مجلة العودة

من طريبيل إلى الهول.. مخاض عسير وولادة قيصرية

من طريبيل إلى الهول.. مخاض عسير وولادة قيصرية

ماهر حجازي/ دمشق

نواصل معكم سرد حلقات «سلسلة الراصد»، لنأتي إلى الحلقة الثانية التي نتحدث فيها عن صنف آخر من صنوف معاناة فلسطينيي العراق، صنف لا يختلف كثيراً عمّا ذكرناه في الحلقة السابقة.

الاسم: مجيد أحمد حسن

العمر:37 سنة

الحالة الاجتماعية: متزوج

مكان الإقامة: مخيم الهول/ الحسكة – سورية

إنها مأساة شاب فلسطيني، طويل القامة عريض المنكبين، مجيد حسن الذي كان يسكن في مدينة الحرية، إحدى ضواحي العاصمة بغداد.

عمل مجيد في ميكانيك السيارات، رغم أنه خريج جامعي قسم اللغة العربية والاجتماعيات، وكانت وزارة التربية العراقية قد رفضت تعيينه مدرساً لكونه فلسطينياً في عام 1992.

ولد مجيد في العراق وترعرع فيه وشرب من ماء دجلة والفرات.. عاش فيه لحظات انبساط.. وأخرى كئيبات.. حتى جاء يوم على العراق غزت فيه جيوش الغرب أرضه.. وعاثت فيها فساداً، ففُقد الأمان، وقتل الإنسان، فكان اللجوء والهوان.

بعد تفجير مرقد الإمامين في مدينة سامراء بدأت الأحقاد تتولّد، وتؤججها أيادٍ خفية مرتبطة بالاحتلال وبمن يريدون تمزيق العراق ليكون عراقاً طائفياً، حتى وصل الأمر إلى تهديد مجيد بشكل مباشر حين ألقيت على باب منزله رسالة تنذره بترك العراق خلال عشرة أيام وإلا فسيكون القتل مصيره وعائلته.

مجيد أدرك الخطر المحدق بعائلته، وخاصة بعد مقتل العديد من الفلسطينيين في مدينة الحرية، فقرر ترك العراق. وفعلاً في صباح يوم 18/3/2006 قرر النجاة من الموت الذي يلاحقه في كل مكان وزمان مع مجموعة من الفلسطينيين، وكان عددهم حينها 88 شخصاً.. صعدوا الحافلات، أطفالاً ونساءً وشيوخاً..

كانت وجهتهم إلى الحدود العراقية الأردنية في منطقة طريبيل.. كانوا يأملون اللحاق بالفلسطينيين في مخيم الرويشد داخل الحدود الأردنية.. إلا أن آمالهم تحطمت عند حرس الحدود الذين منعوهم من الدخول إلى مخيم الرويشد..

في هذه اللحظة لم يعودوا يعرفون أين هم. هل هم في العراق، أم في الأردن؟ لاحقاً أدركوا أنهم بين الحدود بعدما قضوا أربعة أيام بين الحدود على الأتربة.. عندها، تمّ إرجاعهم إلى داخل الحدّ العراقي.. وسكنوا في إسطبلات للخيول وفي غرف مهجورة تعود إلى الجيش العراقي.

نظّفوا الإسطبلات والغرف وقسّموها إلى أماكن للنوم وأخرى للمطبخ والحمام، وبدأت المساعدات تصلهم وتُقدم إليهم ليعيشوا في هذا المنطقة قرابة الشهرين. كانت الأيام تمر عليهم وكأنها سنون، فكان يومهم يبدأ بألم وينتهي بحرقة، وأعدادهم تزداد بفعل الهجرة الفلسطينية من العراق بحثاً عن الأمان، اللواء العراقي الموجود عند الحدود هددهم بإرجاعهم إلى العراق إذ استمرت أعدادهم بالتصاعد.

بعد طول الانتظار، جاءت موافقة سورية على استقبالهم باتفاق بين حكومة غزة والقيادة السورية، هذه الموافقة أعادت للاجئين آمالهم التي تحطمت على الحدود الأردنية، إذ إن دولة عربية وافقت أن تكون أراضيها ملجأ لهم..

ها هي الحافلات تدخل مخيمهم في طريبيل صباح الثامن من أيار (مايو) 2006 لتنقلهم إلى نقطة الوليد الحدودية مع سورية.. ثم ينزل اللاجئون ويصعدون إلى حافلات أخرى وسط تغطية إعلامية وحضور رسمي.

بعد ثلاث ساعات قضاها اللاجئون على الحدود دخلت الحافلات إلى سورية متجهة إلى مخيم الهول في مدينة الحسكة.. ثماني عشرة ساعة قضاها مجيد وعائلته مسافراً دون استراحة ولو لدقائق، أرهقهم السفر وطول المسافة، حتى وصلوا إلى مخيم الهول، لتبدأ رحلة التأقلم مع العيش في خيام..

مجيد وجد صعوبة في بداية الأمر.. الوضع جديد عليه، فبعدما عاش في شقة سكنية، تغير المشهد ليعيش في خيام حارة في الصيف باردة في الشتاء، عانى الأمرّين، قاسى صعوبة المكان وقهر الزمان والبعد عن الأهل والخلان..

يذكر مجيد تلك الليلة العاصفة الممطرة، ذات الرياح العاتية، ليستيقظ على صوت الرعد ومنظر البرق وهو يهبط على خيامهم من السماء حتى ظن أنه يوم الحساب، يوم يُحاسَب الظالمون بما فعلوه بمجيد وأمثاله.

بعد ستة أشهر قضاها مجيد في الخيام، بدأت عملية بناء منازل لهم من «البلوك والزينكو» تبرعت بها حركة حماس ومفوضية اللاجئين، لتخفّف من حرّ الصيف وقرّ الشتاء، ومن لحظات بات يخشاها مجيد دائماً: أن يجد نفسه فجأة في العراء.

مجيد الآن أب لخمسة أبناء، ومع المساعدات القليلة المقدمة له، افتتح محلاً لبيع الخضروات داخل المخيم، فتارة يبيع مقابل مال، وأخرى بالمقايضة.

رزق مجيد طفلته الخامسة التي سمّاها سجى.. فكانت سجى فرحة وبسمة لأبيها وأمها وأشقائها في ظل حياة الصحراء..

ولكن كما تحطمت آمالهم قبلاً على الحدود الأردنية، اصطدمت فرحتهم بإصابة سجى بمرض «قيلة سحائية»، لتبدأ مرحلة جديدة من عذابات التشتت..

مستوصف المخيم غير قادر على العلاج..حتى أنه غير قادر على تشخيص الحالة ومعرفة المرض. يجبر مجيد على الذهاب إلى المشفى الوطني في الحسكة، ليعاين ابنته وعلى نفقته. ثم تطلب مفوضية اللاجئين من مجيد أن يسافر إلى دمشق التي تبعد 800 كيلومتر عن مخيمه وعلى حسابه، ويخبرونه أنهم سيدفعون له في ما بعد. لكن مجيد لا يملك ثمن تذاكر السفر، فكيف سيتمكن من علاج ابنته؟

مجيد استطاع أن يصل إلى دمشق مع زوجته وابنته تاركاً أولاده عند جيرانه في المخيم. وفي أثناء وجوده في دمشق لم يتعاون مكتب المفوضية معه بالشكل المطلوب. لم يوفروا له مسكناً، فالعلاج يحتاج لأيام وربما أشهر. بطبيعة الحال، هو لا يملك أوراقاً ثبوتية لاستئجار شقة، وإن وجدت فالأموال لن توجد، فأجبر على النوم على الأرض في غرفة المشفى، وكذلك زوجته، بالرغم من أن إدارة المشفى منعته من المبيت فيها.

أجريت العملية الجراحية الأولى لسجى، وعاد بها والدها إلى المخيم، وبعد ستة أشهر رجع بها إلى دمشق لإجراء العملية الجراحية الثانية، وقد تمت، لكن الأطباء أخبروا مجيداً أن هذه العمليات الجراحية ذات تأثير مؤقت وأن ابنته بحاجة للسفر إلى الخارج وإجراء الفحوصات المتقدمة، وبعدها يحدد العلاج المناسب لها.

مجيد لم يفقد الأمل بشفاء ابنته، لكن سجى أصيبت بشلل الأطراف السفلية، مثلما أصيبت الضمائر، حتى ماتت.

الشلل في أطراف سجى بإذن الله في ميزان حسناتها، أما الضمائر التي ماتت فستكون ناراً على أصحابها.

مرض سجى كان له جانب إيجابي، فقد رقّت قلوب الغرب، بعد أن تصلّبت قلوب العرب، فها هي الدنمارك تدرس مشروع توطين مجيد وأسرته، مجيد علم بالتوطين، وآه من التوطين، يعني نسيان جنسية فلسطين، والذوبان والانخلاع عن الأخلاق والدين. مجيد مجبر على التوطين.

مجيد عاهد أن لا ينسى فلسطين، ولن يترك الدين. سيذهب هناك بعيداً، لكن أرضه ستبقى قريبة منه..

لن يطيل الغياب، حتماً سيعود..

عيناه الناظرتان إلى خريطة فلسطين، وإلى قريته في حيفا. تقولان ذلك.♦

سيول جارفة في مخيم التنف

تعرض مخيم التنف للاجئين الفلسطينيين من العراق لموجة من الأمطار الغزيرة التي استمرت لساعات، ما أدى إلى حدوث فيضانات، وقد دخلت المياه إلى خيام اللاجئين وأحدثت أضراراً في الممتلكات، فتركوا الخيام والتجأوا بعائلاتهم إلى مخزن المساعدات والمدرسة لكي يحموا أنفسهم من السيول الجارفة، كما أصيب الأطفال بالخوف والذعر.

يذكر أنها ليست الحادثة الأولى التي تتعرض فيها مخيمات اللاجئين للسيول، فقد تعرضت للأعاصير والحرائق سابقاً.

لجنة الإغاثة تسيِّر قافلة مساعدات عاجلة للاجئين

سيّرت صباح يوم الاثنين 10/11/2008 لجنة إغاثة فلسطينيي العراق قافلة مساعدات إغاثية إلى مخيم التنف الصحراوي الذي اجتاحته السيول والأمطار. شملت القافلة مواد بناء من (إسمنت ورمل وقطع من اللبن) وذلك لتوزيعها على اللاجئين لاستخدامها في بناء جدار حول الخيمة وتسوية أرضها بغرض تحاشي الغرق بمياه الأمطار مجدداً.

وكان وفد لجنة الإغاثة قد وصل المخيم ظهراً والتقى باللاجئين واطمأن إلى أحوالهم وقام بتسليمهم المساعدات العاجلة المقدمة من لجنة الإغاثة - فرع مخيم حمص للاجئين الفلسطينيين في سورية. وبدورهم عبر اللاجئون عن شكرهم وامتنانهم لدور لجنة الإغاثة التي أدخلت الفرحة على أهالي المخيم بهذه المساعدات التي كانوا بحاجة إليها منذ أشهر.