مجلة العودة

ضاقت عليهم الأرض بما رحُبتمقبرة اليرموك الجديدة :مخاوف من الفراق مرّتين

ضاقت عليهم الأرض بما رحُبت

مقبرة اليرموك الجديدة  :مخاوف من الفراق مرّتين

وسام الحسن / دمشق

 
 

بالرغم من مساحتها الكبيرة التي تبلغ نحو 57 دونماً، إلا أنها اليوم ضاقت، وبالكاد تتسع لقبور جديدة، حتى أصبحت هاجساً يراود سكان مخيم اليرموك الذين اعتادوا طوال 50 سنة أن يدفنوا موتاهم وشهداءهم، سواء في المقبرة القديمة أو الجديدة؛ لأنهم كثيراً ما يسمعون من هنا وهناك أن المقبرة الجديدة لم يعد فيها قبور جديدة، ومن أراد أن يُدفن في المقبرة، فعليه أن يدفن فوق أحد أقربائه الذين تجاوز موتهم أكثر من 7 سنوات، أو فليلجأ إلى الدفن خارج المخيم.

القصة منذ البداية

افتتحت المقبرة رسمياً بتاريخ 17-3-1981، حيث دُفن فيها المرحوم أبو فهد حجازي، ومن ثم توالت عمليات الدفن فيها، إلا أنها بقيت قليلة، مقارنةً بمقبرة اليرموك القديمة التي افتتحت في بداية الستينيات من القرن المنصرم مباشرة بعد أن استقر كثير من اللاجئين الفلسطينيين في الأراضي التي أطلق عليها لاحقاً اسم مخيم اليرموك. وقد قُسمَت المقبرة القديمة بدورها إلى قسمين: قسم للمدنيين، وقسم للشهداء، يشرف عليه جيش التحرير الفلسطيني حتى يومنا هذا.

بالنسبة إلى المقبرة الجديدة التي هي محور حديثنا، فقد اشتريت قطعة الأرض التي خصصت لها في المنطقة الواقعة في الجنوب الشرقي لمخيم اليرموك وفي نهاية شارع اليرموك من قبل منظمة التحرير الفلسطينية وتبلغ مساحتها نحو 57 دونماً. وقسّمت المقبرة نظرياً إلى قسمين: قسم لدفن المدنيين من أبناء الشعب الفلسطيني، وقسم للشهداء، تُشرف عليه مؤسسة أسر الشهداء التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، حيث دفن أول شهيد فيه في عام 1982 إبان حصار العدو الصهيوني لبيروت.

ومنذ عام 1981 واللاجئون الفلسطينيون في مخيم اليرموك يدفنون موتاهم وشهداءهم في المقبرة الجديدة للمخيم. وفي بداية التسعينيات توقف الدفن في المقبرة القديمة للمخيم لامتلائها بالقبور على المساحة المخصصة للدفن، وصارت المقبرة الجديدة تستقبل 99% من موتى المخيم وشهدائه. على المدى الطويل، اكتظت هذه الرحاب بالساكنين، حيث بلغ عدد المدفونين في هذه الرحاب نحو 15000 ألف.

أضف إلى ذلك أن بعض الفلسطينيين الذين سكنوا في تجمعات قرب مخيم اليرموك يرفضون دفن موتاهم خارج المخيم أو مقابر قريبة من أماكن تجمعاتهم، وذلك لأسباب كثيرة منها:

غلاء القبور في المدينة؛ فقد يصل سعر القبر الواحد في إحدى مقابر مدينة دمشق، كمقبرة باب الصغير، أو مقبرة الدحداح إلى ثلاثة آلاف دولار، بينما يكلّف القبر الواحد في مقبرة المخيم مع رفعه وشاهدته أقل من مئة دولار.

اعتبار المخيم المركز الرئيسي للفلسطينيين، وضرورة دفن الموتى في مقبرة المخيم لاعتبارات معنوية لدى هؤلاء، إضافة إلى وجود معظم الأقرباء في المخيم.

حلول مؤقتة

ظهرت الأزمة الحقيقية في السنوات الخمس الأخيرة، حيث بدأت الأماكن المخصصة للدفن في المقبرة بالانحسار، وخصوصاً في القسم المخصص للمدنيين، فلجأ المشرفون على الدفن إلى فتح قبور جديدة في المساحات الصغيرة التي تفصل بين القبور، وهي مخصصة للعبور والمشي بين القبور، ولا تتجاوز هذه المساحة في معظم الأحيان أكثر من 30 سم، فأضحت القبور تتلاصق،  ولا يفصل بينها أي مسافة، ما يجبر المشيعين في كثير من الأحيان على وطء القبور للوصول إلى مكان دفن أحدهم.

ومع وصول هذه الأزمة إلى هذه الدرجة، لجأ الأهالي إلى دفن موتاهم الجدد فوق موتاهم الذين مضى على وفاتهم أكثر من 7 سنوات، في جزء من حل مؤقت لهذه الأزمة، وأضحى عدد لا بأس به من القبور يضم بين جنباته الضيقة رفاتين أو أكثر.

أما بالنسبة إلى القسم المخصص للشهداء، فلا يزال فيه متسع لقبور جديدة، رغم أن ساحة المقبرة التي كانت مخصصة لحفلات التأبين طالها حظ من القبور الجديدة؛ ففي الجهة الشرقية من الساحة يوجد الآن نحو 50 قبراً، منها للشهداء الذين خرجوا في عملية تبادل الجثامين مع العدو الصهيوني قبل عدة سنوات. أما القبور الأخرى، فهي لشهداء مسيرة العودة الأولى والثانية. 

واستشعاراً بهذه الأزمة، وقبل عشر سنوات، حاولت الجهات المسؤولة شراء قطعة أرض جنوبي المقبرة، حيث لا تزال هذه الأرض غير مبنية أو مسكونة، وهي فعلياًّ أرض بور ــ المقبرة من جهاتها الثلاث إما مسكونة أو تحيط بها شوارع رئيسية ــ وقد رفض أصحاب قطعة هذه الأرض البيع في البداية، ثم وافقوا، ولكن بسعر مرتفع تعجز عن دفعه الجهات المسؤولة.  إضافة إلى ذلك، تعود ملكية هذه الأرض إلى عدد كبير من الورثة، منهم من قبل بالبيع، ومنهم من رفض. وهناك قطعة من ضمن هذه الأرض مستملكة للدولة، ويتحدث الأهالي عن خلافات بين بلدية مخيم اليرموك وبلدية الحجر الأسود على هذه القطعة. وفي ظل هذه الإشكاليات أُجهض هذا المشروع وصُرف النظر عنه بالكامل، ولكن لا يزال يدور حديث بين أهالي المخيم حول إمكانية شراء هذه الأرض بالتعاون مع أهل المخيم والتنظيمات الفلسطينية.

وفي لقاء مع المسؤولين عن الدفن، تحدثوا لنا عن بوادر أزمة، رغم وجود مكان لعدد غير كبير من القبور، مع اتخاذ عدد من الإجراءات الضرورية، منها الحد من دفن الموتى الذين يأتون من خارج المخيم أو من غير الفلسطينيين؛ لأن هذه المقبرة مخصصة فقط للفلسطينيين ومن أهالي مخيم اليرموك، بالإضافة إلى دفن الموتى الجدد فوق الموتى الذين سبقوهم بسبع سنوات.

جديد مخاوف أهل المخيم

سرت أحاديث بين أهالي المخيم ــ هي في جلها مخاوف ــ من صدور قرار بوقف الدفن في مقبرة المخيم بسبب عدم وجود مساحات لقبور جديدة، ومن ثم التوجه إلى مقبرة دمشق المركزية التي تبعد عن مخيم اليرموك نحو 10 كلم، وهي تقع مقابل تجمّع الحسينية ذي الأغلبية الفلسطينية. ويشيع بين الأهالي أن هذه المرحلة اقتربت من بدايتها، واقترب معها الشعور بالفراق مرتين: مرة يوم الوفاة، ومرة يوم الدفن بعيداً عن المخيم.

ومقبرة دمشق المركزية هي من أكبر المقابر في سورية، حيث أنها مؤهلة لاستقبال مئات الألوف من الوفيات من مدينة دمشق وضواحيها، وقد دُفن عدد من الفلسطينيين المقيمين في مخيم اليرموك وتجمع الحسينية ومخيم السيدة زينب في هذه المقبرة. هذا وتزايدت في الآونة الأخيرة مخاوف سكان مخيم اليرموك من أن تصبح وجهة جنازاتهم إلى هذه المقبرة.

وفي سؤالنا عمّا أشيع عن شراء قطعة أرض في منطقة البويضة، أكّد لنا المسؤولون عن الدفن في مقبرة اليرموك أنه جرى بالفعل شراء قطعة أرض تُخصَّص كمقبرة لوفيات أهل مخيم اليرموك في منطقة البويضة (3) كلم جنوبي مخيم اليرموك، وتبلغ مساحتها نحو 15 دونماً. وجرى شراء هذه الأرض بالتبرع من مؤسسة أبناء الشهداء الفلسطينيين وأهالي مخيم اليرموك. ولا تُعرف حتى الآن المدة التي يمكن فيها أن تجهز هذه الأرض كمقبرة أخرى جديدة، حيث لم يبلّغ المسؤولون أي قرار يتعلق بهذا الشأن.

وماذا بعد؟

مقبرتا مخيم اليرموك تمثّلان مع المخيم بحد ذاته شواهد على اللجوء أولاً، وشواهد أيضاً على بطولات الشعب الفلسطيني الذي لا يزال يلد ويدفن شهداءه على ثرى وفي ثرى هذه الأرض.

واليوم يصبح الشعب الفلسطيني في مخيم اليرموك أكثر تخوّفاً من ذي قبل، من أن يصبح موتاه وشهداؤه خارج المخيم في غير رحاب المخيم الذي يمثُّل رمز القضية الفلسطينية وجوهرها. لذلك، إن جميع الأهالي يلحّون على أن تصبح قطعة الأرض التي تحاذي المقبرة جزءاً منها، وهم متفائلون خيراً في ذلك، في قلوبهم أمل قريب بانتهاء هذه الأزمة وأمل لا يغيب بأن تكون هذه المقابر آخر شواهد النكبة واللجوء للشعب الفلسطيني، في طريق العودة إلى الوطن .

شهداء مقبرة اليرموك الجديدة...

شهداء على النضال

شهداء حصار بيروت وما لحقها من مراحل نضال شعبنا الفلسطيني في لبنان من سكان مخيم اليرموك.

شهداء الضربات الجوية الصهيونية التي كانت تستهدف معسكرات التنظيمات الفلسطينية في لبنان.

الدكتور فتحي الشقاقي، الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي الذي اغتيل في مالطة.

الشهيد عز الدين الشيخ خليل، أحد القادة العسكريين في حركة حماس، الذي اغتيل في دمشق.

الشهيد محمود المبحوح، أحد القادة العسكريين في حركة حماس، واغتيل في دبي.

الشهيد جهاد جبريل، أحد القادة العسكريين في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (القيادة العامة)، واغتيل في بيروت.

شهداء مسيرة العودة الأولى مايو 2011م .

شهداء مسيرة العودة الثانية يونيو/ حزيران 2011م

المرحوم الشاعر حسن البحيري.