من صحافتهم
من صحافتهم: منظومة القبة الحديدية.. فرحة سابقة لأوانها - عباس إسماعيل
منظومة القبة الحديدية.. فرحة سابقة لأوانها
عباس إسماعيل/ بيروت
هللت الأوساط السياسية والأمنية والإعلامية للنجاح الباهر المزعوم الذي حققته منظومة «القبة الحديدية» في اعتراض عدد من الصواريخ التي أطلقتها فصائل المقاومة الفلسطينية من قطاع غزة على عدد من مدن الاحتلال ومستوطناته الاحتلال خلال المواجهات الأخيرة.
بيد أنه في موازاة المشهد الاحتفالي، الذي لا يخلو من أبعاد إعلامية ومعنوية وحتى اقتصادية موجهة إلى الداخل الإسرائيلي كما إلى الخارج القريب والبعيد، صدرت أصوات حاولت وضع الأمور في نصابها الصحيح لجهة تسليط الضوء على مكامن الضعف الحقيقية من النواحي العملية، فضلاً عن عجزها من أن تكون بديلاً ناجعاً أو حلاً سحرياً للمشاكل والتهديدات التي تتعرض لها المستوطنات الصهيونية في جنوب فلسطين المحتلة.
هل هي الحل؟
من بين الأصوات المشككة بالجدوى العملانية والسياسية للقبة الحديدية، برز ما كتبه المحلل في القضايا الأمنية الاستراتيجية في صحيفة هآرتس، رؤوبان بدهتسور، الذي أشار بعد اعترافه بأن «المهرجان الاعلامي، الذي يرافق التشغيل العملاني لمنظومة القبة الحديدية، يرفع المعنويات ويملأ القلب فخراً»، إلى أنه «للأسف الشديد، الفرحة سابقة لأوانها بعض الشيء، وهي في غير محلها إلى حد كبير»، معتبراً أن «المشكلة الوحيدة هي أن القبة الحديدية ليست الحل الصحيح والمناسب لمشكلة صواريخ القسام وقذائف الهاون التي تُطلق من قطاع غزة».
وقال بدهتسور: «لنبدأ من حقيقة أن كلفة اعتراض كل مقذوف صاروخي مرتفعة جداً، بحيث إن كل ما يحتاجه الفلسطينيون فقط هو إطلاق المزيد من القذائف الصاروخية، الرخيصة جداً، بما يؤدي خلال فترة زمنية قصيرة نسبياً إلى إفراغ مخزون الصواريخ التي تُستخدم في القبة الحديدية. فثمن صاروخ القبة الحديدية يقدر بـ 100 ألف دولار. وبناءً عليه، كمية الصواريخ التي تستطيع المؤسسة الأمنية شراءها محدودة مسبقا، إلا إذا أردنا رهن موازنة الأمن لشراء صواريخ اعتراض».
تغطية جزئية
وأضاف بدهتسور: «في حرب طويلة مع حماس التي تملك آلاف القذائف الصاروخية، من شأن مخزون صواريخ القبة الحديدية أن يفرغ، وعندها سنقف مجدداً مكشوفين كما في السابق. فثمة الآن في حوزة الجيش الإسرائيلي منظومتان من القبة الحديدية. وعدد الصواريخ التي وُضعت في هاتين المنظومتين سري، لكن ثمة مكان للخشية من أنه إذا زاد الفلسطينيون وتيرة الإطلاق، فسنبقى خلال فترة زمنية غير طويلة من دون صواريخ اعتراض. هاتان المنظومتان تحميان أيضاً منطقتين محدودتين من حيث نطاقهما. بينما تبقى سائر مناطق الجنوب، أشدود ومحيطها، من دون حماية».
ويشير بدهتسور إلى أن «المشكلة المركزية هي أن القبة الحديدية عموماً غير قادرة على توفير الحماية لمستوطنات غلاف غزة، لا لسديروت ولا للمدارس ورياض الأطفال في مستوطنات المجلس الإقليمي «شاعر هنيغف». وقد كان واضحاً من بدء عملية تطوير القبة الحديدية أنها لا تستطيع حماية المستوطنات المجاورة للقطاع التي تبعد عن حدوده أقل من أربعة كيلومترات». فضلاً عن ذلك، يضيف بدهتسور، ليس في وسع القبة الحديدية التصدي لقذائف الهاون، التي تُعدّ جزء جوهرياً جداً من التهديد على غلاف غزة. هذا يعني أن منظومة الحماية لا تقدم جواباً على الحاجة الأساسية التي من أجلها طُورت- حماية سديروت وجاراتها».
وكتبت هآرتس في افتتاحيتها أن «القبة الحديدية» ليست حلاً سحرياً، فتشغيلها باهظ جداً ولا يتوفر بعد ما يكفي من المنظومات، ومع ذلك، رأت الصحيفة أن «إسرائيل محقة في رغبتها في الدفاع عن مواطنيها وردع المزيد من الهجمات. قدر الإمكان، من الأفضل لها أن تفعل ذلك بوسائل دفاعية».
المقاومة جذرية
وفي معاريف، تباهى المحلل السياسي بن كاسبيت، «بالإنجاز الإسرائيلي»، واصفاً إياه بأنه «مفخرة إسرائيلية»، لكنه اعترف في المقابل بأن منظومة القبة الحديدية «ليست حلاً حقيقياً، وأن مشكلة حماس في غزة جذرية واستراتيجية ولن تحل بمواصلة الدفاع عن النفس بالقبب على أنواعها. ولكن من جهة أخرى يمكن هذه المنظومة أن تخلق مساحة القرارات اللازمة لكل حكومة، وربما أيضاً تغير ميزان القوى والتهديدات في جنوب البلاد، بل وفي كل البلاد، على نحو ذي مغزى».
ورأى بيلين أن «الوسائل التي في أيدينا ناجحة، إبداعية وباهظة قدر ما تكون، لن تجعل الجنوب مكاناً آمناً ولن تمنحه إمكانية عيش حياته تحت قبة حديدية ما تتطاير الصواريخ من فوقها ولا تعرقل الحياة السارية تحتها».
وأضاف: «حتى لو اعترضنا مهندساً (في إشارة إلى اختطاف أبو سيسي) كهذا أو كذاك، ستواصل غزة البحث عن نقاط الضعف في منظوماتنا الدفاعية، وستجدها».
ورأى بيلين أنه «لا يكفي انتقاد القرارات التي اتُّخذت. التحصين ضروري، قبة حديدية مهمة جداً، وسترة ريح هي اضافة مهمة للمدرعات. ولكن على أحد ما أن يسأل نفسه ماذا يعني هذا اذا حصل بعد أربع سنوات من حكم حماس في غزة.
وختم بيلين بالقول: «لو أن عُشر الابداعية التي استثمرت في الحلول التي توافرت حتى الآن كانت موجهة للجهد السياسي، لكان ممكناً منع مئات الآلاف من الجلوس في غرفهم الأمنية يوم السبت».