ظل شهر أيار من كل عام محطة يتوقف عندها
الشعب الفلسطيني لاستعادة ذكرى نكبة 1948 التي خلفت مئات الشهداء والجرحى ومئات آلاف
اللاجئين الذين شُردوا من أرضهم، ونهبت ثرواتهم ودمرت قراهم وبيوتهم. ولكن شهر أيار
قد تحول في السنوات الأخيرة إلى موسم يجدد فيه الشعب الفلسطيني إيمانه بحق العودة،
ويعزز فيه انتماءه إلى فلسطين أرضاً وتاريخاً وقضية. وكما كانت مسيرات العودة التي
نظمت إلى الحدود الفلسطينية في ذكرى النكبة عام 2011 منعطفاً حقيقياً في مسألة تمسك
اللاجئين الفلسطينيين بانتمائهم إلى فلسطين، كانت (الحملة الوطنية للحفاظ على الهوية
الفلسطينية – انتماء) في نسختها الثانية علامة فارقة في تجديد الانتماءإلى لفلسطين
وتعزيزه في كل مناطق الشتات.
مع اقتراب الساعة الصفر لانطلاق الحملة
بنسختها الثالثة في شهر أيار 2012، كانت لنا وقفة مع الأستاذ ياسر قدورة – أحد الناشطين
والمنظمين للحملة – لنسأله عن هذه الحملة وأهدافها والاستعدادات القائمة لهذا العام.
العودة: ابتداءً وقبل الدخول في تفاصيل
الحملة، هل لكم أن تعطونا فكرة عن معنى (الهوية) الذي تتحدثون عنه؟ وهل هناك فعلاً
صراع على الهوية مع العدو الصهيوني؟
لكل جماعة من الناس تجمع بينهم صفة واحدة
أو أكثر، ويكون أفراد الجماعة مدركين لوجود هذه الصفة، لكل جماعة من هذا النوع هوية
جماعية، وغالباً ما يكون التعبير عن هذه الهوية بمجموعة من الرموز التي يستعملونها
للتعبير عن وعيهم بكونهم جماعة مميزة عن غيرهم، ولتعريف الآخرين بأنهم أعضاء في تلك
الجماعة.
ومن البديهي أن الإنسان الذي ينتمي إلى
جماعة لها تاريخ طويل وحضارة عريقة يكون انتماؤه إلى جماعته أعمق وتمسكه بها أوثق من
إنسان ينتمي إلى جماعة طارئة حديثة، فما بالنا إذا كانت الجماعة مستولدة أو مخترعة
منذ أقل من سبعة عقود.
والعدو الصهيوني الذي جثم على صدر الشعب
الفلسطيني منذ الأربعينيات من القرن الماضي اخترع لنفسه كياناً سماه (دولة إسرائيل)
وأراد أن يخترع له هوية يقنع بها الآخرين وربما أراد أن يقنع جمهوره أيضاً بأنها هوية
قديمة وعريقة، وبما أن أقوى عناصر أو رموز الهوية هي تلك المستوحاة من التراث الشعبي،
فقد دأب العدو الصهيوني على سرقة عناصر التراث الشعبي الفلسطيني والعربي أحياناً، وحاول
نسبتها إلى نفسه بنحو سافر ومستفز أحياناً
في الوقت نفسه الذي يحاول فيه طمس عناصر أخرى من عناصر الهوية والتراث الفلسطيني.
العودة: ما هي مظاهر الصراع على الهوية؟
وهل هناك ممارسات إسرائيلية على الأرض لطمس الهوية الفلسطينية؟
بعملية بحث سريعة يمكن إيجاد عدد كبير من
الأمثلة التي حاول بها العدو الصهيوني سرقة التراث والهوية الفلسطينيَّين، سواء منها
ما يتعلق بالزي الفلسطيني واستخدامه للثوب التراثي المعروف في مناسبات إسرائيلية ادعاءً
بأنه تراث إسرائيلي، إلى استخدام الكوفية الفلسطينية المعروفة، ولكن بلون العلم الإسرائيلي،
إلى سرقة أكلات شعبية فلسطينية كالفلافل وغيرها، وذلك بالتزامن مع إجراءات صهيونية
على الأرض في فلسطين كهدم المقابر وبعض المساجد أو الكنائس الأثرية، وإزالة الأسماء
العربية عن بعض المناطق والشوارع، بل حتى منع تدريس «النكبة» في المناهج للعرب المقيمين
في مناطق الـ 48، كل ذلك في محاولة لطمس تاريخ وهوية الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج.
العودة: وما هي فكرة الحملة الوطنية للحفاظ
على الهوية الفلسطينية؟ وكيف انطلقت؟
من هذا الواقع تداعت بعض المؤسسات الفلسطينية
الناشطة في مجال حق العودة في الشتات، وتحديداً في لندن، سوريا، ولبنان عام 2010 لتنظيم
(الحملة الوطنية للحفاظ على الهوية الفلسطينية) لمدة أسبوع، يكون التركيز خلاله على
رفع العلم الفلسطيني وتنشيط كل ما له دلالة على الهوية الفلسطينية، مثل ارتداء الكوفية
أو إقامة الفاعليات والمعارض للتراثيات والصور، أو حتى الأكلات الشعبية الفلسطينية.
وقد حققت الحملة في ذلك العام نجاحات طيبة ولاقت قبولاً عند جمهور واسع من الشعب الفلسطيني،
فكانت النقلة النوعية في عام 2011.
وضعت الجمعيات التي أسست للفكرة عام
2010 تصوراً أشمل للحملة في عام 2011، فتواصلت مع عشرات المؤسسات والجمعيات في مختلف
مناطق الشتات المنتشرة في أوروبا والبلاد العربي للاشتراك في حملة عام 2011 تحت اسم:
(الحملة الوطنية للحفاظ على الهوية الفلسطينية – انتماء)، وكانت النتيجة أن عدد المؤسسات
المشاركة في الحملة تجاوز خمسين مؤسسة. وقد تنوعت اختصاصات هذه المؤسسات والجمعيات
من مؤسسات حقوقية، ومراكز دراسات إلى جمعيات كشفية وروابط طلابية وأخرى للمعلمين، فكان
العمل موزعاً على محورين: المحور الإعلامي والمحور الميداني.
العودة: رأينا زخماً في فاعليات الحملة
عام 2011، ولكن ما هي الأهداف التي ترجون تحقيقها من خلال حملة «انتماء»؟
عندما انطلقت حملة «انتماء»، كانت الخطوة
الأولى في المشروع هي تحديد الأهداف، وقد أعلنت هذه الأهداف ووزعتها على عامة الناس
والإعلاميين والعلماء والمدرسين وكافة الشرائح الاجتماعية، ولخصتها بثلاثة أهداف: أولاً،
تعزيز الشعور الوطني في أوساط اللاجئين الفلسطينيين في مختلف أماكن وجودهم داخل فلسطين
وخارجها. وثانياً، تفعيل الدور الشعبي الفلسطيني وإبراز تمسكه بحقوقه التاريخية، وعلى
رأسها حق العودة. وأخيراً تهدف الحملة إلى إنعاش الذاكرة الجمعية والحفاظ على الهوية
الفلسطينية.
العودة: وما هي أبرز فاعليات الحملة في
السنوات الماضية، وهل هناك جديد هذا العام؟
كما ذكرنا، فقد مُدِّدت فترة الحملة خلال
عام 2011 لتكون شهراً كاملاً هو شهر أيار،
أي شهر النكبة، بدلاً من أسبوع واحد، وكذلك سيكون الأمر عام 2012. وقد حُدِّدت جملة
من الفاعليات التي تُعَدّ أساساً في الحملة، كرفع العلم الفلسطيني طوال شهر أيار، ارتداء
اللباس التراثي الفلسطي،ني وكل ما يرمز إلى فلسطين، مثل الكوفية والوشاح الفلسطيني،
نشر الملصقات الدعائية والتراثية في الأماكن العامة، كتابة المقالات والتقارير الصحافية
التي تتناول موضوع الهوية والتراث، والمشاركة في مسيرات واعتصامات تنظم باتجاه الحدود
الفلسطينية.
وبالفعل كان التفاعل واضحاً مع الحملة في
مختلف الساحات، وأسهم في انتشار الحملة التضامن الإعلامي من مؤسسات إعلامية عديدة،
سواء الفضائيات أو بعض الإذاعات المحلية والصحف، وقد وزعت الحملة مادة إعلامية موحدة
في الساحات التي عملت فيها، ونفذت فاعليات متنوعة، كانت منها حواجز محبة على أبواب
المخيمات وزعت خلالها بعض المواد الإعلامية، وكذلك فاعليات رياضية، كشفية، وطلابية
في المدارس. وكانت المحطة الأبرز في مسيرات 15 أيار باتجاه الحدود الفلسطينية، التي
نظمتها مجموعة كبيرة من المنظمات الشبابية والفصائل والأحزاب الفلسطينية واللبنانية،
وكان لحملة «انتماء» دور إعلامي بارز في الدعوة والحثّ على المشاركة فيها.
والمراقب لهذه الحملة يشهد تطوراً إيجابياً
في أدائها عاماً بعد آخر بفضل التجربة، وأظن أن الناس سيلمسون تطوراً وجديداً في حملة
«انتماء» 2012 إن شاء الله. فبعد انتهاء الحملة في العام الماضي، جرى تقويم للفاعليات
والأداء عموماً، وسُجِّل عدد من الملاحظات والتوصيات، وقد دُرست وأُخذت في الاعتبار
مع بداية التحضيرات للحملة الجديدة.
العودة: جرت تطورات إقليمية كثيرة، واللاجئون
الفلسطينيون غير بعيدين عن هذه الأحداث، ألا ترون أنه سيكون لهذه الأحداث انعكاس سلبي
على حملة الحفاظ على الهوية الفلسطينية؟
بالفعل، يبدي البعض قلقهم من انعكاس آثار
الأحداث الجارية في المنطقة على هذه الحملة؛ إذ إن الأحداث في سوريا مثلاً، والحراك
في الأردن وما يتعرض له اللاجئون الفلسطينيون في العراق أخيراً، إضافة إلى تجدد العدوان
على قطاع غزة قد يؤثر على فاعلية الحراك ضمن أنشطة الحملة. لكن ما هو متفق عليه أنه
مهما كانت الظروف، فإن مسألة الهوية ليست مسألة ثانوية أو هامشية بالنسبة إلى الشعب
الفلسطيني، وبالتالي إن المؤسسات المشاركة تعمل على وضع تصور يأخذ المستجدات والمتغيرات
في الاعتبار وستبتدع من الأفكار والأساليب ما يعيد الوهج لحملة الحفاظ على الهوية ويضمن
استمرار الفكرة التي تحولت إلى مشروع سنوي.
ونعتقد أن الناس خاصة في المنطقة العربية
مهما تفرقوا واختلفوا، فإن فلسطين تجمعهم. لذلك، لا نرى سبباً يدعونا إلى التراجع أو
الإحجام عن المضي في الحملة، بل على العكس نظن أنها ستلقى الدعم والتأييد أكثر من السنوات
السابقة. ♦