مجلة العودة

إعادة نظر: إنهم لا يجرؤون - بلال الحسن

إنهم لا يجرؤون

بلال الحسن

بعد أن تقلصت خطة النضال الفلسطيني إلى المطالبة بدولة فلسطينية عند حدود عام 1967، واجه أصحاب هذا الرأي عقبات عديدة، جعلت حتى هذا الهدف مستحيل التحقيق.
 
قالوا إنهم يريدون دولة فلسطينية في حدود عام 1967، لكنهم ما إن يذهبون إلى المفاوضات مع «إسرائيل»، أو مع الأميركيين، حتى يفاجئوننا بشعار يقول إن المفاوضات تجري من أجل حل القضية الفلسطينية.

والقضية الفلسطينية بالطبع، كما يعرف كل طفل فلسطيني، أكبر بكثير من حدود عام 1967« إنها تتعلق ببساطة بالأرض الفلسطينية كلها، وبالشعب الفلسطيني كله.

ولم يكتف أصحاب هذا الرأي بالتعديل الخطير الذي أدخلوه على مساعيهم، والمتمثل بهذه الكلمات المعدودة القائلة (حل القضية الفلسطينية)، بينما هم اعترفوا سلفاً، ليس بإسرائيل فقط، بل بـ(حق إسرائيل في الوجود)، ومن لا يصدق ذلك فليعد إلى قراءة رسائل الاعتراف المتبادلة عام 1993 تطبيقاً لاتفاق أوسلو. وهم لم يكتفوا بذلك أيضاً، بل بدأوا يتفننون في تقديم الاقتراحات لحل مشكلة الشعب الفلسطيني، أي مشكلة اللاجئين، سواء من كان لاجئاً في الضفة الغربية وقطاع غزة، أو كان لاجئاً في الدول العربية، أو في أي بلد آخر في العالم. فمرة يقولون إنَّ اللاجئين يعودون (فقط) إلى الدولة الفلسطينية، ومرة يقولون بالتوطين من خلال بقاء كل فلسطيني في المكان الذي هو فيه، ومرة يتكرمون علينا بأن لاجئي لبنان يمكن أن يعودوا باتفاق مع دولة «إسرائيل» يطبّق خلال 40 سنة، بمعدل خمسة آلاف لاجئ كل سنة. ويسقط بذلك العنصران الأساسيان اللذان يشكلان ما يسمى (القضية الفلسطينية)، أي الأرض والشعب.

فإذا تابعنا هذا المنطق -ونحن لا نقبله- نجد الداعين إليه يتخلون عنه مرة كل يوم، فما إن يقولون «حدود 1967» حتى يردفوها بجملة أخرى تقول «مع تعديل طفيف في الحدود»، والتعديل الطفيف هذا يعني أمرين: أولهما بقاء المستوطنات الكبرى التي تضم 80% على الأقل من المستوطنين اليهود في الضفة الغربية. وثانيهما أن هذه المستوطنات أقيمت كلها في ما يسمى «القدس الكبرى»، وهي تحيط بمدينة القدس وتمنع تمددها الجغرافي الفلسطيني، وتمنع أيضاً تمددها البشري الفلسطيني، وهو ما يعني في النهاية استيلاء «إسرائيل» على القدس كلها.

ونلاحظ أخيراً أن أصحاب هذا الرأي بدأوا يعترفون بفشله، ويعلنون هذا الاعتراف على رؤوس الأشهاد، ولكنهم لا يجرؤون على مواجهة الحقيقة السياسية البديهية التي تؤكد أنه إذا فشل مخطط ما فلا بد من وضع مخطط بديل، ومنطق المخطط البديل أن يكون متجاوزاً للمخطط الفاشل السابق. لكننا عند هذه النقطة تحديداً نرى عجباً. فقد سار مخطط أصحاب هذا الرأي من: المفاوضات مع «إسرائيل». وحين فشلت تم الحديث عن مفاوضات مع أميركا. وحين فشلت كان الحديث عن مفاوضات مع اللجنة الرباعية. وحين فشلت كان الحديث عن الذهاب إلى مجلس الأمن. حسناً، اذهبوا إلى مجلس الأمن، وقد ذهبوا فعلاً، ولكنهم بالأمس تراجعوا، لماذا؟ يريدون إقناع أميركا بأن لا تستخدم الفيتو!!!

لم يشهد التاريخ خطة تدور على نفسها، كما يفعل أصحاب هذا الرأي. إنهم لا يمتلكون حتى المنطق السياسي المنسجم مع طريقة تفكيرهم. إنهم لا يملكون الجرأة للحديث عن بديل، لأن البديل الوحيد أمام الشعوب المحتلة، هو مقاومة المحتل، والنضال ضد المحتل، ورفع السلاح في وجه المحتل. ولكنهم لا يجرؤون. يخافون من الحقيقة، ومن التاريخ، ومن المنطق. يخافون من أنفسهم إذا خطرت فكرة المقاومة عَرَضاً على بالهم.♦