التعداد السكاني: تطور العمليات الإحصائية الفلسطينية
يوسف كامل إبراهيم/ غزة*
تناولنا في حلقة سابقة محاور التعداد السكاني وعناوينه، وتاريخ التعداد
السكاني حتى أواخر القرن التاسع عشر. في هذه الحلقة نواصل الحديث عن تطور التعداد في
القرن العشرين، ونتناول المؤسسات العلمية الفلسطينية التي يعتبر التعداد والإحصاء واحداً
من تخصصاتها ورسالتها:
كان أول تقدير لعدد سكان فلسطين في القرن العشرين هو التقدير العثماني
الذي أُعلن في عام 1914، وهو العام الذي نشبت فيه الحرب العالمية الأولى، وكان عدد
سكان فلسطين آنذاك 689,275 نسمة منهم 8% من اليهود.
بعد خضوع فلسطين للانتداب البريطاني أصبح عدد سكان فلسطين حسب التقدير
الرسمي 673 ألف نسمة، منهم 521 ألفاً من المسلمين و67 ألفاً من اليهود و78 ألفاً من
المسيحيين وسبعة آلاف من المذاهب الأخرى. ومع انتهاء فترة الحكم العثماني ودخول الانتداب
البريطاني، تم إجراء بعض التقديرات لسكان القرى والبلدات الفلسطينية، حيث قُدّر عدد
السكان الفلسطينيين في عام 1917 بـ 642 ألف نسمة منهم 62.5 ألف مسيحي و515 ألف مسلم
و63.3 ألف يهودي.
في تشرين الأول/ أكتوبر 1922 تم إجراء أول تعداد في فلسطين، وقد بلغ عدد
سكان فلسطين في ذلك العام 752,048 نسمة، أي بزيادة مقدارها 104,198 نسمة عن تقديرات
عام 1917، وقد أشير إلى ذلك (E. Mills, 1923)
بأن أول تعداد رسمي لسكان فلسطين قد جرى في الثاني والعشرين من تشرين الأول/ أكتوبر
لعام 1922 حيث بلغ عدد السكان آنذاك 757,182 نسمة بينهم 83,794 يهودياً ونسبتهم إلى
المجموع حوالى 11.1% والباقون عرب. وفي تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1931 تم تنفيذ التعداد
الثاني في فلسطين، ووصف بأنه أكثر تفصيلاً، وكانت نتائجه أشمل وأعمّ من سابقه، حيث
بلغ عدد سكان فلسطين في عام 1931 حوالى 966,761 نسمة منهم 693.147 مسلماً 88,907 مسيحياً،
174,616 يهودياً، 10,101 آخرين.
بعد ذلك تم استخدام أسلوب التقدير في معرفة حجم السكان الفلسطينيين إلى
أن تم إجراء مسح في فلسطين بين منتصف عامي 1945 و1946، وقد قدر عدد السكان في هذا المسح
في نهاية عام 1944 بـ 1,673,071 نسمة منهم 994,724 مسلماً و528,702 يهودي و135,547
مسيحياً و14,098 آخرين.
وقد تم الاعتماد على نتائج تعداد 1931 ومسح 1945 حتى عام 1961 حيث نفذت
حكومة المملكة الأردنية الهاشمية تعداداً عاماً للسكان في تشرين الثاني/ نوفمبر من
العام نفسه. وقد شمل سكان الضفة الغربية حيث قسمت إلى ثلاثة ألوية (نابلس والقدس والخليل)
وبلغ عدد سكان هذه المناطق 805,450 نسمة. أما قطاع غزة فلم يكن هناك نشاط إحصائي حقيقي
أو ملموس، حيث لم تولِ الإدارة المصرية اهتماماً كبيراً في مجال جمع المعلومات الإحصائية
عن قطاع غزة، بل توافرت بعض البيانات والإحصائيات من خلال بعض الدوائر التي أشرفت عليها
مثل التربية والتعليم وإدارة الحاكم العام.
بعد الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة في عام 1967 انفردت
السلطات الإسرائيلية بجمع المعلومات الإحصائية عن الضفة الغربية وقطاع غزة، وقامت بإجراء
حصر للسكان في المناطق المحتلة في أيلول/ سبتمبر من ذلك العام، وقد جاءت هذه الأنشطة
لخدمة الأهداف الإسرائيلية ولتكريس الاحتلال الإسرائيلي، فالتعداد السكاني الذي أجرته
«إسرائيل» بعد عام 1967 كان هو التعداد الوحيد، وظل هو الأساس لكل المعلومات الإحصائية
المتعلقة بالسكان الفلسطينيين وباقي الأنشطة ذات العلاقة بالمعالجة الإحصائية، وحسب
هذا التعداد قد بلغ عدد سكان الضفة 598.637 نسمة، وعدد سكان قطاع غزة 356,261 نسمة.
ومع بداية سنوات السبعينيات وخلال هذه الفترة لم تتمكن منظمة التحرير
الفلسطينية أو الحركة الوطنية من الاهتمام بالجانب الإحصائي ولم تستوعب أهمية الرقم
الإحصائي وانعكاساته على المستوى السياسي. وفي عام 1973 عهد مركز الأبحاث في منظمة
التحرير الفلسطينية إلى الباحث إلياس خوري أن يجمع ويسجل ويقدم في كتاب واحد ما يمكن
إعداده والوثوق به من إحصاءات أساسية في مدى سنة واحدة، وذلك بمساعدة قسم الدراسات
الفلسطينية في المركز. فقد قدم أنيس الصايغ في تمهيده لكتاب إحصاءات فلسطينية الصادر
في حزيران 1974 وقال: «لا شك أن جمع الإحصاءات المتوافرة في كتاب واحد سيكون عوناً
كبيراً لأي باحث يتناول جانباً من جوانب الدراسات الفلسطينية، سواء أكان الباحث طالباً
أم كاتباً أم صحفياً أم معلقاً، وإننا نأمل أن يفي كتابنا هذا بشيءٍ من الغرض المطلوب
منه، ولا نطمح إلى أكثر من ذلك لأننا نعرف الحدود التي يقف الكتاب عندها، وهي التي
تجعلنا نعتبره مجرد محاولة وليس أكثر من ذلك».
وظل الاعتماد على هذه البيانات سارياً، ولم يجرِ في الضفة الغربية وقطاع
غزة أي تعداد أو مسح عام سوى بعض الدراسات والمسوح المتخصصة الصغيرة التي قام بها بعض
الباحثين ومؤسسات الدراسات.
الإحصاءات السكانية بين منظمة التحرير والمؤسسات البحثية
كانت هناك علامات مميزة لبعض
المؤسسات الفلسطينية في مساهمتها في الدور الإحصائي وتوفير الرقم الإحصائي الفلسطيني
ومن مساهمات هذه المؤسسات، مساهمة جامعة بيرزيت لإجراء تعداد للسكان، حيث حاولت إجراء
مسح سكاني شامل وتمكنت من جمع معلومات عن 85% من البقعة الجغرافية، لكن الإشكالية الأساسية
أن هذه التجربة لم تكن تملك استمارة مصممة على أسس علمية صحيحة، ولم تكن هناك خطة لإدخال
المعلومات في الحاسوب أو تفريغ المعلومات على الورق، وكذلك لم تكن هناك إمكانات مادية
كافية للاستمرار ولم تكن هناك إدارة ناجحة، الأمر الذي أدى في النهاية إلى انهيار المشروع
بأكمله.
من بين الدراسات التي كانت لها علاقة، تلك الدراسة التي أصدرها مركز الوثائق
والأبحاث التابع للجامعة، التي قام بها مكتب محو الأمية وتعليم الكبار والتي هدفت إلى
جمع المعلومات الخاصة بعينة القرى الفلسطينية والتي بلغ حجمها 10% من قرى الضفة الغربية.
وقد شملت الدراسة أسماء القرى الفلسطينية، السكان، الهجرة، الأيدي العاملة، التعليم،
الخدمات العامة، كما شملت على إحصائيات حول قرى الضفة الغربية وقطاع غزة ومعلومات تفصيلية
عن قرى الضفة الغربية وقطاع غزة.
وكانت هناك محاولة أخرى من قبل جامعة النجاح الوطنية قام بها مركز الدراسات
الريفية. فمع بداية سنوات الثمانينيات أصدر مركز الدراسات الريفية النشرة الإحصائية
السنوية للضفة الغربية وقطاع غزة، وقد أصدر المركز مجموعة من الإصدارات ومنها مجموعة
التقارير الإحصائية، مجموعة الدراسات المتخصصة، مجموعة الدراسات الاستشارية، مجموعة
دراسات الجدوى الاقتصادية، وقدمت هذه الدراسات معلومات وإحصائيات عن السكان والقوى
العاملة، الاقتصاد والتجارة والأسعار، الزراعة، التعليم، البلديات والسلطات المحلية،
الميزان الغذائي، الأرصاد الجوية.
كان أكبر المسوح التي أجريت في الضفة الغربية وقطاع غزة ذلك المسح الذي
أجرته مؤسسة (FAFO)
النرويجية والذي كان هدفه التعرف بالواقع المعيشي للشعب الفلسطيني استكمالاً للمفاوضات
التي كانت تجري سراً في أوسلو. وأصدرت المؤسسة في نهاية المسح دراسة تحتوي على نتائج
أول دراسة مسحية لمستوى الأوضاع الحياتية، حيث تم جمع المعلومات خلال شهرين من صيف
1992، وأجريت مقابلات مع عينة تمثيلية مختارة بعناية تتألف من 2500 أسرة فلسطينية،
قام باستجوابها 100 جامع معلومات فلسطيني تم تدريبهم خصيصاً لهذا الغرض.
كما حاولت لجان الإغاثة الصحية إقامة قاعدة بيانات صحية صدرت عنها مجموعة
من الدراسات ذات العلاقة بالمؤشرات الصحية. كما صدر عدد من خرائط التوزيعات التي لها
علاقة بالإحصائيات التي تم جمعها، كما كانت هناك مساهمة من الملتقى الفكري لبناء قاعدة
بيانات.
مما سبق، إذا أردنا أن نقوِّم النشاط الإحصائي الفلسطيني بشكله المؤسساتي،
فإن جميع البيانات والإحصائيات لم تكن سوى محاولات لتوفير الرقم الإحصائي في ظل غياب
المؤسسة الإحصائية الفلسطينية الرسمية على الرغم من المحاولات السابقة لمؤسسي العمل
الإحصائي التي باءت جميعها بالفشل للوصول إلى إنشاء مؤسسة إحصائية رسمية.
سنة 1979 صدر قرار بإنشاء دائرة الإحصاء الفلسطينية، وأطلق عليها اسم
مكتب الإحصاء المركزي، وأقيم المركز في دمشق حيث باشر بعض النشاطات التي يمكن وصفها
بأنها جيدة، وكان يمكن استثمارها والتوسع بها لتصبح الركيزة الأساسية وقاعدة المؤسسة
الحقيقية للنشاط الإحصائي الفلسطيني، وكانت مخيمات لبنان وسورية هي المناطق التي أجرى
فيها المركز دراسته، وجرى فتح مكتب له في الأردن، ولكن لأسباب سياسية تجمد نشاط المركز.
مع تعذر القيام بخطوات عملية في مجال تطبيق خطة التنمية الفلسطينية دون
استخدام معطيات رقمية موضوعية وشاملة، قامت منظمة التحرير الفلسطينية، ممثلة بدائرتها
الاقتصادية، بخطوة جريئة لسدّ الفراغ الإحصائي من خلال تكليف مجموعة من الفلسطينيين
المقيمين في الأرض المحتلة بالعمل على إنشاء دائرة إحصاء فلسطينية تتولى مهمة جمع وتحليل
البيانات في مختلف المجالات وذلك في 13/3/1993. وقد باشرت هذه المجموعة نشاطها في سبيل
تحقيق مهامها وتمكنت من تأمين الموارد المالية وصياغة خطط العمل الضرورية. وقد توج
عمل هذه المجموعة بافتتاح غير رسمي لمركز الإحصاء الفلسطيني في 1/9/1993 وبشكل رسمي
في 1/10/1993.
أصدر هذا المركز مجموعة من التقارير التي تتعرض للوضع الديموغرافي للشعب
الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، وخاصة التقرير الرقم (1) الذي حمل عنوان (ديموغرافية
الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة). وتتناول هذه الدراسة أهم المؤشرات الديموغرافية
للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث حاولت هذه الدراسة حسم الجدل الدائر
حول توقعات حجم السكان من خلال التعرض للأرقام المنشورة وتقويمها تقويماً موضوعياً
ومهنياً بموضوعية ومهنية. وتطرح هذه الدراسة اجتهادات مركز الإحصاء الفلسطيني حول هذا
الموضوع، ثم تتعرض الدراسة إلى معدلات الخصوبة في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة كلاً
على حدة. كما تستعرض الدراسة الجهود التي تمت في مجالات تقدير نسب الوفيات بين الأطفال،
ورغم شحّ المصادر المتوافرة حول الهجرة وأنماطها تتولى هذه الدراسة استعراض ما نشر
حول هذا الموضوع وتضع مجموعة من الفرضيات حول الأنماط المتوقعة مستقبلاً، كما تستعرض
ما يتوافر من إحصائيات حول الزواج والطلاق، كذلك تُوفّر الدراسة توقعات عن أعداد السكان
للأعوام المقبلة.
* أستاذ محاضر في جامعة الأقصى بغزة