مجلة العودة

مقابلة: صلاح الدين الدباغ: حق العمل في لبنان محاصر بالقانون - عمر وهبه

صلاح الدين الدباغ في حوار مع «العـودة»
تمخض الجمل فولّد فأراً وحق العمل في لبنان محاصر بالقانون

عمر وهبه/ بيروت

يتميز الحوار مع الخبير القانوني والسياسي الفلسطيني المستقل صلاح الدين الدباغ بأنه سياسي مستند إلى القانون والالتزام بالحق.. وهو الشخصية القانونية الأبرز بين فلسطينيي لبنان، حيث انتظر الجميع رأيه وتنفيذه لقرار مجلس النواب اللبناني، فأصدر عبارته التي التصقت بهذا القرار «تمخض الجبل فولد فأراً».
 

رفض الدباغ التخلي العربي عن القضية الفلسطينية، وانتقد المفاوضات والتنازلات المسبقة من الجانب الفلسطيني، ودعا إلى إنشاء مرجعية لفلسطينيي الشتات، مؤكداً أن منظمة التحرير بوضعها الحالي لا تمثل كل الفلسطينيين.


وفي ما يأتي وقائع الحوار:

«العـودة»: برأيكم دكتور، أين وصلنا بالقضية الفلسطينية بعد مرور 62 سنة؟

مع الأسف بعد مرور 62 سنة، القضية الفلسطينية على الصعيد العربي على الأقل هي في تراجع، كانت القضية الفلسطينية في عام 48 وما بعد لفترة طويلة هي قضية العرب الأولى، أما الآن فنرى معظم الأنظمة العربية قد تخلت عن القضية الفلسطينية، ومن هنا نجد شعارات مثل «مصر أولاً»، «الأردن أولاً»، و«لبنان أولاً». والقصد من هذه الشعارات الضمني هو التحلل من التزام العرب في القضية الفلسطينية.

«العـودة»: هل ترى أن اتفاقيات السلام بين والعرب و«إسرائيل»، وقبول السلطة بمبدأ السلام أدَّيا إلى تراجع الدور العربي؟

بطبيعة الحال، أدى هذا الموقف الفلسطيني بصورة عامة دوراً هاماً وخطيراً في تراجع الدور العربي. ما دام أن الفلسطينيون قالوا هي قضية الفلسطينيين، فهذا خطأ. من هنا ارتاح العرب؛ إذ لم يكونوا هم قد فرضوا هذا القرار. فقالوا تحلُّلاً من مسؤولياتهم «إن ما يقبل به الفلسطينيون نرضى به». ثم ضغطوا على الفلسطينيين للقبول بأوسلو، وكرّت بعدها سبحة التنازلات. وتحلُّل العرب من مسؤولياتهم يُعزى بشكل أو بآخر إلى شعار أن القضية هي قضية فلسطينية محضة ولا تخصّ أيضاً بالمسؤولية نفسها الدول العربية التي هي قضيتهم بالأساس. فبوجه مَن نرفع شعار «لبنان أولاً» أو «الأردن أولاً» أو «فلسطين أولاً»؟ قضايا موزمبيق؟ قضايا فيتنام أو من؟ هو مرفوع تجاه قضية العرب الأولى (التي هي قضية فلسطين)، فالدول التي ترفع شعار بلدها أولاً، المقصود الابتعاد عن قضية فلسطين، لأن المطروح قضية العرب الأولى هو فلسطين. إذاً، هذه الشعارات تعني ضمناً تحلُّلهم من قضية فلسطين وتركها للشعب الفلسطيني، وهو غير قادر وحده على التحرير. فالقضية عربية بالدرجة الأولى.

«العـودة»: المفاوضات المباشرة، ماذا يمكن أن تحصّل للاجئين الفلسطينيين؟

أولاً المفاوضات لن تُحصّل أي شيء للضفة والقطاع وبطبيعة الحال لن تُحصّل أي شيء للاجئين. أبو مازن ذهب للمفاوضات كالذاهب إلى الهيجا بدون سلاح. بل أسوأ من هذا، فهو رمى بأسلحته كاملةً (التي هي المقاومة)، قبل أن يذهب إلى المفاوضات. وسُئل أبو مازن في حديث تلفزيوني مسجّل: «ماذا لديك بديلاً غير المفاوضات»، قال: «المفاوضات»، ثم سئل: «وماذا بعد المفاوضات؟»، قال: «المفاوضات.. ما عندي إلا المفاوضات». وكان قد صرح في أمريكا عندما حصلت عملية في الخليل، وقال: «أنا أستنكر هذا العمل وسألاحق مرتكبي هذا العمل»، كأنهم جاؤوا أمراً إدّاً أو ارتكبوا جريمة، أي أن المقاومة بالنسبة إلى عباس أصبحت جريمة. إذاً على ماذا تفاوض بعدما رميت بجميع أسلحتك، وبالتالي أي مفاوضات لن تنتج إلا تراجعات، لأنك (أبو مازن) ليس لديك سلاح، بل أقررت بأنه ليس لديك سلاح. ورفعت أسلحتك مستسلماً لأن سلاحك الوحيد هو المقاومة. لذلك لن تحقق المفاوضات أي شيء للضفة أو القطاع، فضلاً عن أي شيء لحق العودة. كان على أبو مازن إذا أراد أن يذهب إلى المفاوضات أن يضع شروطاً مسبقة، أولاً: إنهاء الاحتلال، ثانياً: التمسك بحق العودة، ثالثاً: إزالة الجدار العازل، رابعاً: فك الحصار عن غزة، خامساً: تحرير الأسرى والمعتقلين. هذه الشروط كان يجب أن تكون الأساس لأي مفاوضات، بالإضافة الى إزالة المستوطنات وليس تجميد البناء فيها، لأن الدولة المحتلة لا تستطيع قانوناً (حسب اتفاقيات ومعاهادات جنيف) أن تغير بالوضع الديموغرافي. فضلاً عن مطالب أخرى، مثل المياه التي يستولون عليها بغير وجه حق. وبعد تحقيق هذه الشروط ممكن أن يذهب وقد يتكلم.

«العـودة»: اللجنة التنفيذية والمجلس الوطني لا يأخذان دورهما، لماذا؟

عُقد المجلس الوطني آخر مرة في فلسطين المحتلة، لا يصحّ أن ينعقد تحت الاحتلال. أصلاً هم يتحكمون بمن يريدون أن يدخل ومن لا يريدون أن يدخل. ثانياً منظمة التحرير تركيبتها كلها غلط. حتى المجلس الثوري لحركة فتح واللجنة المركزية كلها مركبة تركيباً يؤدي إلى القبول بما يفرضه الأمريكان والإسرائيليون. طبعاً أبو مازن حاول أن يغطي نفسه. في البداية كان يقول إن القضية فلسطينية، ويا عرب ارفعوا أيديكم عنها، ثم رجع أبو مازن حتى يغطي مركزه، فقال: «أنا بدي موافقة اللجنة العربية»، حتى تغطيه في تنازلاته وهم متنازلون أكثر منه. فإذاً هو ذر للرماد في العيون.

«العـودة»: هل تقدمتَ باستقالتك من المجلس الوطني لهذه الأسباب؟

أنا لا أعلم ما هو وضعي القانوني في المجلس الوطني، يُعقد أحياناً جلسات للمجلس ولا أُدعى إليها. آخر مرة وجهت لي دعوة لأنهم يعلمون أنني لا أستطيع أن أذهب إلى بيت لحم أو إلى رام الله حيث عقد. لا أعلم.. هم أرسلوا لي دعوة. هم عادة لا يدعونني، لكن آخر مرة كانوا يريدون عدداً من قلة الحضور.

«العـودة»: إذاً أنت لم تتقدم باستقالتك؟

لا أنا لم أتقدم باستقالتي، لكنني لم أردّ على الدعوة. لأنني أعرف كل هذه الهمروجة (الألاعيب)، لأنني إن رددت عليها فسوف أعطيها شيئاً من الشرعية.

«العـودة»: كيف تنظر إلى مستقبل الشتات في دول الطوق وخصوصاً لبنان؟

لا بد من إعادة تنظيم منظمة التحرير الفلسطينية وتحريكها، بعدما أصبحت اسماً على غير مسمى وصارت ألعوبة بيد السلطة. فنحن ليس لدينا مرجعية في الشتات لأن منظمة التحرير بيد السلطة. ولكي تتكلم المنظمة باسم الشعب الفلسطيني كله بالشتات أو بالضفة والقطاع تحتاج إلى هيئة حقيقة.

«العـودة»: الآن لا يستطيع الفلسطينيون أن يعيدوا بناء منظمة التحرير بسبب طغيان القائمين عليها حالياً، فما الذي يعوق قيام مرجعية فلسطينية أخرى؟

بالواقع سيطرة السلطة على المنظمة، جعل المنظمة والسلطة كلها أمراً واحداً أي خاضعة لها. بالحقيقة هذا الشيء يتطلب تفاهماً بين السلطة وحماس والجهاد الإسلامي، لأنهم غير موجودين في المنظمة التحرير. وهما (حماس والجهاد) كانتا القوة في الضفة والقطاع قبل أن ينقلب عليهما دحلان وأبو مازن، فهما القوة المنتخبة. أصلاً أبو مازن الآن منتهية ولايته، ولا يحق له أن يتكلم باسم أي إنسان، فلم يجدد له أحد أو يمدد ولايته. فلا بدّ من أن تضم المنظمة جميع الفصائل وحتى بعض المستقلين. فالتفاهم بين السلطة وحماس والجهاد هو الخطوة الأولى.

«العـودة»: ماذا عن وضع الفلسطينيين في لبنان؟

وضع الفلسطينيين في لبنان هو الأسوأ من بين أوضاع الفلسطينيين، بمن فيهم الموجودون في الضفة والقطاع، لأنه ممنوع عليهم حق العمل، حق الاستشفاء وحق التملك. والأونروا تعطي فتات الفتات في ظل تفشي البطالة وانسداد الأفق، ما يدفع بالشباب إلى للهجرة أو إلى الآفات الاجتماعية مثل تعاطي المخدرات، هرباً من الواقع الأليم.

«العـودة»: كيف ترد على من يرى أنّ منح الحقوق المدنية للفلسطينيين في لبنان هو الطريق إلى التوطين؟

هذا كلام غير صحيح إطلاقاً، لأن هذا الموضوع أثير في حق التملك (ولو شقة يؤوي الفلسطيني نفسه فيها). الفلسطينيون كان لهم حق التملك من عام 1948 حتى عام 2001 عندما صدر هذا القانون المشؤوم على عهد الرئيس رفيق الحريري. كان لهم حق التملك مثل سائر العرب (3000 م2 بدون إذن، وإذا أراد أكثر يحتاج إلى مرسوم)، أي أن امتلاكهم هذا الحق لمدة 53 سنة لم يدفعهم إلى التوطين وبقوا لاجئين، لذلك هذا منطق غير صحيح.

أما في ما يتعلق بمنح حق العمل للفلسطيني، وهذه الضجة الأخيرة التي حصلت والحديث عن إعطاء حق العمل لهم في الإعلام، ففي الحقيقة لم يُعطَ الفلسطيني أي شيء. على خلاف ما أصبح معلوماً ومروجاً له في الصحف الأجنبية التي كتبت عن أن الفلسطينيين أُعطوا حقّ العمل. لا يزال عمل الفلسطيني يخضع لإصدار إجازة عمل من وزير العمل. وإجازة العمل حسب القوانين المرعية الإجراء مشروطة بعدم وجود لبناني يقوم بالعمل نفسه.. يعني تمخض الجمل فولّد فأراً وحق العمل محاصر بالقانون. وللأسف الرأي السائد حالياً وكأننا أُعطينا حق العمل. فلم يتقدم الوضع إطلاقاً باستثناء الإعفاء من رسم إجازة العمل التي قد تعطى وفي غالب الأحيان لا تعطى، لأنها مشروطة بالأفضلية بعمل اللبناني، وفي حال وجود لبناني يقوم بالعمل تُحجب الإجازة.

«العـودة»: هناك أزمة بطالة في لبنان؟

نعم، لبنان يعاني أصلاً من فائض في القوة العاملة.

«العـودة»: لماذا لا يعمل الفلسطينيون واللبنانيون على اتباع منهجية محددة تتضمن خطة لإقرار الحقوق، بدلاً من التعامل كردة فعل؟ فلو لم يحرك السيد وليد جنبلاط المسألة لما أثير موضوع الحقوق؟

لا، بالحقيقة الاقتراح القانوني الذي تقدم به جنبلاط جاء نتيجة لعمل تراكمي قامت به بعض الفصائل والشخصيات الفلسطينية في مؤتمرات سابقة، وعقدت اتصالات مع جميع الهيئات والأحزاب اللبنانية، وكان كلامهما جميعاً (بمن فيهما الذين عارضوا في وقت لاحق) إيجابياً. لكن عند التصويت على إقرار القانون (الامتحان) تنصلوا منه.. طبعاً القانون يتعلق بحق العمل ولا يتعلق بحق التملك. فحق التملك أرجئ، أي أنه دفن إلى ما لا نهاية. وبالطبع هذه الأمور تتعارض مع الاتفاقيات التي وقّع عليها لبنان. تلك الاتفاقيات التي تمنع التمييز في لبنان بين المقيمين على أرضه، بما فيها حق العمل والتملك.

«العـودة»: هناك أيضاً قرار في الجامعة العربية عام 1965 يقضي بتنظيم أوضاع اللاجئين العرب وصدر عنه برتوكول ينصّ على معاملة الفلسطينيين مثل باقي رعايا دول الجامعة؟

هذه القرارات ليس لها قيمة لأنها صدرت عن الجامعة العربية وهي جهة ليست ذات فعالية. هناك قرارات كثيرة مثل الدفاع المشترك وغيرها. لكنها كما قلت ليس لها أي قيمة.

«العـودة»: لماذا تُختَزل قضية اللاجئين بمسألة الحقوق أو حق العمل، هناك مسائل لا يجري التطرق إليها ولا يُعمل على معالجتها مثل الوضع الأمني والتضييق على الحواجز؟

حق التملك وحق العمل إذا أصررنا عليهما بالأول يحققان شيئاً من تحسين الأوضاع. فهما من باب أولوية لا من باب حصر، لأن العمل بحد ذاته يعطي الإنسان قيمة وكرامة، والشخص البطّال يفقد قيمته وكرامته، لأنه يشعر بعدم القدرة على تحقيق ذاته عندما يشكل ثقلاً على عائلته وأهله. حق العمل أساسي، لأنه بالإضافة إلى ما يجنيه من مردود مادي هناك تحقيق للذات وكرامة للإنسان. من هنا كان العمل على إقرار حق العمل ومن ثم حق التملك. أيضاً هناك ضغوط أمنية على المخيمات غير مبررة أو بعض المخيمات مثل مخيم نهر البارد ومخيم عين الحلوة، متذرعة بوجود ما تسميه خلايا «الإرهاب» أو بعض الأصوليين الذين تتهمهم بـ«الإرهاب».♦