مقالات
حملة الوفاء الأوروبية لعون منكوبي سورية إذ تعلّق جرس إغاثة اللاجئين
حملة الوفاء الأوروبية
لعون منكوبي سورية إذ تعلّق جرس إغاثة اللاجئين
عز الدين أحمد ابراهيم/بيروت
كم شهيداً فلسطينياً في مخيمات سورية نحتاج حتى تتجهز قافلة معونات جديدة لإغاثتهم؟ وكم من منزل مهدّم نحتاج؟ وكم زيارة من مؤسسات دولية أو أوروبية سننتظر حتى تكتمل الصورة الكارثية لأوضاع اللاجئين في المخيمات؟ وكم من مقطع فيديو مسرب نحتاج حتى نستشعر حجم مصيبة ألمّت بإخواننا هناك؟ وهل موضوع المخيمات في سورية ذو بعد إنساني إغاثي فقط، أم أن القضية سياسية بامتياز في الأساس، وتتطلب جهداً سياسياً وإنسانياً؟!
تساؤلات نطرحها في ضوء ما قامت به مؤسسات فلسطينية في أوروبا من مبادرة مشكورة بتجهيز قافلة إغاثية للاجئين الفلسطينين، وكذلك للأشقاء السوريين أصحاب الأيادي البيضاء تجاه القضية الفلسطينية قبل محنتهم، مبادرة – رغم تقديرنا لها - تثير شجوناً وألماً في النفس، لما آلت إليه منظومة العمل الفلسطيني الوطني، وفي مقدمتها منظمة التحرير الفلسطيني، التي يفترض بها أن تكون الحاضر الأبرز – قولاً وفعلاً - في هذه الأوقات.
المبادرة التي جاءت ضمن حملة الوفاء الأوروبية لعون منكوبي سورية، استطاعت أن ترمي حجراً في المياه الراكدة، ولفتت الأنظار إلى معاناة غفل عنها السياسيون، وحركت جزءاً من الرأي العام، ليس باتجاه اللاجئين فحسب، بل باتجاه الأشقاء السوريين التي لا تقل أوضاعهم سوءاً عن أوضاع أبناء المخيمات الفلسطينية.
المبادرة علقت الجرس، وأقامت الحجّة على الكل الفلسطيني، الشعبي والرسمي والفصائلي، بأن التحرك لأجل اللاجئين في سورية واجب وطني له الأولوية لا تقف أمامه أعذار أو تبريرات، فالدماء الفلسطينية واحدة، سواء كانت في غزة أو في مخيمات سورية أو في الضفة المحتلة.
المبادرة الأوربية عرّت أولئك النفر الذين توجهوا بأوامر رسمية إلى مخيمات سورية لـ"استعادة أملاك ومقارّ وأموال"، ولم يكلفوا أنفسهم عناء زيارة مخيم منكوب أو تفقد أحوال لاجئين فقدوا أحبابهم وبيوتهم وأصبحت المدارس والمعاهد أو الشوارع والحدائق مقر إقامة لهم!!
لا ندري ما هو حجم الدماء التي يجب أن تسفك حتى يصل الرسميون الفلسطينيون لقناعة بأن ما يجري هو مجزرة بكل ما تحمل الكملة من معنى تستهدف الوجود الفلسطيني في سورية؟! أو قناعة مفادها أن ما يجري في المخيمات أولى وأهم من الدوران في حلقة مفرغة اسمها المصالحة، سئم الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات من سماع أسطوانتها المشروخة.
أكثر من ألف لاجئ فلسطيني قضوا حتى الآن منذ بداية الأزمة، وأكثر من عشرين ألفاً نزحوا إلى لبنان، وعدة آلاف لجأوا إلى الأردن، وعشرات الآلاف ممن لا يملكون تكاليف السفر توزعوا في المناطق المنكوبة في سورية مصيرهم تحدده قذيفة أو رصاصة هناك، أو إهانة على حاجز هناك، والمستوى الرسمي الفلسطيني لم يتجاوز حدود الشجب والإدانة كحال الأنظمة العربية المتهالكة مع الجرائم الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني في الداخل المحتل.
أطراف المعادلة السياسية الفلسطينية الآن يمتلكون خيوطاً دولية أو إقليمية يستطيعون من خلالها القيام بعمل ما، يخفف من وطأة التشرد واللجوء الجديد لأبناء المخيمات، والجهود الشعبية والأهلية وبعض الفصائيلة تؤدي عملاً مشكوراً على الصعيد الإغاثي، ولكنه لم يرتقِ بعد إلى مستوى منظومة إغاثية - سياسية شاملة تنهي المعاناة المستمرة منذ أكثر من عامين.
انقضاء عامين على الأزمة السورية كفيل بأن ينضج الانطباعات المستقبلية لدى النخبة السياسية الفلسطينية لاتخاذ قرارات وخطوات عملية ترفع شيئاً من السخط الشعبي على الأداء الهزيل تجاه هذه المعناة المستمرة.
مشهد الخيمة التي يقيمها هذه الأيام لاجئون نزحوا من سورية إلى لبنان أمام مقر الأونروا في بيروت، حجة على كل سياسي فلسطيني يخرج على وسائل الإعلام متحدثاً عن حق العودة والثوابت الفلسطينية؛ فإغاثة هؤلاء أولى الآن وأهم من كل الثوابت. كيف لا والإنسان الفلسطيني في الداخل والشتات هو المادة الأساسية للثورة الفلسطينية المتواصلة منذ عقود؟
مشهد النازحين إلى مخيمات اللجوء في لبنان، وهم يصطفون بالطوابير أمام مكاتب الأونروا للحصول على بضعة دولارات لسد الرمق، هو إدانة للرسمية الفلسطينية التي هللت واحتفلت بعد حصولها على مقعد مراقب في المنظمة الدولية لم نرَ له أثراً حتى الآن!!
تعلمنا أن الأجيال لا تنسى، والتاريخ لا يغفل شاردة ولا واردة، والمواقف حيال ما يعانيه أبناء شعبنا في سورية إما أن تسجّل بماء من ذهب في صفحات من قام بواجبه، وإما ان تُسطّر بالعار والخزي لكل من امتلك قدرة على المساعدة وقصّر. ♦