يصل إلى المغرب
هذا كان عنوان جريدة الأهرام ليوم 15 سبتمبر 1993، وكأن لسان حال الجريدة يقول "إن اتفاق أوسلو لم يكن مفيداً للفلسطينيين وحدهم، ولكنه مفيد للعرب أجمعين"، في إشارة إلى فوائد الاتفاق الذي كان سبباً في نجاحه "سيادة الرئيس" الملهم المحنك!! ويفيد الخبر بأنه بعد 24 ساعة من توقيع اتفاق إعلان المبادئ بين إسرائيل والفلسطينيين، وقّع الأردن وإسرائيل في واشنطن جدول أعمال يحدد خطوات المفاوضات بين البلدين، إلى أن جرى التوصل إلى اتفاق نهائي، ويشمل الجدول قضايا اللاجئين والأرض والمياه. وصرح مسؤولون إسرائيليون بأنّ إسرائيل وافقت بمقتضى جدول الأعمال على الانسحاب من شريطين صغيرين من الأرض، أولهما بالقرب من البحر الميت، وثانيهما شماليّ الأردن. ويلزم الجدول أيضاً كل طرف بعدم الإضرار بأمن الطرف الأخر، ويفيد الخبر بأنه في التوقيت نفسه وصل إسحق رابين رئيس الوزارء الصهيوني برفقة شيمون بيريز وزير خارجيته إلى العاصمة المغربية الرباط لعقد اجتماع مع الملك الحسن الثاني، تمهيداً لإقامة علاقات دبلوماسية بين الطرفين، وقال موشي شاحال، رئيس وزراء إسرائيل بالنيابة: "إن دولاً عربية أبدت رغبتها في إقامة علاقات مع إسرائيل"، وقد دعا رابين إلى لقاء قمة مع الملك حسين ملك الأردن، وقال "إن هناك فرصة غير عادية لحل المشاكل الأردنية الفلسطينية".
16 سبتمبر: كلينتون يبدأ حملة عالمية لمساعدة الفلسطينيين
"كلينتون يبدأ حملة عالمية لمساعدة الفلسطينيين ويدعو لاجتماع مشترك عربي أوروبي آسيوي". بهذا العنوان تبدأ جريدة الأهرام بسرد إنجازات اتفاق أوسلو؛ إذ يلي هذا العنوان العريض عناوين أخرى بحجم أصغر مثل: "البنك الدولي يقترح 3 مليارات لغزة والضفة"، ويفيد الخبر بأنّ بيل كلينتون طلب عقد اجتماع يشمل الدول العربية والأوروبية والآسيوية لوضع خطة لتقديم المساعدات المالية لأعمال التنمية في مناطق الحكم الذاتي الفلسطيني.
ويفيد الخبر أيضاً باستعداد كلينتون لقيادة حملة عالمية لجمع الأموال اللازمة لدعم الاتفاق الفلسطيني الإسرائيلي؛ إذ إن وزارة الخارجية الأميركية طلبت من دبلوماسييها المعتمدين في مختلف دول العالم العمل على حثّ هذه الدول على تقديم الأموال لضمان نجاح اتفاق الحكم الذاتي الفلسطيني، وفي تركيز على دور النظام المصري في سبيل بناء سلطة الحكم الذاتي، سلطت الجريدة الضوء على تصريحات أسامة الباز، وكيل أول وزارة الخارجية ومدير مكتب الرئيس للشؤون السياسية، الذي أوضح أنّ مصر لن تتردد إطلاقاً في مساعدة الفلسطينيين وفي تدريب الكوادر، وخاصةً في مجال الشرطة والمجالات الأخرى ليمارسوا مهماتهم، مثل تحصيل الضرائب وإعداد الميزانية وإدارة المستشفيات.
17 سبتمبر: مبارك وعرفات بحثا خطوات تنفيذ اتفاق "غزة - أريحا" وتنسيق المواقف خلال المرحلة المقبلة
بهذه الكلمات عنونت صحيفة الأهرام عددها الصادر في 17 سبتمبر 1993، وتفيد الصحيفة بأنّ الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات صرح بـ"أنّ الدور المصري أكبر من أن يتجاهله أحد، والدليل على هذا أن أول بلد أقوم بزيارته عقب عودتي من الولايات المتحدة الأمريكية هو مصر"، وأضاف عرفات: "عقدت جلسة مباحثات طيبة ومباركة مع الرئيس المجاهد محمد حسني مبارك تحمل كل معاني الأخوة والإيجابية". وفي رصد لجهود النظام المصري في إنجاح الاتفاق، ذكرت الجريدة أن عمرو موسى وزير الخارجية المصري أكد أن الاتفاق سيتبعه العديد من الخطوات والمزيد من اللقاءات ستجري بين اللجان، وستتخذ بعض الترتيبات لنقل السلطة الفعلية. وأكد أن تنفيذ الاتفاق سيبدأ بعد شهر من توقيعه، أي يوم 13 أكتوبر. وأضاف موسى أن الرئيس عرفات طلب من مبارك مواصلة الدور المصري والدعم المصري والاتصالات التي تجريها مصر، بالإضافة إلى تدريب أفراد فلسطينيين في مجالات مختلفة.
ورداً على سؤال لمندوب الأهرام عن تصوره للدور المصري، أجاب عرفات: "إذا استخدمنا كلمة" دور"، فإن في هذه الكلمة ظلماً لمصر؛ فمصر شريك كامل في كل شيء معنا. في كل ما قمنا به وكل ما نقوم به في المستقبل إن شاء الله". هكذا أخذت صحيفة الأهرام تسلّط الضوء على دور النظام المصري في إنجاح الاتفاق.