رؤيـة
العودة ثم العودة ولا بديل من العودة
العودة ثم العودة ولا بديل من العودة
مصطفى الصواف - غزة
الثابت بعد خمسة وستين عاماً على النكبة، هو نحن بحاجة إلى تعزيز ثقافة العودة وزرعها في نفوس الكل الفلسطيني لإحياء هذه الثقافة في النفوس والعقول والتمسك بحق العودة ومقاومة التنازل عن هذا الحق. ورغم أن حق العودة لم يمت في نفوس الفلسطيني، لا في الداخل ولا في الخارج، ودليل ذلك هو رفض التوطين منذ اللحظات الأولى للرحيل عن فلسطين، وقبلوا البقاء في مساكن لا ترقى للبشر، وفي ظروف أقلّ ما يقال فيها أنها صعبة وغير إنسانية ولا تليق بالعيش الآدمي. ورغم ذلك، صمد وأفشل كل مشاريع التوطين من سيناء حتى الأردن ولبنان، ويرفض أي?بديل للعودة مهما طال الزمن، ومهما كانت المغريات التي حاول الكثيرون تقديمها.الفلسطيني اليوم يرفض التنازل عن حقه في العودة، وهو يرى في المفرّطين بهذا الحق المتنازَل عنه للاحتلال الصهيوني أنهم خونة وعملاء، وأنهم لا يمثلون الشعب الفلسطيني، ويرفضون رفضاً قاطعاً أيَّ تنازل عن هذه الحقوق. وإن تنازل البعض عن حقه، فهذا لا يعني أن الشعب الفلسطيني يمكن أن يتنازل عن هذا الحق؛ لأنه دفع ثمناً لهذا الحق، الدماءَ والشهداءَ والأسرى والجرحى، وعاش العذابات والمعاناة في مخيمات اللجوء، ولا يزال بعضهم يعيش المعاناة بكامل صورها، وخاصة اللاجئين في لبنان.
هذا التمسك بالعودة يعطي دليلاً واضحاً على أن الفلسطيني لم يكن يوماً مفرّطاً بالأرض، وأن مقولة أن الفلسطيني باع أرضه لليهود هي مقولة باطلة، وخاصة إن علمنا أن هناك محاولات كثيرة رغم سيطرة الصهاينة على أرض فلسطين المحتلة من عام ثمانية وأربعين، إلا أن سماسرة الأرض ما زالوا يسعون إلى شراء الأرض من مالكيها عبر طلب شراء كواشين الطابو، والرافضون في غالبيتهم هم الورثة والذين لم يروا الأرض ولم يعيشوا عليها ولم يشتموا رائحة طينها وترابها، فكيف من جُبلت الأرض بدمائهم وعرقهم، فهل يمكن أن يقبلوا بالتنازل عن هذه الأرض أو?بيعها؟
اليوم باتت الآمال أوسع، والأحلامُ أصبح الناس يرونها على أرض الواقع، وباتت ممكنة التحقق، ويصبح التمسك بالأرض أكبر. وهذا يجعلنا نركّز على ضرورة التثقيف للفلسطيني بأهمية التمسك بالأرض وزرع ثقافة العودة في نفوس الأجيال المختلفة عبر برنامج مكثف بتذكير هذه الأجيال بأن هذه الأرض هي أرض الأجداد، وأن تحريرها وعودتها أمر مقدس يجب التمسك به والعمل على تحقيقه بكل الوسائل. عملية التثقيف يجب أن تكون وجبة يومية كالإفطار والغداء والعشاء، تبدأ من طابور الصباح، ويجب تخصيص حصة يومية للطلبة تتحدث عن الحقوق والثوابت والأرض وال?ودة. والبيت يجب أن يتحمل المسؤولية في تعزيز ثقافة العودة وثقافة التاريخ والجغرافية في المدن والقرى الفلسطينية المختلفة، حتى تبقى فلسطين راسخة في العقول والنفوس.
المطلوب أن نخرج من ثقافة النكبة والبكائيات والمظلومية إلى ثقافة العودة وترسيخها، وأن تركز كافة الوسائل على هذه الثقافة الإيجابية، من خلال وسائل الإعلام ومنابر المساجد ودواوين العائلات وكافة الأدوات الإعلامية الحديثة عبر شبكات التواصل الاجتماعي ومراكز البحث العلمي والجمعيات الثقافية والتعليمية، حيث يقيم الفلسطينيون في الداخل أو الخارج في العالم العربي أو في أوروبا. ويجب أن يدرك الجميع أن وجودنا في الخارج هو وجود مؤقت، وهو ناتج من عملية اغتصاب من قبل يهود، وهذا الاغتصاب يجب أن ينتهي.
ثقافة التمسك بالأرض تنبع من ضرورة أن يحفظ الفلسطينيون أسماء مدنهم وقراهم وتراثهم وحضارتهم؛ فعندما يُعرّف الفلسطيني نفسه، يذكر من أي المدن أو القرى هو، ثم يكمل التعريف بأنه يسكن في المكان الذي يسكن فيه؛ فبطاقة التعريف يجب أن تكون أنا فلان ابن فلان من مدينة يافا وأسكن غزة أو نابلس أو مخيم الوحدات أو نهر البارد أو لندن أو باريس.
هذا يتطلب في المقابل مقاومة مفهوم البديل ورفض فكرة التوطين من قبل أي جهة كانت دولية أو عربية أو حتى فلسطينية من أصحاب مشاريع التصفية للقضية والقبول بالأمر الواقع عبر ثقافة الواقعية والتفريط بالحقوق والثوابت وتعزيز الانتماء إلى الوطن وإن طال الغياب، وهذا الغياب أمر طارئ ناتج من ضعف على مدى السنوات الطوال، وهذا الضعف لن يطول وعلينا أن نحيي الوطن في النفوس وفي الثقافة؛ لأنّ أول التحرير هو أن يبقى الوطن في الذاكرة حتى لا ننسى.
الثقافة هي سلاح المواجهة الحالي، هذه الثقافة بالوطن ومفرداته هي التي تمكننا من الدفاع عن هذا الوطن في مواجهة العدو في المحافل الإعلامية والثقافية. وعندما نريد أن نشرح قضيتنا ويسألنا الآخرون عنها، ينبغي أن يكون لدينا ما يمكن أن يقال حتى نتمكن من إقناع الآخرين؛ لأنه لا يمكن أن ندافع عن أمر نجهله، وعلينا أن نقرّ بأننا بحاجة إلى تعزيز ثقافة الوطن تاريخاً وجغرافية وحضارة، وأن نعزز مفهوم العودة بدلاً من الحديث عن النكبة والهجرة والمآسي التي مر بها الفلسطينيون. يجب أن تنتهي ثقافة النكبة والبكائيات، وأن نعزز ثقافة?العودة والأمل في التحرير وتبيان وسائله وطرقه وأثمان هذا التحرير.♦