مجلة العودة

ماضٍ قاسٍ.. حاضر يتلكأ.. ومستقبل مجهولمخيمات لاجئي غزة.. حين تنهار مكوّنات الحياة كافة!

ماضٍ قاسٍ.. حاضر يتلكأ.. ومستقبل مجهول

مخيمات لاجئي غزة.. حين تنهار مكوّنات الحياة كافة!

غزة- العودة

 
 

يتوالى الانحدار في مستوى الخدمات الصحية والتعليمية والاقتصادية والبيئية المقدمة لمخيمات اللاجئين الفلسطينيين في قطاع غزة. فالاحتلال من جهة، ونقص التمويل من جهة أخرى، يرميان المخيمات مرة أخرى في مهب الريح، تحاول البحث عن نفسها وسط بحر متلاطم الأمواج، استمراراً لمسلسل التهجير.

وحال مخيمات اللاجئين اليوم، وإن كان أصلح حالاً نوعاً ما عن سابق عهده قبل عقود ثلاثة أو أربعة، إلا أن الوضع يستمر على حاله الكارثي، وقد يعود أسوأ مما كان إذا استمرت السياسات الحالية الرامية إلى تقويض قضية اللاجئين وتجويعهم، تحت حجج واهية وممجوجة.

 

ديموغرافياً

فعلى الصعيد الديموغرافي، تزايد عدد اللاجئين تزايداً طبيعياً داخل المخيمات وخارجها خلال تلك السنوات الطويلة منذ النكبة ليصل إلى نحو مليون وستمئة ألف نسمة في قطاع غزة.

ويقدر عدد اللاجئين بينهم بنحو مليون ومئة ألف نسمة، أي ثلاثة أرباع السكان، ومنهم نحو 552 ألف لاجئ يقيمون داخل مخيمات اللاجئين الثمانية في القطاع، وهذا يعني أن ما نسبته 50 إلى 55% من لاجئي القطاع يسكنون داخل المخيمات.

  وتبلغ الكثافة العامة للسكان في قطاع غزة نحو 1800 نسمة للكيلومتر الواحد، وهذه واحدة من أعلى النسب في العالم، وتزداد تلك النسبة داخل مخيمات اللاجئين.

ومنذ أن أنشئت تلك المخيمات عام 1948م في أعقاب الهجرة، لم تجر عليها أي هيكلة أو تخطيط ديموغرافي وسكني، فأصبحت تشكل كتلة بشرية وسكنية تفتقر إلى سبل المعيشة الصحية من حيث التهوية والمنافع العامة والشوارع الضيقة ومياه المجاري التي تعمّ الشوارع، وخاصة مع فصل الشتاء، والأسواق المختلطة والملتصقة بالمساكن وانعدام أماكن اللعب للأطفال والأرصفة الضيقة التي تمثّل في مجملها مخاطر حقيقية على المستوى الصحي والنفسي للسكان اللاجئين.

وما زاد الطين بلة، الحرب الأخيرة على قطاع غزة التي كانت الأكثر عدوانية، والتي شنّها الاحتلال الإسرائيلي في غزة في الفترة ما بين 27 كانون الأول/ ديسمبر 2008م، و17 كانون الثاني 2009م، والتي أدت إلى تدمير أو إتلاف ما يقرب من 60,000 مسكن.

اقتصاديا ومعيشياً

وعلى الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، تعاني مخيمات قطاع غزة التضخم الهائل في عدد السكان، ولم يعد بالإمكان توسيع مساحة البيوت. وهذه البيوت لا توفر الحماية الكافية من حر الصيف أو برد الشتاء، ما يزيد من مخاطر الأمراض.

 

وقد أسهمت الأونروا في تأهيل عدد من المنازل في قطاع غزة، إلا أن الاحتلال أوقف جميع عمليات البناء والترميم بسبب الحصار الخانق المفروض على قطاع غزة.

في آخر مسح للفقر أجرته الأونروا أخيراً، أظهر حدوث انخفاض بارز في الأوضاع المعيشية؛ إذ يقدر أن 325 ألف لاجئ، أو ما يقارب ثلث اللاجئين المسجلين، يعيشون تحت خط الفقر المدقع وغير قادرين على تلبية احتياجاتهم الأساسية للغذاء، بالإضافة إلى أن 350 ألف لاجئ آخرين يعيشون الآن تحت خط الفقر الرسمي.

ويفتقر هؤلاء إلى بعض المتطلبات الأساسية لعيش حياة كريمة في الحدود الدنيا. كذلك، إن 80% من سكان غزة يعيشون تحت خط الفقر، وفقاً لبعض الإحصاءات غير الرسمية.

وقدر معدل دخل الفرد بدولارين يومياً في غزة، فيما نحو مليون فلسطيني أصبحوا يعتمدون على مساعدات الإغاثة، وهذا من شأنه أن يوجد واقعاً في منتهى الضيق لم تشهده الأراضي الفلسطينية من قبل.

من جانب آخر، تشير نتائج مسح القوى العاملة لعام 2009، إلى أن هناك فرقاً واضحاً على مستوى البطالة بين اللاجئين وبين غير اللاجئين؛ إذ يرتفع معدل البطالة بين اللاجئين ليصل إلى 29.5% مقابل 21.5% بين غير اللاجئين.

الأوضاع الصحية

أما على الصعيد الصحي، فالأوضاع تزداد سوءاً يوماً بعد يوم، نتيجة الكثافة السكانية المتزايدة إلى جانب تناقص الخدمات المقدمة من الجهات الرسمية.

وتساهم الحالة العامة للمخيمات الفلسطينية مباشرة في تردي الوضع الصحي عند اللاجئين، حيث الأزقة الضيقة والمياه العادمة التي تمرّ بين الطرقات يعبث بها الأطفال، ما يسبب انتشار الأمراض والأوبئة التي تنتقل بين السكان من طريق المخالطة.

ويقع الإشراف على الأوضاع الصحية في المخيمات بمعظمه على الأونروا، التي قلصت خدماتها بنحو ملحوظ خلال الشهور الأخيرة، فلا تلبي الوكالة كل ما يتعلق بحاجات اللاجئين على هذا الصعيد.

وتمتلك الوكالة شبكة تضم أكثر من 18 مركزاً أو عيادة صحية، توفر الرعاية الطبية، وخاصة في ما يتعلق برعاية الأم والطفل، حيث إن البرنامج الصحي لوكالة الغوث هو ثاني أكبر برنامج بعد برنامج التعليم، حيث تخصص له الوكالة 18% من ميزانيتها، ويركز البرنامج اهتمامه على الصحة الأولية عبر تقديم خدمات صحية من خلال المراكز الصحية.

وبالرغم من ذلك، فإن الإقبال على هذه المراكز يفوق كل التصورات؛ بسبب عدم قدرة اللاجئين على تحمل نفقات العلاج في العيادات الخاصة، وبالتالي الانتظار والازدحام في مراكز الوكالة من أجل العلاج والحصول على الدواء مجاناً.

وأثناء فرض الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة والحرب التي شُنّت عليه، لم يكن الواقع الصحي أحسن حالاً، بل هو امتداد لواقع الحصار والحرب وتواصل لواقع اللاجئين المزري والمتراكم في الانحدار والتراجع.

وفي العدوان الحربي الذي شنته إسرائيل على قطاع غزة في 27 كانون الأول/ ديسمبر 2008م، استشهد ما يزيد على 1450 فلسطينياً، من بينهم 450 طفلاً وأُصيب أكثر من 5,200 شخص، وأدى الحصار إلى وفاة 500 ضحية بسبب نقص الدواء، أو لعدم تمكنهم من السفر للعلاج في الخارج خلال ما يزيد على ألف يوم من الحصار (بمعدل سقوط ضحية في كل يومين من أيام الحصار).

كل ذلك، فضلاً عن الآثار الكبيرة للحصار على المستوى الطبي والعلاجي، ومنها على سبيل الذكر: نفاد 88 صنفاً من الأدوية المهمة، بالإضافة إلى أن النقص في المستهلكات والمهمات الطبية بلغ 120 صنفاً.

 

ومن أهم المشاكل التي يعانيها سكان المخيمات صحياً، الاكتظاظ بالمراجعين من سكان المخيم وخارجه، وتقليص الوكالة لعدد الحالات التي تُحَوَّل إلى المستشفيات الحكومية، وقلة عدد العيادات قياساً مع عدد السكان، والنقص المستمر في الدواء.

وتعاني المخيمات انتشار وظهور العديد من الأمراض الصحية المختلفة، وعدم وجود مختبرات وأجهزة حديثة، وعدم كفاءة المؤسسات الصحية القائمة، وعدم الفحص بفاعلية بسبب الأعداد المتزايدة من المرضى المراجعين.

الأوضاع التعليمية

وعلى الصعيد التعليمي، اتجه أبناء المخيمات في قطاع غزة  نحو التعليم بكثافة، وتشهد الأرقام المتوافرة على هذا التوجّه، حيث تشرف الوكالة على التعليم الابتدائي والإعدادي للاجئين في المخيمات وخارجها، فيما يتابع بعض أبناء اللاجئين دراستهم الإعدادية في المدارس الرسمية. والتعليم الثانوي مقتصر على المدارس الرسمية، ذلك أن الوكالة لا تغطي هذه المرحلة من التعليم.

وتشغّل الأونروا نحو168 مدرسة ابتدائية وإعدادية في قطاع غزة، وهو العدد الأكبر الثاني بعد الأردن، وتوفّر فرص التعليم لنحو 160 ألف طالب وطالبة، فما زالت هناك حاجة ماسة لبناء المزيد من المدارس، رغم عدم وجود الدعم المالي لذلك.

ونتيجة لزيادة عدد التلاميذ، زادت حدة الاكتظاظ في مدارس الأونروا في القطاع، حيث ارتفع معدل عدد التلاميذ، في الصف الواحد من 47 إلى 50 تلميذاً، وهي أعلى نسبة من نوعها في الأقاليم الخمسة لعمليات الأونروا.

وكانت مدارس عديدة تشغل أبنية من الإسمنت والأسبست، يعود تاريخها إلى سنوات الخمسينيات والستينيات، وكانت قد أنشئت أصلاً كأبنية مؤقتة. واضطر عدد من المدارس إلى العمل بنظام الفترات الثلاث، بعد أن أصبحت أبنية مدرسية أخرى غير آمنة ووجب إخلاؤها لإعادة التأهيل.

وتأثرت خدمات التعليم التي تمثّل القسم الأكبر والأهم من برنامج وكالة الغوث وموازنتها السنوية وبالمنحى المتراجع وعمليات الخفض السنوية في الخدمات الأساسية للوكالة.

ويرى مراقبون أن القصور المطّرد في أداء الوكالة لخدماتها الأساسية وعجزها عن تلبية متوسط الاحتياجات الفعلية للاجئين، وخاصة في مجال التعليم، أدى إلى تراجع ملحوظ في العملية التعليمية والتربوية، وانعكست على الطالب والمعلم في آن واحد.