مجلة العودة

بعد مرور عقدين على توقيعهاتفاق أوسلو جعل قضية اللاجئين طيّ النسيان

بعد مرور عقدين على توقيعه
اتفاق أوسلو جعل قضية اللاجئين طيّ النسيان
محللون: ترك انعكاسات سلبية على قضية حق العودة
لاجئون: ساهم في تكريس اللجوء على حساب العودة 


غزة/   محمد السرساوي


أيام قليلة تفصلنا عن الثالث عشر من سبتمر، حيث الذكرى العشرون لتوقيع اتفاقية إعلان المبادئ "أسلو" بين منظمة التحرير الفلسطينية ودولة الاحتلال الإسرائيلي. وجاء توقيع اتفاقية أوسلو في الثالث عشر من سبتمر عام 1993م نتيجةً للمحادثات السرية التي حصلت في العاصمة النرويجية أسلو، وقادها من الجانب الفلسطيني رئيس السلطة الحالي محمود عباس (أبو مازن).
ويعدّ الفلسطينيون محمود عباس الذي عرف بـ"مهندس اتفاقية أسلو" متراخياً في قضية حق العودة بعد تصريحاته المتعددة، وخصوصاً بعد تصريحاته الأخيرة بعدم أحقيته هو نفسه في العودة إلى مدينة صفد التي وُلد فيها وهُجِّر منها.
ونصت اتفاقية أوسلو على اعتراف منظمة التحرير بدولة الاحتلال، وإقامة حكم ذاتي للفلسطينيين على مناطق من الضفة الغربية وقطاع غزة، وجرى تأجيل القضايا الرئيسية في الصراع، كالقدس واللاجئين والمياه والحدود والسيادة، إلى المرحلة النهائية التي كان من المفترض الانتهاء منها في عام 1999م من القرن الماضي.
 الاتفاقية التي عارضتها غالبية كبيرة من المجتمع الفلسطيني؛ لكونها تمثل مساساً بقضية اللاجئين وحق عودتهم إلى ديارهم التي هُجِّروا منها في عام 1948م، ومع اقتراب الذكرى العشرين، نحاول أن نسلط الضوء على تبعات اتفاقية أوسلو على قضية اللاجئين وحق العودة بعد عشرين عاماً من توقيعها.
إسقاط حق العودة
يقول اللاجئ "أبو محمد الحو" من مخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزة لمجلة "العودة" إنّ اتفاقية أووسلو وُلدت ميتة ولم تقدم شيئاً للاجئين على مدار عشرين عاماً، مضيفاً أن اعتراف المفاوض الفلسطيني بحق "إسرائيل" بالوجود على أرض فلسطين التاريخية يعني ضمنياً إسقاط حق العودة للاجئين إلى ديارهم التي هُجِّروا منها.
ويؤكد أنه بعد مضي سنوات كثيرة على توقيع "اتفاقية أوسلو"، تبين أن الاتفاق ساهم في تكريس وضع اللجوء والعيش في المخيمات من خلال القبول بترحيل قضية اللاجئين والقضايا الأخرى لمفاوضات الوضع النهائي.
ويتساءل "سعيد حمدونة" (50 عاماً)، أحد اللاجئين إلى مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة عن الإنجازات التي حققتها "أوسلو" للاجئ الفلسطيني طوال العقدين الماضيين، مؤكداً أنها ساهمت في زيادة معاناة اللاجئين بفعل نسيان قضيتهم أمام الرأي العام الدولي، وعدم الاهتمام الذي يبديه المجتمع الدولي بفعل اتفاق أوسلو بقيام السلطة الفلسطينية.  
وبعد عشرين عاماً من توقيع "اتفاقية إعلان المبادئ"، استطلعت "العودة" آراء مختصين في الشأن الفلسطيني وقضية اللاجئين، فأجمعوا على أن "أوسلو" سبّب تراجعاً خطيراً في المكانة الدولية للقضية الفلسطينية، وفي الالتزام الدولي إزاء الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني؛  فالاتفاق لا يقوم على قرارات الشرعية الدولية، ولا مرجعية دولية له، بل على التوافق بين "إسرائيل" وفريق التفاوض الفلسطيني.
وبينوا في أحاديث منفصلة مع "العودة" أنّ اتفاقية أوسلو تركت آثاراً سلبية على القضية الفلسطينية برمتها، ولا سيما قضية اللاجئين الفلسطينيين، حيث اعترفت منظمة التحرير الفلسطينية بحق "إسرائيل" بالوجود على المناطق التي احتلتها عام 1948م، أي بنسبة 78% من أرض فلسطين، وبالتالي أصبحت هذه الأرض خارج إطار الصراع، "وهذا ما يعني أن اللاجئين الفلسطينيين الذين خرجوا من أراضي عام 1948 م لم يعد بإمكانهم العودة إليها".
 انعكاسات سلبية
ويشير د. عصام عدوان، رئيس دائرة اللاجئين في حركة "حماس"، إلى أن من الأمور التي وافقت عليها قيادة منظمة التحرير آنذاك هي ترحيل الملفات الأساسية المهمة، وعلى رأسها قضية اللاجئين إلى مفاوضات الحل النهائي، وبعد عشرين عاماً من المفاوضات لم تثمر أي حل لقضيتهم، وراحت تتعاظم مخاطر حلها على قاعدة التوطين والتهجير في حال نجاح تطبيق الاتفاق واستقراره.
وبيّن أنّ اتفاق أوسلو أحدث انعكاسات سلبية على قضية اللاجئين الفلسطينيين عموماً، وفي لبنان خصوصاً، "حيث لم يعطِ الاتفاق أي حلول لمشاكلهم المستمرة منذ أكثر من نصف قرن من الزمن، وأنّ نسبة الفقر والبطالة تفاقمت داخل أوساط اللاجئين في لبنان".
وتقول تقارير صادرة عن الأمم المتحدة إن عدد الفلسطينيين اللاجئين وصل إلى ما يقارب 6 ملايين لاجئ يعيشون في مخيمات سورية ولبنان والأردن ومناطق السلطة الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة.
وشدد عدوان على أنّ اعتراف قيادة منظمة التحرير بإسرائيل يلغي حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى الأراضي التي هُجِّروا منها في عام 1948م، مبيناً أن اتفاقية أوسلو بعد عشرين عاماً لم تقدم سوى الأسوأ للاجئ الفلسطيني في كافة أماكن لجوئه.
وأضاف أن قضية اللاجئين التي غفلت عنها "أوسلو" تمثل لبّ الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي الذي يسعى إلى إسقاط حق العودة من خلال المفاوضات التي تجري مع السلطة.
ولفت إلى أنّ حق اللاجئين لم يذكر في أي اتفاقية كتبت إلى اليوم، وأنّ هذا الحق لم يكن في تفكير من يفاوض من الفلسطينيين، مبيناً أن عدداً من البنود التي وردت في اتفاقية أوسلو، المتعلقة باللاجئين وعودتهم إلى ديارهم، كانت خلاصتها العمل على أساس التعويض والتوطين، لا العودة.
وختم بالتشديد على أنّ السلطة الفلسطينية عندما أقرت هذه الاتفاقية، لم تقف على رأي الشعب الفلسطيني، مشيراً إلى أنّ اتفاقية أوسلو ليس لها مرجعية، ومرجعيتها هي الأطراف التي وقّعتها.
لا مرجعيات واضحة
من جانبه، قال المحلل السياسي د. عدنان أبو عامر، إنّ اتفاقية أوسلو لم تستند إلى قرارات الأمم المتحدة الخاصة باللاجئين الفلسطينيين، وقد عُزلت قضية عودة اللاجئين وجُزّئت عن كلها المتجانس لتناقش وحدها، بمعزل عن قضايا الوضع النهائي، رغم أنها أكبر مكونات القضية الفلسطينية، لافتاً إلى أن فصل القضية عن الأرض كان له بالغ الأثر في نفوس جموع اللاجئين الذين حاولوا تشكيل أنفسهم ضمن مؤسسات غير حكومية ولجان تدافع عن حق العودة انتشرت في أوساطهم بكثرة.
وبيّن أبو عامر أنّ هذه الاتفاقية أخرجت فيها "إسرائيل" أراضي عام 48 وغرب القدس من دائرة التفاوض، وحُصر الصراع على أراضي قطاع غزة والضفة الغربية، موضحاً أن من مساوئ أوسلو أيضاً اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بالكيان الصهيوني، بينما لم يعترف هذا الكيان بالوجود الفلسطيني على أراضي الـ48. كذلك تعهدت منظمة التحرير الفلسطينية التوقف مطلقاً عن أي شكل من أشكال المقاومة والكفاح المسلح.
وأشار إلى أنّ اتفاقية أوسلو لم تتطرق إلى حق تقرير المصير بالنسبة إلى الشعب الفلسطيني، معتبراً أن القضايا الجوهرية باتت مرتبطة بالموقف "الإسرائيلي" كالحدود والسيادة والمياه والمستوطنات وحق العودة، "وأنه بعد مرور 20 سنة على اتفاقية أوسلو لم تُناقَش هذه القضايا، بل ترحَّل دائماً إلى مفاوضات الحل النهائي".

 جوهرية قضية
 بدوره، رأى أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح د. عبد الستار قاسم، أنّ "الكارثة في اتفاق التسوية بين "إسرائيل" وقيادة منظمة التحرير، هي أنّ الاتفاق تمّ على الأمور التفصيلية، لكنه لم يحلّ القضايا الجوهرية، مثل مستقبل القدس واللاجئين والمستوطنات اليهودية والحدود والمياه، ولم يضع سقفاً زمنياً نهائياً لحلها، وبالتالي رُبط مصير القضايا الجوهرية أيضاً بالإرادة الإسرائيلية.
 وشدّد على أن قضية اللاجئين الفلسطينيين تشكل جوهر القضية الفلسطينية وقلبها، ولا حل للقضية الفلسطينية من دون حق العودة وحق تقرير المصير، مشيراً إلى أنّ من يخرج عن هذين الثابتين يكون قد خرج عن جوهر القضية ليحوّل الأنظار إلى ما هو ثانوي، ويقدم خدمة كبيرة للاحتلال.
ولفت إلى أنّ الاعتراف بـ"إسرائيل" يتناقض تماماً مع حق العودة، وكذلك التطبيع والتنسيق معها أمنياً وإدارياً، مبيناً أنّ من يعترف بـ"إسرائيل" إنما يعترف بحقها في الأرض المغتصبة، وبحقها بطرد الفلسطينيين من بيوتهم وممتلكاتهم.
وأوضح أن من يعترف بـ"إسرائيل" لا يقدم اعترافاً "قانونياً" فحسب، لكنه يقدم اعترافاً عملياً بها، ويقفز تماماً عن الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني، وقال إنّ الذين يعترفون بـ"إسرائيل" يسقطون حق العودة، حتى لو أصروا عليه كل يوم أمام وسائل الإعلام، مبيناً أن التمسك بحق العودة له متطلبات غير الاعتراف بإسرائيل والتطبيع معها وتقديم خدمات أمنية وإدارية لها.
وشدد قاسم على أنّ من يلاحق المقاومة ويريد استبدال أرض مغتصبة بأرض لا سيادة له عليها لا قلب له على اللاجئين ولا يمكن أن يكون مع حق العودة، داعياً الشعب الفلسطيني إلى عدم السماع للمعترفين بإسرائيل وإلى عزلهم من خلال الاستمرار في بثّ الوعي بشأن قضية اللاجئين والإصرار على حق العودة.