مجلة العودة

ثقافو العودة: جيل العودة بحاجة إلى إعلام فضائي متخصص

جيل العودة بحاجة إلى إعلام فضائي متخصص

العودة/ بيروت

لا يمكن متابعاً أو باحثاً في إعلام الطفل الفلسطيني أن يغفل، ولو للحظة، عن المنعطف المهم الذي حدث خلال السنوات الثلاث الماضية، حين دخلت الأنشودة والأغنية المرئية على الحضور بنحو أكبر، ولا بد أن ينتقل الحديث من مواكبة الانتقال من إصدارات فنية مسموعة عن فلسطين، إلى ألبومات مرئية، وعمل طوعي أو مؤسسي في عملية «مونتاج» للأعمال الغنائية الموجهة للطفل خصوصاً، أو التي يتوقع أن تحظى باهتمامهم.

لم يكن الإعلام المتخصص بالطفل مفاجئاً للمتابعين، ففي 1998م كانت مؤسسة «سنا» تصدر ألبوماتها التمثيلية الإنشادية عن مواضيع متعددة، وكانت أنشودتا «سعاد» و«على بساط الريح» من أهم الأعمال المرئية عن فلسطين في تلك الفترة.

التلفزيونات العربية كانت تعرض فعاليات واحتفاليات لعدد من الأغاني التي يؤديها الأطفال، وربما كان من بينها ما هو لفلسطين، غير أنه قليل جداً إن لم يكن نادراً أمام كم هائل من الأغاني السطحية في إعلام رسمي موجه وله سياسات محكوم بقيود كثيرة، إلى درجة أن تلفزيون السلطة الفلسطينية تسلم خطاباً من وزارة الخارجية الصهيونية في أواخر التسعينيات، فيه احتجاج على بث القناة أغنية الحلم العربي!! وكيف أنها تخالف اتفاقية أوسلو من حيث الحض على التحريض والكراهية!! وهكذا «انقرضت» الأغاني الوطنية الفلسطينية حتى في الشاشة المحسوبة على الشعب الفلسطيني، فكيف سيكون في التلفزيونات الأخرى؟

ميلاد فضائيات

كانت ثورة التكنولوجيا تمهد لحراك إعلامي مهم في العمل المؤسسي، وساعد هذا الأمر في ظهور العمل الفني الخاص، الذي يجمع بين الربح التجاري والقيمة التربوية والوطنية، بمعنى أن هذه الفضائيات ليست تجارية فقط، رغم أنها خاصة، بل إنها تسعى إلى بناء إيجابي للطفل الفلسطيني والعربي.

وقد شهدنا ميلاد فضائيات متخصصة بالطفل العربي، غير أن الأكثر شعبية ظلت الفضائيات التي تقدم الأناشيد والأغاني الموجهة للأطفال، وفي مقدمتها: طيور الجنة وكراميش وسنا، إضافة إلى ازدياد الاهتمام الموجه إلى الطفل عموماً في الإعلام العربي عامة والإعلام الفلسطيني خاصة، وأقصد تحديداً الفضائيات مثل قنوات القدس وفلسطين والأقصى.

غير أن هذا الميلاد الإيجابي لهذه الفضائيات لا يزال بحاجة إلى فضائيات أكثر تخصصاً، لتخاطب الطفل الفلسطيني، وتكون على تواصل جذاب ومشوق وإبداعي في التعريف بفلسطين، وتعريف الأطفال وفق أعمارهم وأماكن إقامتهم وميولهم بالقضية الفلسطينية، وهذا من المشاريع الضرورية والمهمة التي لا بد منها في المرحلة القادمة، للعمل على بناء حقيقي وفاعل لجيل العودة إلى فلسطين، وفق ما يتناسب مع هذه الهدف العظيم.

أناشيد وأغانٍ للطفل الفلسطيني

قد لا يهتم ملايين الأطفال بما كتبته في السطور العليا، فما يهمهم فعلاً ما يقدمه عمو خالد على فضائية طيور الجنة، وأنشودة ديمة بشار عن الأطفال الشهداء أو محمد بشار عن غزة، والترديد مع عمر الصعيدي في أنشودته عن القدس، وكذلك زميله مصطفى العزاوي. يتابعون موسى مصطفى وما يقدمه

عن المقاومة في فلسطين، وعبد الفتاح عوينات عن العودة أو كفاح الزريقي عن الوطن.

غير أن الفضائيات المتخصصة في أناشيد الأطفال وأغانيهم تظل بوصلة لهؤلاء الأطفال. ظلت صاحبة الحظوة الأكبر، يتابعون كل سكناتها وفواصلها وأخبارها، فكان من الضروري بمكان أن نتابع المضامين المتنوعة في الخطاب الفني لهذه الأعمال، وكيف تألقت ديمة بشار في أنشودة «كنت قاعدة» وكيف جددت مصطلح «الكوشان» الذي لم يعرفه أطفالنا، وتابعوا المعتصم ووليد في لوحة «بلادي يا عيني»، وكيف كانت فلسطين حاضرة في أناشيد الفضائيات، وأصبح المطلوب من الأطفال أنفسهم أن تقدم هذه المؤسسات كل جديد عن فلسطين.

وإذا كانت اللوحة الاستعراضية «بلادي يا عيني» أو «لما نستشهد بنروح الجنة»، إلا أن اللوحة التمثيلية الإنشادية «كنت قاعدة» هي الأكثر تميزاً في الأعمال الإنشادية الأخيرة الموجهة إلى الطفل الفلسطيني، فمكان التصوير واللباس الفلسطيني الذي يرتديه الممثلون، أعطى الرسالة البصرية المطلوبة للمشاهد، فيما جاء الأسلوب القصصي الحواري بينها وبين الغريب المحتل، متميزاً في صلابة موقفها، جميلاً في ألحان اللوحة، متناغماً في الوزن الشعري القصير المتحرك في النص المكتوب، وفي كل هذا رسالة فنية متميزة تعطي الطفل الفلسطيني والعربي ملخصاً للحكاية الفلسطينية مع عدوه على نحو رمزي وجميل، ومؤثر جداً.

إننا بحاجة في الإعلام الفلسطيني إلى فضائيات موجهة للطفل في فلسطين والشتات، يحمل قضاياه ويعمل على بناء شخصيته في ظل التحديات التي يواجهها في كل مكان، مع تعزيز دور كل جهد متميز للفضائيات الفنية الموجودة، التي حققت حضوراً لافتاً في وجدان العائلة الفلسطينية، وعملت على التأثير الإيجابي الفاعل في بناء شخصية الطفل العربي والفلسطيني تجاه قضية فلسطين، واستعادة حقوقه كاملة، وهذا لا يكون إلا بتضافر الجهود الإبداعية والمتخصصة، صاحبة الهم والرسالة، ورؤوس الأموال القادرة على العطاء لمثل هذه المشاريع المهمة في بناء طفل التحرير والعودة..