مجلة العودة

عاصمة أُمّ الدنيا... من المقهورة إلى القاهرة

عاصمة أُمّ الدنيا... من المقهورة إلى القاهرة

خليل الصمادي / دمشق
 
 
كما هو معروف، إن القاهرة هي عاصمة  جمهورية مصر العربية، وقد أسّسها المعز لدين الله الفاطمي عام 969م، وسمّاها القاهرة لتكون قاهرةً لأعدائه. وأهل اللغة يقولون إنّ لفظة "القاهرة" على صيغة اسم الفاعل، واسم الفاعل - كما هو معروف - فاعل يؤثر بغيره، على نقيض من اسم المفعول الذي يتأثر بغيره كالأقوياء وأصحاب النفوذ والشأن.ولعل اسم القاهرة ظل اسماً على مسمى طوال عشرة قرون خلت، بل قبل إنشائها يوم كان اسمها الفسطاط منذ الأمير الصحابي عمرو بن العاص؛ فقد كانت قاهرة الأعداء والمحتلين والظلمة حتى بداية القرن الماضي. فطوال العهود السالفة، قهرت المغول والتتار والصليبيين والفرنسيين والإنجليز... وفي بداية القرن الماضي، تحولت من اسم فاعل إلى اسم مفعول، فأصبحت مقهورة بالمعنى والمبنى. فمن هزيمة إلى هزيمة، ولعل أكبر هزيمة لحقت بمصر هي سلب إرادة الجماهير والتسلط على العباد طوال عقود من الزمن، وهذا الذي جعل الناس مقهورين يسمعون ويرون من عاصمة المعز ما لا يطيقونه، كتصريحات "تسيبي ليفني" رئيسة وزراء العدو يوم أعلنت الحرب على غزة، وكتصريحات أحمد أبو الغيط يوم صرّح بتكسير أرجل من تسوّل له نفسه اجتياز حدود غزة نحو الشقيقة مصر!! يوم كان السياح اليهود يسرحون ويمرحون في شرم الشيخ وغيرها.

كانت عاصمة أم الدنيا مقهورة؛ لأن من تسلط عليها حاول أن يُركع شعبها وجره من نكسة إلى أخرى. فمن نكبة عام 1948م، إلى حرب اليمن، إلى هزيمة عام1967م، إلى المشاركة في حصار غزة، بل والشروع في بناء سور فولاذي على حدود غزة.

ظلّ المصريون مقهورين جراء هذه النكسات، ولم يستكن الشرفاء منهم؛ فقد خاضوا معارك حامية الوطيس مع أمن الدولة والأمن العام والاستخبارات، وكل هذه المنتجات التي برزت في عهد القهر، فظلّ الشرفاء على مواقفهم، وحاولوا نصرة الشعوب المظلومة، ولاقوا العناء والسجون والمعتقلات وهم صابرون محتسبون مقهورون.

ولعل التحول الكبير الذي أطاح النظام السابق هو الذي سيعيد القاهرة إلى وضعها الطبيعي؛ فقد بدأت العزة والكرامة تحلّ محل الخنوع والخوف والظلم، وبالرغم من العوائق الكثيرة في طريق الرئيس الجديد الذي ورثها عن العهد السابق، إلا أن الأمور تجري بشكل متّسق مع تطلعات المقهورين في القاهرة وغيرها من حواضر العالم. بدأ تخفيف الحصار عن أهلنا في غزة، وبدأت المعونات تصل، والنفط العربي يدخل، والحجّاج والمعتمرون يؤدون فريضة الله، ولم ننسَ حجّاج غزة عام 2009 يوم ظلوا عالقين في البحر أكثر من أسبوعين.

هذه هي ملامح المدينة المقهورة التي لا تروق الشرفاء والأحرار. أما مدينة القاهرة التي يتطلع إليها الأحرار، فهي المدينة التي يشكو الزعماء الصهاينة من أن رئيسها يترفع عن ذكر اسم "إسرائيل" ويرونه عدواً لهم؛ لأنه ينتمي إلى مدرسة فكرية ناصعة البياض والمواقف.

القاهرة هي التي تُعزّ شعبها وتقهر أعداءها بمواقفها التي يعتز بها كل حر في العالم. هي المدينة التي تسمح لزعماء الجهاد والمقاومة بزيارتها وممارسة نشاطهم السياسي منها.

القاهرة هي التي يعلّق رئيس دولتها، الدكتور محمد مرسي، صورة الشيخ أحمد ياسين في صدر بيته، في المجمع الخامس قبل أن يصبح رئيساً، وكذلك بعد أن أصبح. أما المقهورة، فهي التي منعت الشيخ أحمد ياسين - رحمه الله - من مقابلة أي شخص فيها، وقالت له بالحرف الواحد: من المطار إلى المعبر بلا توقف!! وهي نفسها التي حالت دون دخول رئيس وزرائها المنتخب  أكثر من عشر ساعات إلى غزة إثر عودته من الزيارة التي قام بها لعدد منى البلدان العربية والإسلامية!!

المقهورة هي التي اعتذرت عن استقبال وزير الخارجية محمود الزهار، بحجة ضيق الوقت، وأما القاهرة فهي يدعو وزير خارجيتها إلى عقد اجتماع طارئ لجامعة الدول العربية لبحث الاعتداء على غزة في 14/11/2012.

القاهرة هي التي يسارع رئيس وزرائها الأستاذ هشام قنديل ووفده المرافق إلى زيارة غزة وإعلانه منها أنه مع فلسطين والفلسطينيين وعاصمتهم القدس الشريف، وهو الذي واسى الجرحى وحمل دماءهم خلال زيارته لمستشفى الشفاء بغزة، وأما المقهورة فهي التي منعت الوفود الطبية من زيارتها ومنعت الدواء والعلاج لجرحاها.

هذه القاهرة، وتلك المقهورة، ولا بد أن نعزز من مكانة القاهرة، وأن نفضح المقهورة وعملها وأذنابها، حتى لا يعودوا قاهرين للمصريين وغيرهم، وناصرين لأعداء الأمة ثمناً لمناصبهم وكراسيهم.