مجلة العودة

ثقافة العودة: ماذا قال الأدباء في سفن كسر الحصار؟! - وسام الباش

أعطني بحراً أُعطك أدباً وحرية
ماذا قال الأدباء في سفن كسر الحصار؟!
 

وسام الباش/ دمشق

رمزية البحر عند الشعوب تختلف بين مكان ومكان وبين زمان وزمان. هذه الرمزية تعددت بتعدد الشواطئ والمراسي، وتنوعت بقدر التنوع الديموغرافي، وأضحى البحر رموزاً في ثقافات الشعوب عن رؤية أو حدث أو أسطورة.

وبعد كل ما حدث وسيحدث في بحر فلسطين، كل فلسطين بشكل خاص، يصبح البحر رمزاً من رموز التحرر من ظلم العدو والصديق، وتصبح الحرية أقرب والأدب واعياً أكثر، يفهم ما دور الكلمة في تحريك الشعوب وتثقيفها.

ينادي من ينادي من الأدباء والمثقفين بضرورة مشاركة القلم وأصحابه جسداً وروحاً سفنَ كسر الحصار المفروض على غزة، فالحرية لا يصنعها سوى الأحرار والأدباء الذين يؤمنون بعدالة قضية فلسطين.

هنا.. نستعرض آراء أدباء فلسطينيين وعرب حملوا هَمّ القضية الفلسطينية فكتبوا وما زالوا يكتبون وسجلوا وما زالوا يسجلون المسيرة الحقيقية للأدب الملتزم بقضايا الأمة.

الموقف

موقف الأدب والأدباء من محاولات كسر الحصار المفروض على غزة والدور الذي أدته الأحداث الأخيرة في تنشيط الحركة الأدبية شعراً ونثراً ورواية.

يقول الباحث والأديب عبد الرحمن غنيم رئيس فرع اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين في سورية: «لا شك في أن ما واكب قافلة الحرية من أحداث أتاح فرصة لجميع المثقفين في كل أنحاء العالم لنشر وجهات نظرهم ومواقفهم، والمساهمة في فعاليات تستنكر الجريمة الصهيونية بحق قافلة الحرية، وفتحت بالتالي موضوع رفع الحصار المفروض على غزة كمطلب دولي وإنساني. المهم في هذا التطور أن اتجاهات المثقفين في أوروبا وأمريكا الشمالية والجنوبية وفي كل أنحاء العالم باتت مجندة في هذا الاتجاه، وهو تطور يتحقق للقضية الفلسطينية للمرة الأولى، ذلك أن القضية الفلسطينية كانت قد أدخلت في ثلاجة الموتى في الرأي العام العالمي. إن إخراج هذه القضية من ثلاجة الموتى كمشكلة حارّة يعد تطوراً كبير الأهمية».

أما الباحث والأديب الدكتور حسن الباش، عضو الأمانة العامة لاتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين وعضو اتحاد الكتاب العرب، فقد رأى أن الثقافة تتصدر كل الأعمال الفكرية والثقافية والسياسية، فلذلك نقول إن المثقفين والأدباء دائماً يتحملون المسؤولية الأولى للدفاع عن القضايا الإنسانية، فلا نستغرب أن نرى عدداً من الأدباء على متن سفن الحرية، لأن كلمة الثقافة اليوم لا تقل أهمية عن كلمة السياسة.

وفي ذلك يقول الشاعر والناقد محمود حامد أمين سر جمعية الشعر في اتحاد الكتاب العرب والفلسطينيين «إن ما يحمله المثقف من رؤى وأفكار هو شيء جيد في الساحة وإن لم يتبلور بشكل مطلق. نحن نريد تفعيل دور المثقفين وبالأخص الأدباء بلقاءات لإيصال صوتنا كأدباء للجماهير وللعالم, وتنمية العلاقة بين الأديب والجمهور، هذه العلاقة التي تنشطها اليوم القضية الفلسطينية على نحو عام. إن غزة كسرت الحصار، وهي التي صنعت هذا الموقف الجديد في الساحة العربية والعالمية. إلا أن دور المثقف ما زال بسيطاً وهادئاً، ومن المفترض أن تكون هناك حركة ثقافية ثورية مقاومة تعيد صياغة المقاومة الفلسطينية برأي الآخر وكسر الرؤية الصهيونية التي دوّلها الإعلام الغربي. وأرى أنه آن أن يكون هناك تحول في الحركة الأدبية والثقافية للتعاون في كسر الحصار».

الأديب غسان ونوس عضو اللجنة التنفيذية لاتحاد الكتاب العرب في سورية قال: «إذا كان الآخرون من الشرائح المختلفة يحاولون كسر الحصار المفروض على غزة، فالمثقف والأديب أحق من يبادر بكسر الحصار ويفترض أن يكون قد دخل حيز التنفيذ منذ زمن، فهذا الحصار عار على الإنسانية جمعاء وعار على الثقافة أساسياً، ومن غير المقبول لأي مفكر أو أديب أن يقبل بوجود مثل هذا الحصار على أي إنسان يريد أن يعيش حياة كريمة، فكيف إذا كان المحاصرون أشقاء عرباً ينتمون إلى بلد محتل ويحاول بشتى الوسائل الحصول على الحياة بحدّها الأدنى..».

ويقول الشاعر والأديب يوسف طافش: «نستطيع أن نقول إن كسر الحصار عن غزة لا يعني كسر الحصار عن هذه البقعة الجغرافية أو التجمع السكاني في غزة، بل هو كسر الحصار عن كل فلسطيني واقع تحت نير الاحتلال. ويبدو أن ضمائر الأحرار في العالم بدأت تصحو بعد أن غرقت في سبات لمدة من الزمن، ويبدو أن الناس الذين كانوا يتفرجون على كل ما يحدث من مآس للشعب الفلسطيني أصبحت القضية الفلسطينية هاجسهم وهي المحرك لوجدانهم الإنساني.

كسر الحصار عن غزة هو انكسار لكل القوى الظالمة الغاشمة التي تسعى إلى نسخ وحذف وشطب كل فعل مقاوم في هذه الأمة وإن شاء الله هذه البدايات، وكما قيل شعراً:

اشتدي أزمة تنفرجي....قد آذن ليلك بالبلج.

وانبلاج فجر الحرية قادم وذلك ليس على الله بعزيز».

ويقول الأديب والروائي نواف أبو الهيجاء: «الحصار المفروض على غزة غير مشروع وغير قانوني ولم يصدر به قرار دولي. إنه قرار صهيوني احتلالي مدعوم بصمت متآمر ممّا يسمى المجتمع الدولي، ومدعوم أيضاً من بعض الأنظمة العربية للأسف. إن المثقف العربي عموماً والمثقف الفلسطيني خصوصاً يشعر بكثير من الغصة والألم. والمثقفون الفلسطينيون يشعرون بأنّ جزءاً من حقهم يؤخذ في حال كسر الحصار المفروض على غزة، لا تخفيفه والبحث عن حل جذري للقضية الفلسطينية».

صورة الأدباء

فسر البعض بأنّ وجود أدباء على متن سفينة أسطول الحرية هو محاولة لتغيير الصورة النمطية بأن الأدباء في سبات عميق وأن القلم عاجز عن تصوير هول ما يحدث، كيف يرد الأدباء على هذا الكلام؟

يقول عبد الرحمن غنيم: «أنا أعتقد أن هذه الطبقة جاهزة للقيام بدورها المنوط بها، لكن الإشكالية هي رؤيتنا نحن للواقع».

ورد الدكتور حسن الباش على هذا الموقف بقوله «الأدباء عندما يُسمعون صوتهم إلى جانب صوت السياسيين، فإن جميع الشعوب تستمتع إلى صوت الثقافة لأن الثقافة ملك للجميع ولا يمكن أن تكون الثقافة منحازة أو عنصرية، الثقافة دفاع عن الإنسان وبادرة الأدباء بادرة طيبة لكي يقوم المثقفون في العالم كله بالتضامن مع قضايا الإنسان في أي مكان من الوجود».

أما محمود حامد فرأى «أن الموقف الثقافي موقف جيد جداً، والآن لو فتحت المجال لكل الأدباء العرب أن يذهبوا إلى غزة لذهبوا عن بكرة أبيهم، لكن المصيبة في الساحة الثقافية والأدبية وجود أكثر من تجمع وأكثر من فكر تسير بهذه الساحة إلى طريق يبعد عن الهدف الرئيسي».

ورد على هذا الموقف غسان ونوس بقوله: «الأدباء ليسوا في سبات، والقلم لا يعاني عجزاً، ومعروف أن ميدان الثقافة والأدب هو الكتابة والتعبير عن الأفكار والغايات والأحلام وحتى الأوهام، وهذا لا يمنع أن تكون هناك محاولات حقيقية إجرائية ميدانية للتحرك مع الآخرين وقبل الآخرين يعني العمل الثقافي عمل مستمر ولا يتوقف عند حملة ولا ينتهي عند أسطول يبحث عن الحرية. إن وجود مثل هؤلاء المثقفين أمر مهم، لكن لا يعبر عن عجز وفي كل المراحل كانت الثقافة هي الدليل على العمل الميداني».

ويقول الشاعر يوسف طافش: «إن الشيء البديهي أن يكون هؤلاء هم الطليعة هذا الأمر البديهي. ووجود هؤلاء على متن سفن الحرية هو دليل على أن الأدباء ليسوا في سبات عميق، وأن القلم ليس عاجزاً عن تصوير هول ما يحدث. الإنسان المبدع هو وجدان أمته وجدان الإنسانية، فوجودهم على سفن الحرية وكل قافلة تسعى إلى كسر الحصار عن غزة أمر طبيعي، ونحن نحيي كأدباء ومثقفين فلسطينيين كل صوت حر من مثقفي العالم وأدباء العالم الذين يقومون بدور خلاق من أجل إظهار الحق والوقوف في وجه الباطل الصهيوني الأمريكي».

ورأى الأديب نواف أبو الهيجاء وجود هذه الطبقة على متن السفن دليلاً على أن أسلحتهم ليست القلم فحسب. صحيح أن هذه الطبقة لا تحمل أسلحة رشاشة أو مدفعية وما إلى ذلك، لكنها تملك ما تعتقد أنها تقتل به، وهو قلمها. فأنا الأديب الفلسطيني أقاتل بأدبي بقصيدتي وبروايتي وبقصتي وهذا ميداني، وهذا حقيقة ما أملك الآن.

تفعيل دور المثقفين

وعن تفعيل دور الأدباء والمثقفين في عملية كسر الحصار المفروض على غزة قال عبد الرحمن غنيم إن فعل وتفعيل دور الأدباء ظهرت ملامحه، وهي الآن تتفاعل في الكثير من العواصم العالمية. إن الكيان الصهيوني برأيي إذا أصر على منع الوسائل السلمية في كسر الحصار فسيكون هناك رد فعل غير سلمي من الأدباء، مثلما حدث في سفن الحرية، فقد شهدنا المتضامنين يدافعون عما جاؤوا لأجله، ليس بالكلام فحسب، بل بالعصيّ والهروات. وقال الدكتور حسن الباش: «أعتقد أن هذه البادرة ستفتح الطريق أمام المثقفين والأدباء الأحرار لكي يشاركوا جميعاً في المرات القادمة في سفن كسر الحصار وفي أي وسيلة أخرى، وهذه دعوة لكل المثقفين والأدباء ليقوموا بواجبهم تجاه قطاع غزة، وأنا متفائل جداً بالأدباء لكي يؤدوا دورهم على أكمل وجه.

وكشف محمود حامد قرار تأليف وفد مشترك من اتحاد الكتاب العرب والفلسطينيين ليشارك في سفن كسر الحصار المفروض على غزة وقال: « لقد أرسلنا خطاباً إلى رئيس اتحاد الكتاب العرب بهذا الشأن، وقد اتفقنا على ترتيب حملة من الأدباء وقد تفاعل معنا كثيرون وبدأوا بتسجيل أسمائهم وكان التفاعل مذهلاً».

وقال غسان ونوس: «هناك دور أساسي وهام للأدباء والمثقفين، وسيقوم اتحاد الكتاب العرب بخطوات هامة على هذا الصعيد قريباً. وهناك مؤسسات أخرى قامت وستقوم بتفعيل هذا الدور، لكن هذا التفعيل لهذا الدور يجب أن يكون مستمراً لا أن يكون ردّ فعل تخبو ناره بعد فترة. ويجب أن لا يتوقف حتى كسر الحصار بالكامل، ويفترض دعم المقاومة في كل الميادين، وبالأخص الميدان الثقافي»..