مجلة العودة

إعادة نظر: هل نقول لا للمصالحة؟ - بلال الحسن

هل نقول لا للمصالحة؟

بلال الحسن

تعلو في الضفة الغربية وغزة أصوات شباب مخلصين من دون شك، ينادون بضرورة المصالحة. المصالحة كما تبدو في شعارات المنادين بها، هي مصالحة بين حركتي فتح وحماس، أو مصالحة بين طرفي السلطة الفلسطينية، ولأنها مصالحة تقتصر على فصيلين، فهي مصالحة قاصرة. لذلك هي مصالحة مرفوضة.

لا أحد يرفض فكرة المصالحة من حيث المبدأ. ولا أحد يتمنى أن يكون هناك انقسام فلسطيني، فالوحدة الوطنية الفلسطينية عنصر أساسي وهام في مسيرة النضال، ولكن المصالحة الحقيقية المطلوبة هي مصالحة بين السلطة الفلسطينية وبين الشعب الفلسطيني، وليست مصالحة بين حركتي فتح وحماس، ذلك أن المشكلة تتعلق بالشعب الفلسطيني كله، تتعلق بنضاله، وتتعلق بأهدافه، وتتعلق بحقوقه الثابتة التي لا يملك أحد حق التنازل عنها.

لقد اجتهد فريق السلطة في رام الله، واجتهد طويلاً، وحصر أهدافه في إقامة دولة فلسطينية في حدود عام 1967، ولكنه حتى هنا ما لبث أن أقرّ باستعداده لتبادل الأراضي، أي استعداده لقبول الاستيطان المكثف حول القدس. اجتهد فريق السلطة في رام الله، واجتهد طويلاً، وحصر أسلوبه في العمل التفاوضي ولا شيء غير التفاوض، متنازلاً عن الحق الطبيعي للشعب المحتل بمقاومة الاحتلال بالسلاح. وقبل أيام فقط، قال رئيس السلطة إنه لن يسمح بأية انتفاضة فلسطينية، وهو مستعد لمواجهتها حتى بالسلاح، وربما (زنقه ... زنقه). وقد انتهى به الأمر إلى الاعتراف بفشل المفاوضات، وإلى وصف المفاوضات بأنها عبثية. وكان أن انتقل من تكتيك المفاوضات العبثية، إلى تكتيك عرض موضوع الاستيطان على مجلس الأمن، وحصل ما كان متوقعاً من الجميع، إذ استعملت أميركا الفيتو ضد مشروع القرار، وظهرت بذلك على حقيقتها، دولة داعمة لكل مطالب «إسرائيل» ضد الفلسطينيين، دولة تقبل المنطق الإسرائيلي القائل إن الحل الوحيد الممكن، هو حل يقبل به الفلسطينيون خطة الحل الإسرائيلية. وبدلاً من أن يتعظ رئيس السلطة بنتيجة الحدث ودلالاته، أعلن أن لديه خططاً لعرض الموضوع الفلسطيني على ست هيئات أخرى في الأمم المتحدة، ونتائجها كلها معروفة سلفاً، إما فيتو أميركي جديد، وإما قرار كلامه جيد، ثم لا يجد الكلام أية وسيلة للتنفيذ. تماماً كما هو الحال مع جميع قرارات الأمم المتحدة المرصوفة بعضها فوق بعض، حتى إن أحد الصحافيين الفلسطينيين وصف خطة السلطة الجديدة بأنها هواية جمع القرارات الدولية على غرار هواية جمع الطوابع.

ماذا نستنتج من كل هذا؟ هناك خطة فلسطينية ثبت فشلها بالكامل، والمنطق السياسي يقول إنه في حال الفشل، فإن السياسي إما أن يستقيل وإما أن يغير خططه. ورئيس السلطة الفلسطينية لا يستقيل ثم يخرج علينا شاهراً سيف مواصلة خططه كما هي. وإذا أراد أن يغير في التكتيك، يُشغَل بالشكل، ولا يُشغَل بالمضمون، ولا تهمه حتى النتائج السلبية الجديدة.

وها نحن الآن أمام خطة جديدة لرئيس السلطة، خطة إجراء انتخابات بلدية وتشريعية ومن أجل المجلس الوطني. بينما الكل مشغول يعرف أن الشعوب لا تذهب إلى الانتخابات إلا في ضوء برنامج وطني، يسمونه أحياناً الدستور، ويسمونه أحياناً العقد الاجتماعي، ويسميه الفلسطينيون «الميثاق الوطني الفلسطيني» الذي أُلغي. وهذا يعني أن البرنامج الوطني المطلوب لإنجاح المصالحة مع الشعب كله، هو برنامج إعلان مقاومة الاحتلال، وبكل الوسائل المتاحة التي يضمنها القانون الدولي، وفي مقدمتها الكفاح المسلح، ومن دون هذا البرنامج لا يمكن أن تنجح أية انتخابات، ولا يمكن أن تنجح أية مفاوضات من أجل المصالحة، إذ إن المصالحة تعني الاتفاق، ولا تعني أبداً أن يفرض طرف برنامجه الفاشل على الطرف الآخر.

.. إلا إذا كان الهدف مجرد إنقاذ سلطة عباس. هل هذا هو الهدف؟