مجلة العودة

القضية الفلسطينية: تقييم وتقدير استراتيجي 2012 - 2013

 القضية الفلسطينية: تقييم وتقدير استراتيجي 2012-2013

 

 العودة / بيروت
 
 

عقد مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات يوم الأربعاء 2013/2/6 حلقة نقاش علمية تحت عنوان "القضية الفلسطينية: تقييم استراتيجي 2012 - تقدير استراتيجي 2013"، في فندق كراون بلازا في بيروت، وجرى خلالها تقييم التطورات المتعلقة بالقضية الفلسطينية بمختلف محاورها في سنة 2012، إضافة إلى محاولة استشراف اتجاهاتها المتوقعة في سنة 2013.

الافتتاح والجلسة الأولى

في البداية ألقى د. محسن صالح، المدير العام لمركز الزيتونة، كلمة الافتتاح، حيث رحّب بالحضور، وعرض أبرز النقاط التي سيتناولها برنا مج الحلقة.

وناقشت الجلسة الأولى، التي أدارها د. أنور أبو طه، عضو المكتب السياسي لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، المحور الفلسطيني الإسرائيلي، وتحدّث خلالها كل من أ. فتحي أبو العردات، أمين سر حركة فتح وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان، وأ. أسامة حمدا ن، مسؤول العلاقات الدولية في حركة حماس، وأ. محمود سويد، الكاتب والباحث اللبناني، ود. أمين حطيط، الأستاذ الجامعي، والخبير العسكري، والباحث الاستراتيجي، وأ. سهيل الناطور، عضو اللجنة المركزية للجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين.

وأشار أبو العردات إلى أن عام 201 2 يصلح لاعتباره عاماً مميزاً شهد أحداثاً وتحولات كبرى على كافة الصعد في النضال الوطني الفلسطيني، ولعل معركة فلسطين في مجلس الأمن للحصول على عضوية "دولة فلسطينية كاملة السيادة" تحت الاحتلال تعدّ فاتحة معارك العام الماضي، التي تكللت أخيراً بإنجازين استراتيجي ين، كان لصمود شعبنا ومقاومته الوطنية والموحدة في مواجهة الاحتلال في غزة شرف التصدي الميداني، وشرف الاعتراف الدولي في الجمعية العامة للأمم المتحدة بدولة فلسطين بصفة "دولة غير كاملة العضوية" كبديل واقعي لمسعى القيادة الفلسطينية في الحصول على عضوية كاملة.

وفي ما يتعلق بملف المصالحة الفلسطينية، شدد أبو العردات على ضرورة أن تتحمل الفصائل الفلسطينية مسؤولياتها تجاه إنجاز الملف، مؤكداً أن الأجواء إيجابية.

وتحدث حمدان عن الواقع الفلسطيني خلال 2012، وقال إن الحدث الأبرز كان المصالحة الفلسطينية، حيث تواجه بعض التحديا ت، وأهمها التنسيق الأمني بين السلطة الوطنية الفلسطينية و"إسرائيل" في الضفة الغربية، وموضوع إعادة بناء منظمة التحرير، محذراً من خطورة فشل مشروع المصالحة، ما قد ينعكس على المشروع الوطني الفلسطيني ومسار القضية الفلسطينية، في ظل التعنت الإسرائيلي واستمرار حصار قطاع غزة. وأكد حمدان أن عام 2013 قد يكون عام المصالحة الفلسطينية، وهناك مؤشرات إيجابية في هذا الصدد.

وشدد على أن استعادة المشروع الوطني الأصيل، وهو التحرير والعودة إلى الأراضي الفلسطينية، يجب أن يكون مشروعنا، وتأكيد الثوابت الفلسطينية، وثبت أن التفاوض مع "إسرائيل" لا ينفع. وفي ختام كلامه أشار إلى أن الموقف الأميركي من القضية الفلسطينية ما زال منحازاً إلى "إسرائيل".

وتناول محمود سويد الوضع الإسرائيلي ومساراته المحتملة، وقال إن نتنياهو استطاع أن يثير في العالم صخباً مؤثراً لإقناعه بأن خطراً وجودياً يهدّد "إس رائيل"، وأنها تمثل خطّ الدفاع الأول عن الحضارة الغربية. وبين أن حكومته صنفت المخاطر التي تحيط بـ"إسرائيل" بحسب الأولويات كما يأتي: الخطر النووي الإيراني، والسلاح الصاروخي من حزب الله وحماس وسورية وإيران، والسلاح الكيميائي السوري والخوف من انتقاله إلى حزب ا لله... مشيراً إلى أنها وضعت مجموعة خطوات لمواجهة هذه الأخطار.

وقدم حطيط قراءة في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2012 وانعكاساتها، وقال: إن "إسرائيل" أرادت من عدوانها تصفية القادة الفلسطينيين، وتدمير ما أمكن من مخزون الصواريخ، وتدمي ر أنفاق سيناء، وتدجين المقاومة، واستعادة الهيبة العسكرية الإسرائيلية، واختبار نجاعة منظومات وخطط "مناعة الجبهة الداخلية"، والتأثير في وجهة الرأي العام الإسرائيلي قبيل الانتخابات النيابية المبكرة. وأرادت "إسرائيل" والدول الغربية، الوقوف على طبيعة أنظمة الحك م الجديدة، التي قامت بعد "الربيع العربي"، واتجاهاتها الحقيقية ومواقفها من "إسرائيل" والمشروع الغربي، بحسب حطيط.

فيما قدم الناطور قراءة في الوضع الفلسطيني 2012 وآفاقه المحتملة، وقال إن مما يجري في بلدان الانتفاضات العربية يطرح من جديد تعريف موقف الأنظمة من القضايا العربية، وفي المقدمة منها قضية فلسطين والصراع الفلسطيني والعربي – الإسرائيلي. وشدد على أن استمرار حالة الانقسام يشتت الجهود، ويبعثر الإمكانات ويُفقد النضالات الفلسطينية اتجاهاتها السليمة ويُغرقها في صراعات داخلية، تندرج في إطار من التهالك على السلط ة والمكاسب على خلفية خيارات سياسية واستراتيجية متباينة.

الجلسة الثانية

تناولت الجلسة الثانية، التي أدارها د. صلاح الدين الدباغ، عضو المجلس الوطني الفلسطيني واللجنة التنفيذية في منظمة التحرير الفلسطينية سابقاً، البيئة الخارجية المؤثرة في القضية الفلسطينية، وتحدّث خلالها أ. محمد جمعة، الخبير المتخصص في الصراع العربي - الإسرائيلي، د. محمد نور الدين، الأكاديمي والكاتب اللبناني المتخصص في العلاقات العربية التركية، د. طلال عتريسي، الخبير في شؤون العالم الإسلامي، أ. وائل سعد، الباحث في مركز الزيتونة، والمتخصص في ا لدراسات الفلسطينية.

ورأى جمعة أن حالة عدم الاستقرار تنامت في دول "الربيع العربي"، وأن التغيير الذي طرأ على خريطة العلاقات العربية – الفلسطينية، وانفتاح قوس اتصالات حماس وعلاقاتها العربية والإقليمية، لن يعفيها من مجابهة الضغوط المطالبة بتحديد موقف صريح تجاه حل الدولتين ومسألة الاعتراف بـ"إسرائيل".

واستهل نور الدين حديثه عن العلاقة بين تركيا والقضية الفلسطينية، من خلال إبراز الموقف التركي من أهم القضايا والأحداث التي تتعلق بقضية فلسطين، وسلط الضوء على التحولات التي طرأت على الموقع التركي كقوة إقليمية جراء الت غير في مستويات العلاقة بين تركيا و"إسرائيل". ورأى أن الاعتداء الإسرائيلي على أسطول الحرية، وإن أدى إلى قطيعة علنية بين "إسرائيل" وتركيا، إلا أن استمرار العلاقات التجارية والاقتصادية والعسكرية بين البلدين، قلّل من أهمية عودة العلاقات الدبلوماسية إلى سابق عه دها. غير أن هذا الانقطاع الدبلوماسي، من وجهة نظر نور الدين، أدى إلى الحدّ من التأثير التركي، وعدم فاعليته خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، ما ساعد في إبراز الدور المصري.

وفي ورقته عن إيران وقضية فلسطين، قال عتريسي إن سنة 2012   شهدت على المستوى الفلس طيني ثلاثة أحداث متفاوتة من حيث الأهمية الاستراتيجية، ومن حيث المواقف العربية والإسلامية، هي: اجتماع منظمة دول حركة عدم الانحياز في طهران، الاعتراف بفلسطين مراقباً غير عضو في الأمم المتحدة، والحرب الإسرائيلية على غزة، مؤكداً أن إيران أيدت ما حصل على مستوى هذه الأحداث الثلاثة.

وتحدث سعد عن القضية الفلسطينية والمشهد الدولي، وقال إن سنة 2012 سجلت شبه غياب للإدارة الأميركية عن عملية التسوية، ولم تشهد أي تغير في السياسة الأميركية الداعمة لـ"إسرائيل"، وعدّت تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة لمصلحة رفع مستوى التم ثيل الفلسطيني قراراً "مؤسفاً وغير مجدٍ". وعن العدوان على غزة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2012، قال إن الإدارة الأميركية وقفت موقفاً واضحاً في دعمها للعدوان، الذي رأته دفاعاً عن النفس.

الجلسة الثالثة

أما الجلسة الثالثة والأخيرة من الحلقة، التي أدارتها د. نهلة الشهّال، الكاتبة والباحثة اللبنانية، فقد ناقشت دور فلسطينيي الخارج في القضية الفلسطينية، وإمكانية استعادة زمام المبادرة. وتحدّث خلالها د. حسين أبو النمل، الباحث في المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ود. محمود الحنفي، الحقوقي الفلسطيني، ومدير المؤسس ة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد)، وصقر أبو فخر، الباحث والمحرّر في المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السّياسات، والمشرف على ملحق فلسطين في جريدة السفير، وجابر سليمان، الباحث في دراسات اللاجئين، وليد محمد علي، الكاتب والباحث الفلسطيني، والمدير العام لمركز باحث للدراسات.

ورأى أبو النمل أن هناك تهميشاً لدور فلسطينيي الخارج مقارنة بدور فلسطينيي الداخل، ويعود هذا التهميش إلى تحولات جذرية ونوعية جعلتهم موضوعياً خارج المعادلة السياسية الفلسطينية على ما صارت عليه بعد إعادة تعريفها وتحديدها وتقنين ذلك.

وأضاف أبو النمل أن العودة إلى صيغة منظمة التحرير الفلسطينية، بعد استعادة ميثاقها التاريخي، هو الذي يستوعب العام الفلسطيني، ويلبي مطامح أهل الخارج، وخصوصاً اللاجئين، لكن السؤال: هل يلبي الواقع الفلسطيني وتحولات القضية الفلسطينية لتستقر على ما استقرت عليه سنة 2013؟ بالمقابل : هل من مجال لاستعادة وحدة المنظومات السياسية الفلسطينية، وحدة القضية، وتأسيس نظام سياسي فلسطيني بمعزل عن وجود ميثاق وطني فلسطيني يعكس العام - الوجدان الفلسطيني؟

ومن جهته، قال الحنفي في حديثه عن أشكال الثورة الفلسطينية إنه يتوقع حصول تظاهرات شعبية عادية عن د نقاط الحدود مع فلسطين المحتلة، وعمليات عسكرية مسلحة تقوم بها مجموعات فلسطينية لا تنتمي إلى أي فصيل فلسطيني، ودخول الفصائل الفلسطينية على خط العمل العسكري المسلح، وثورة شعبية على قيادة منظمة التحرير الفلسطينية للضغط عليها، لتفعيل دورها، والضغط على الأونرو ا.

وشدد أبو فخر في ورقته على أن الوعي الفلسطيني كان دائماً وعياً كارثياً يدور على وقائع النكبة وقصص المجازر وحكايات الطرد والنفي والتهجير؛ فالشعور بالظلم لدى الفلسطيني اللاجئ يغذي إرادة تحدي الظلم. ومن هذه البدايات ظهر التحول الجديد في وعي الهوية الوطنية، وتمثل في انبثاق بعض المنظمات الشعبية والاتحادات النقابية، التي كانت علامات أولى ومهمة جداً على طريق تشكيل هذه الهوية. ورأى أن الاتحادات والمنظمات الشبابية كانت بالمجمل ذات طابع سياسي، لا منظمات نقابية خالصة حيث لم تتبلور في بلدان الشتات طبقة عاملة فلسطينية بالمعنى السوسيو - تاريخي للكلمة.

من جانبه، قال جابر سليمان: إن المكانة المركزية لقضية اللاجئين في الخطاب الفكري والسياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية تعرضت للاهتزاز، وخاصة منذ اتفاقيات أوسلو، وصولاً إلى قبول فلسطين دولة غير عضو في الأمم المتحدة، مشيراً إلى أ ن احتمال استبدال عضوية منظمة التحرير المراقبة في الأمم المتحدة بعضوية دولة فلسطين المراقبة يحمل مخاطر جمّة على موضوع التمثيل الشعبي لفلسطينيي الشتات وعلى دورهم في النضال الوطني الفلسطيني.

وفي الوقت نفسه أشار محمد علي إلى أنه لا أحد يستطيع أن ينفي الدور الم هم والحاسم لدور هؤلاء المقتلعين في إعادة بناء المشروع التحرري الفلسطيني، وإخراج المؤسسات التمثيلية والقيادية للشعب الفلسطيني من أزمتها التي تعمقت بفعل اتفاقية أوسلو، وما بني عليها، وخاصة في زمن تأخذ فيه الشعوب بزمام الأمور، رافضة لكل أشكال مصادرة الدور وال وصاية والتبعية، لافتاً النظر إلى أن الوقائع أكدت أن السلطة الفلسطينية لم تشكل خطوة، ولو صغيرة، على طريق إنجاز الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية، بل مثلت عقبة كبيرة في طريق استرداد هذه الحقوق. وقال: لقد حان الوقت للتفكير الجدي في إعادة بناء المشروع التحرري ا لفلسطيني بعيداً.

الختام

وفي ختام حلقة النقاش، شكر د. محسن صالح الحضور، منوهاً بما جرت مناقشته من تقييمات وتوقعات لمسار القضية الفلسطينية، آملاً أن تسهم في خدمة القضية والأطراف العاملة لأجلها.