مجلة العودة

"العودة" تنفرد بنشر أرشيف صحيفة الدستور في نكسة 1967

"العودة" تنفرد بنشر أرشيف صحيفة الدستور في نكسة 1967

لم يكن من السهل على الباحث في أرشيف الصحف العربية إبان النكسة التي وقعت في عام 1967، وتحديداً في شهر حزيران، إيجاد العديد من الصفحات التي وثّقت ونقلت أحداث النكسة وطريقة تعامل وسائل الإعلام الأردنية تحديداً مع تلك الحادثة. فالكثير من الأحداث التي جرت في ذلك الوقت كانت ولا تزال في أدراج الأرشيف، وغابت عن عيون الباحثين في تاريخ النكبة، وأيضاً النكسة.

صحيفة الدستور الأردنية التي جاء صدور العدد الأول منها في 28 آذار من عام 1967 نتيجة اندماج صحيفتي "فلسطين" و"المنار" في شركة حملت اسم الشركة الأردنية للصحافة والنشر التي تولت إصدار "جريدة الدستور"، وثقت العديد من مجريات أحداث النكسة من خلال لقاءات الملك الراحل الحسين بن طلال، إضافة إلى العناوين التي حملت عدة شعارات وأحداث واكبت النكسة.

حرب الأيام الستة التي خاضها الأردن ومصر وسوريا مع دول الكيان الصهيوني، أفضت إلى احتلال كل من سيناء وقطاع غزة والضفة الغربية والجولان، وهي ثالث حرب ضمن الصراع العربي الإسرائيلي، نقلتها صحيفة الدستور، من خلال متابعة كافة الأحداث والمجريات على الساحة، إضافة إلى البلاغات من قيادات الجيش الأردني، والقوات العراقية، إضافة إلى الجيش السوري.

قرع طبول الحرب

نقلت صحيفة الدستور، في تاريخ الرابع من شهر حزيران، أجواء الحرب من خلال عدة لقاءات عقدها الملك الحسين، مع وزرائه وقادته العسكريين، وأيضاً إنشاء صندوق للحرب ودعوة الضباط إلى تعزيز الخدمة العسكرية، إضافة إلى عقد عدة لقاءات لمجلس الأمن لبحث تداعيات تصريحات رئيس وزراء إسرائيل ليفي أشكول التي صرح في الأول من شهر حزيران بأنه في حال استمرار العمليات "الانتحارية" في داخل الأراضي المحتلة، فإن دولة الاحتلال "سترد بوسائل عنيفة" على ما سماها مصادر "الإرهاب" في ذلك الوقت.

ونقلت الصحيفة ما أطلقت عليه "تصريحات يائسة لموشيه دايان" وزير الحرب، وأن إسرائيل تنتظر الجهود الدبلوماسية؛ فقد حملت تلك التصريحات تهديدات وصل صداها إلى عمان، حيث رفض دايان شنّ هجوم احترازي على كل من مصر وسوريا لاقتناع دايان بقدرة الجيش الإسرائيلي على صدّ أي هجوم عربي على إسرائيل، وللحيلولة دون تصوير إسرائيل على أن تكون البادئة بالهجوم. وبتعاقب الهزائم الإسرائيلية في بداية حرب أكتوبر، كان دايان على استعداد لإعلان هزيمة إسرائيل لولا منعه من قبل غولدا مائير من الإدلاء بهكذا تصريح.

كذلك حملت صحيفة الدستور في عدد الرابع من حزيران، تصريحات للملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود، في تضامن السعودية ضد أي عدوان إسرائيلي محتل، كانت طبول الحرب تقرع في ذلك الوقت، ومن خلال تلك الاجتماعات التي عقدت بين رؤساء الدول العربية في مصر، سوريا، والأردن.

خلال الأيام الأولى للحرب، اعتمدت القيادة السورية نهج الحذر تجاه الجيش الإسرائيلي، ولم تشارك إلا بقصف وغارات جوية متقطعة على شمال إسرائيل.

ومن اللافت أيضاً ما نشرته صحيفة الدستور، تحت عنوان "هل تجنّد الكويت جميع الفلسطينيين فيها؟”، التي نقلت اقتراح أحد أعضاء مجلس الأمة الكويتي في دعوة الحكومة الكويتية إلى تجنيد جميع الفلسطينيين العاملين في القطاع الخاص والحكومي في الكويت، على أن يمنح كل منهم راتب شهر مقدماً، وتبقى وظيفته مفتوحة حتى عودته من الحرب.

كذلك نقلت وصول ذخائر من المملكة العربية السعودية إلى الأردن، بحسب ما قالت الدستور إنه بحسب جريدة الأهرام.

وصرّح رئيس أركان الجيش الإسرائيلي بأنه إن لم يتوقف "النشاط الإرهابي الفلسطيني في الجليل، فإن الجيش سيزحف نحو دمشق".

في 5 حزيران، قالت الصحيفة إن صفارات الإنذار دوّت في جميع أنحاء إسرائيل، وأطلق سلاح الجو الإسرائيلي العملية العسكرية الجوية ضد المطارات المصرية، بمعدل 12 طائرة لكل مركز جوي في مصر.

وفي السادس من شهر حزيران عام 1967، طُبع في جريدة الدستور العنوان الأبرز، وكان: "بدأت حرب التحرير"، وقد نُقلت فيها كافة أحداث الجيوش العربية التي شاركت في الحرب، من الجيش الأردني والجيش المصري والجيش العراقي، حيث نشرت عنوانين فيها: "حاول العدو احتلال القدس وجنين فصدّه جيشنا الباسل"، و"غارات على تل أبيب ومصفاة اللد وحيفا"، إضافة إلى جيوش الأردن والمتحدة وسورية، والعراق، تزحف على الأرض المحتلة، وإسقاط أكثر من 150 طائرة معادية توغلت مدرعة إلى داخل النقب.

وفي عدد السادس من حزيران، نقلت الدستور قرار قطع البترول العربي عن الدول المؤيدة للعدوان، حيث أعلن الرئيس العراقي عبد الرحمن عارف وقف إمداد النفط بسبب العدوان الأميركي والإسرائيلي على الدول العربية، وطبق القرار مجلس الوزراء الكويتي بوقف تصدير النفط إلى أميركا وبريطانيا.

وحملت صحيفة الدستور، في ذلك اليوم، عدة بلاغات لقيادة الجيش الأردني حول تقدمه داخل فلسطين، وبلاغات لقيادة الجيش المصري، إضافة إلى بلاغات القيادة المصرية، وتوغل القوات المصرية داخل الأراضي المحتلة، ومعركة القدس وجنين، وإسقاط الأردن لأكثر من 23 طائرة، واتصالات الملك الحسين مع الرئيس المصري جمال عبد الناصر، والرئيس العراقي عبد الرحمن عارف.

""دخل العرب مع صباح يوم أمس معركة المصير الفاصلة ضد العدوان الصهيوني في أرض فلسطين، وبدأت جيوش الأردن والجمهورية العربية المتحدة، وسورية، تدعمها العراق والكويت والجزائر مهمتها التحريرية في الأرض المحتلة، كما أعلنت السعودية دخولها في المعركة"، بهذا النص كتبت صحيفة الدستور تحت عنوان "غارات على تل أبيب ومصفاة اللد وحيفا".

وفي السابع من شهر حزيران، رابع أيام الحرب، عنونت صحيفة الدستور، عن الأحداث التي جرت في "مانشيت" بعنوان، دمار في القدس المحتلة، وتحقيق الجيوش العربية لتقدم على الأرض، إضافة إلى ما قالت الصحيفة في ذلك العدد "تدخل طيران أميركا وبريطانيا إلى جانب إسرائيل وقطع الدول العربية علاقاتها مع بريطانيا وأميركا".

كانت أجواء الحرب التي دخلت في ذلك الوقت، قد بدت واضحة في عناوين صحيفة الدستور، وقالت الصحيفة إن المدفعية الأردنية تضرب مطار تل أبيب، وتوقع عدة خسائر.

التعزيزات العسكرية على الأرض كانت واضحة في حديث صحيفة الدستور، إضافة إلى إبراز تقدم الجيوش في معركة التحرير، ودخل الجيش الأردني إلى القدس وهي منطقة منزوعة السلاح بموجب شروط الهدنة لعام 1949، وقصف منها جوار تل أبيب، وفي جلسة مجلس الأمن الدولي ليوم 7 من حزيران قال الأمين العام في ذلك الوقت يو ثانت إنّ من واجب الأردن الانسحاب من القدس فوراً، وقال إن مقر الأمم المتحدة في المدينة تعرض لقصف بقذائف الهاون، وإن الجيش الأردني احتلّ المبنى. لاحقاً، تبيّن أن ثلاثة جنود أردنيين فقط هم من دخلوا المبنى لتقديم الاحتجاج على هيئة مراقبة الهدنة بسبب الحشود العسكرية الإسرائيلية قرب القدس، وأنهم غادروا المبنى بعد عشر دقائق تقريباً.

وفي العودة إلى أحداث الحرب، نشرت صحيفة الدستور عدة عناوين، كان أبرزها ألفا ضابط وجندي مغربي ينتقلون بالطائرات إلى الأردن، وتوثيق دخول الطائرات الأميركية والبريطانية في الحرب إلى جانب دولة الاحتلال.

تواصل التعزيزات العسكرية من السعودية أيضاً كان واضحاً، وتحديداً تحت عنوان "تعزيزات سعودية إلى الأردن مع مئات الأطنان من الذخائر"، فضلاً عن إغلاق مصر لقناة السويس، وما كان بارزاً في تحقيق إصابات في صفوف الجيش الإسرائيلي.

كامل الشريف، الذي شارك في تأسيس صحيفة الدستور، كتب مقالاً تحت عنوان "معركة المصير"، نقل فيه عدة أفكار، حيث قال: "هذا يوم له ما بعده، وتلك معركة المصير الحاسم، وملحمة التاريخ الطويل، وإنها معركة جديرة بالوقفة الصامدة التي نفذها المجاهدون في خطوط الفداء".

كامل الشريف قال في افتتاحية صحيفة الدستور في السابع من حزيران: "إن حساب الزمن سيدخل في تاريخ الأمة العربية ويعرض نفسه على الأجيال في المستقبل، وإن انتصار الجيوش العربية سيذكر بانتصار وذكريات عزة وفخار، كما سيعرف العرب والمسلمون أي ملحمة هذه التي تدور في ربى القدس".

الشريف أكد أن المعركة التي تجري ليست دفاعاً عن الأرض فحسب، بل دفاع عن شرف الأمة وكرامة التاريخ، وأن الأمانة الآن التي بيد الجيش الذي يصد العدوان في الميدان، وأن هذه الفرصة تفتح المجال للأمة حتى تنال شرف الدفاع عن مقدساتها ومرابع مجدها وعزها.

مجلس الأمن في السابع من حزيران، قرر إعلان وقف القتال فوراً، لكن من الواضح أن صدى تلك القرارات في ذلك الوقت لم تصل إلى أماكن اندلاع المعركة، حيث استمرت الحرب، ونسف الليبيون أنابيب قاعدة أميركية في ليبيا أثناء الحرب، واحتلت سوريا مستعمرة كاريتون في ذلك الوقت.

لم نتمكن من الحصول على العدد الذي صدر في الثامن من حزيران، إلا أن في التاسع من شهر حزيران، كانت صحيفة الدستور قد أعلنت تحت العنوان الرئيسي "الحسين يشيد ببطولة الجيش"، وتحدثت عن خطاب الملك حسين إلى الجيش وبطولات المرحلة والصمود، بالإضافة إلى الحديث عن الغطاء الجوي الضخم والكثيف الذي عمل على استهداف الجيوش العربية، ونقلت تصريحاً عن الملك حسين أثناء عقده مؤتمراً صحافياً، بأنه في حال استئناف القتال، فإن الأردن سيحارب لآخر رجل وآخر قطرة دم.

وفي التفاصيل، وافق الأردن على وقف إطلاق النار والقتال، بينما واصلت سورية القتال ورفضت الانصياع إلى قرار الأمم المتحدة، مع استمرار القصف الإسرائيلي على القدس، واستمرار بلاغات قيادات الجيش المصري والسوري، وأيضاً استمرار القتال في القدس.

بنتيجة الحرب، تقدم وزير خارجية الاتحاد السوفياتي أندريه غروميكو في 12 حزيران بطلب انعقاد دورة استثنائية للجمعية العامة للأمم المتحدة، ووصف إسرائيل بكونها أشبه "بقرصان"؛ إذ تجاهلت أوامر وقف إطلاق النار الصادرة عن مجلس الأمن في 6 و7 و9 حزيران، وقد كان عدد أعضاء الأمم المتحدة حينها 122 عضواً، وجميعها وافقت على الدعوة إلى عقد الدورة الاستثنائية، ولم يصوّت ضد الطلب سوى الولايات المتحدة وإسرائيل وبتسوانا.

انعقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 17 حزيران واستمرت حتى 30 حزيران وتناوب في الكلام 78 دولة، غير أن وزير خارجية إسرائيل قال في خطابه: "لن تعترف إسرائيل بأي قرار يصدر عن منظمة الأمم المتحدة وتطلب منها فيه الانسحاب إلى داخل حدودها السابقة، حتى إذا صوتت مع القرار 121 دولة ولم يصوت ضده سوى إسرائيل".♦