مجلة العودة

تقليصات الأونروا في 2012
عام نكبة جديد على اللاجئين


فيحاء خنفر - الضفة الغربية


تعددت أشكال وصور المعاناة التي يعيشها اللاجئ الفلسطيني الذي شرد من مسقط رأسه وآوته خيام اللجوء في المخيمات الفلسطينية بالداخل وفي دول الجوار وأصقاع العالم .فبعد أن كان يزرع ويقلع ويبني وينتج، أصبح ينتظر بطاقة التموين على أبواب المؤسسات الأممية التي أنشئت لإغاثتهم ولكي تزيل عن الاحتلال مسؤولية الاهتمام به لكونه دولة محتلة .

وفي الآونة الأخيرة ازدادت معاناة اللاجئ الفلسطيني الذي يقطن المخيم، سواء في الضفة المحتلة أو غزة المحاصرة، وحتى في باقي مخيمات الشتات في الدول الأخرى. ولعل المعاناة في المحافظات الجنوبية في قطاع غزة أكبر وأكثر، نتيجة انخفاض مستوى دخل الفرد وحالة الحصار والحرب التي يعيشها القطاع منذ سنوات .

وتعقدت الظروف المعيشية للاجئين بسبب سياسة تقليل الخدمات المقدمة لهم، التي انتهجتها الأونروا منذ 2010 لتصل ذروتها في هذا العام الذي يعد الأسوأ منذ بدء التقليصات.

ولم تقتصر هذه التقليصات على جانب واحد؛ فقد شملت قطاع التعليم وقطاع الخدمات، لكن النصيب الأكبر كان للقطاع الصحي الذي يُعدّ الأهم بالنسبة إلى العائلات في المخيمات الفلسطينية، حيث قُلِّص عدد الأطباء والعاملين فيه بنسبة كبيرة، وخاصة أطباء الأسنان الذين استُغني عن معظمهم، ما سبّب معاناة جديدة للاجئين؛ فهذه التقليصات أثرت بنحو قاس ٍعلى حياتهم بعد أن كانوا يعتمدون على ما تقدمه الأونروا في ظل الظروف المعيشية الصعبة التي يعيشون فيها، وأصبح المرضى في المخيمات يضطرون إلى العلاج في العيادات الخاصة ودفع مبالغ كبيرة كانوا بغنى عنها لولا سياسة الحد من الخدمات الصحية في الوكالة.

ويقول اللاجئون من سكان المخيمات إنهم أصبحوا الآن دون معين بعد أن انقطعت مساعدات الأونروا عنهم التي كانت أساساً بالكاد تغطي جزءاً من احتياجاتهم، لكنهم فقدوها الآن لتصبح أوضاعهم أكثر تعاسة من ذي قبل.

تردي أوضاع اللاجئين

بدوره، أوضح رئيس لجنة الخدمات في مخيم بلاطة شرق مدينة نابلس، أن الكثير من اللاجئين أصبحوا عاجزين تماماً عن تغطية متطلباتهم الصحية، بعد أن قلصت خدمات القطاع الصحي. فمثلاً، خُفضت أيام عمل العيادات، كعيادات الأسنان التي أصبحت تعمل يوماً واحداً في الأسبوع فقط. أما عيادات الأنف والأذن والحنجرة، فقد أُغلقت بنحو كامل.

وأضاف ذوقان في حديث خاص مع "العودة": "المدارس والمراكز التعليمية الآن في حال يرثى لها، ففضلاً عن اكتظاظ الصفوف، هنالك أيضاً نقص كبير في أعداد المعلمين، وأوضاع المعاهد ومراكز التدريب التابعة لوكالة الغوث غُيِّر نظام التعليم فيها من حيث المدة والشهادة إلى الأسوأ؛ فبعض المعاهد التي كانت تعطي شهادة "الدبلوم" قلصتها من سنتين إلى دورة تدريبية مدتها 6 أشهر. ومثال على ذلك معهد قلنديا الذي أصبح يعطي دورة مدتها 6 أشهر بعد أن كان يعطي شهادة الدبلوم في عامين دراسيين".

ولفت رئيس لجنة الخدمات في مخيم بلاطة إلى أنه قد تم الاجتماع مع نائب مدير الوكالة في الضفة عدة مرات، وكان الاجتماع في كل مرة يثمر بعض التوصيات، وبعد الاتفاق عليها كانوا يُفاجأون في اليوم التالي بالعمل بخلاف ما اتُّفق عليه. فمثلاُ اتُّفق على اختيار عمال الطوارئ بشرط أن يكونوا ممن هم تحت خط الفقر، لكن الوكالة في كل مرة كانت توظف أشخاص غير محتاجين أو على الأقل فوق خط الفقر.

وطالب ذوقان باسمه وباسم اللاجئين في مخيم بلاطة باقي المخيمات السلطة الفلسطينية بالتدخل لحل هذه الأزمة، وألا تبقى في موقف المتفرج بصمت على حالهم؛ لأن أوضاعهم الصعبة لا تحتمل المماطلة، حسب تعبيره.

تجاهل السلطة

على الصعيد ذاته، أكد مدير خدمات مخيمات شمال الضفة إبراهيم صقر، أن استمرار معاناة اللاجئين الفلسطينيين بسبب السياسة التي تتبعها وكالة الأونروا في تقليص خدماتها والتي بلغت ذروتها عام 2012، وفي ظل تجاهل السلطة الفلسطينية لهم ولمعاناتهم، سيؤدي في نهاية المطاف إلى انفجارهم وخروجهم عن صمتهم.

وقال صقر لـ"العودة": "اللاجئون لم يتلقوا أي دعم أو اهتمام من السلطة، رغم توجهنا لها مراراً ومطالبتنا الرئيس بالضغط على الوكالة، لكن دون جدوى، علماً بأن الرئيس كان قد شكل لجاناً للتعامل مع الوكالة، إلا أنها لم تحقق نتائج ملموسة".

واتهم صقر وكالة "الأونروا" بالكذب والخداع في ما يتعلق بادعائها أن التقليصات أتت بسبب الأزمة المالية، لافتاً إلى أن ما يظهر هو سوء إدارة، وتساءل: "لماذا ترفع الوكالة أجور بعض الإداريين بعد الاستغناء عن الموظفين، وتستدعي موظفين أجانب، وهذا يكلف مبالغ باهظة جداً من حيث تكاليف سفرهم وإقامتهم بفنادق ومصروفات أخرى؟".

وذكر صقر لـ"العودة" أنه أخيراً بدأ العمل ببرنامج إضرابات للعاملين في الوكالة يأتي ضمن الخطوات الإجرائية التي يتدرجون بها احتجاجاً على سياسة الأونروا، ومن ذلك إغلاق مكاتب مديرين يعملون في الوكالة في الضفة يوم الثلاثاء 18/12، إضافة إلى إغلاق جميع المكاتب الرئيسية للوكالة في الضفة في اليوم التالي. وأكد أنه سيستمر العمل على هذا النحو ما استمرت الأونروا بسياسة "الخداع" على حد تعبيره.

وأضاف: "لقد استُغني عن نحو 130 موظفاً خلال الأشهر القليلة الماضية، كذلك قررت وكالة الغوث إقالة نحو 115 موظفاً بتاريخ 1/1/2013، معظمهم يعملون في القطاع الصحي للوكالة".

أما الموطن العادي في المخيمات، فأصبح كالغريق الذي ينتظر بارقة أمل، تخفف عنه وجع اللجوء، وتبعد عن أطفاله وحش العوز والحرمان، وأصبح يكابد ظروف حياته حتى لا يشعر الأطفال بقسوة اللجوء أكثر.

تصفية لقضيتنا!

معين عبد اللطيف (40 عاماً) من مخيم قلنديا قرب مدينة رام الله وسط الضفة المحتلة، أبدى استياءه من السياسة التي تتبعها وكالة الغوث في تعاملها مع اللاجئين، وقال: "لقد جعلتنا الوكالة وكأننا متسولون ننتظر شفقتها علينا لتنشلنا من وحل الفقر في المخيمات. خلال السنوات القليلة الماضية كنا نحصل على فرصة عمل لأشهر قليلة ضمن برنامج التشغيل المؤقت أو ما يعرف ببرنامج الطوارئ، لكن الوكالة قلصت خدماتها كثيراً وحرمتنا العمل في هذا البرنامج".

ويضيف: "أنا أرى أن عام 2012 هو عام نكبة جديد علينا نحن اللاجئين، حيث كان مليئاً بقرارات تقليص الخدمات للاجئين، في خطوة تفهم أنها تصفية لقضيتنا وتجاهلاً لها، وخاصة أننا لا نرى دعماً رسمياً حقيقياً من السلطة والرئيس أبو مازن".

وتشاركه الرأي الممرضة في إحدى العيادات الصحية التابعة لوكالة الغوث لميس سفيان وتقول: "أصبح الناس في المخيمات يتذمرون من سحب الكثير من الخدمات الصحية التي كانت العيادات تقدمها لهم، وخاصة في ما يتعلق بأمراض الأسنان والأذن والأنف والحنجرة، إضافة إلى تقليص التحويلات للمستشفيات، وإقالة العديد من زملائنا الموظفين من أطباء أو ممرضين في العيادات، وهذا شكل كابوساً لنا جميعاً، ونحن أصبحنا متخوفين أن نفقد عملنا ومصدر رزقنا بأي لحظة تقرر فيها الوكالة وقف خدماتها بشكل كامل".

وفي ما يتعلق بالوضع التعليمي، يشتكي الطلبة والمعلمون على حد سواء من سوء الحال الذي وصلت إليه مدارس الأونروا، وما قد تؤول إليه حالها إذا ما استمرت سياسة التقليصات التي تتبعها وكالة الغوث. ويقول فارس حمدان، المعلم في إحدى مدارس الأونروا بجنوب الضفة: "خلال عام 2012 تواردت إلينا أخبار سيئة جداً عن قرارات الأونروا في تقليص أعداد الموظفين في العيادات وحتى المعلمين في المدارس، واختصار أعداد الصفوف المدرسية وزيادة أعداد الطلاب في الشعبة الواحدة، وهذا من شأنه أن يراكم المشاكل التعليمية لدى الطلبة، الذين يعانون أصلاً اكتظاظ الأعداد في الصف، وهذا بلا شك ينعكس على مستواهم وتحصيلهم العلمي".

العمل بنظام العقود

ويشتكي العديد من الموظفين في مكاتب الأونروا من تهرب الوكالة والمماطلة في تثبيتهم والتعامل معهم بنظام العقود، حتى لا تترتب عليها أي التزامات وحقوق لهم. السيدة "س.خ" إحدى الموظفات في مكتب وكالة الغوث في نابلس تعمل بنظام العقود منذ أكثر من خمس سنوات، وتقول لـ"العودة": "من حقي التثبيت في وظيفتي وأن أحصل على كامل حقوقي كموظفة بشكل كامل، لا أن يُمَدَّد عملي بالعقود لسنوات طويلة".

وأشارت: "الوكالة تمارس سياسة ظالمة بحق الموظفين غير المثبتين؛ فنحن لا نشعر بأيّ أمان أو استقرار وظيفي، ونحن مهددون بالفصل من الوظيفة مع انتهاء كل عقد، وفي الوقت ذاته تصرف الوكالة أموالاً طائلة على الموظفين الأجانب على تكاليف السفر والإقامة والفنادق والسيارات والخدمات الأخرى".

وتلتف الموظفة إلى أعداد المواطنين الذين يفدون على مكاتب الوكالة يومياً يسألون عن الخدمات والمعونات التي كانت تصرف لهم وأُوقفت عنهم، قائلة: "هناك حالات إنسانية تأتي للمكتب ويتساءلون عن سبب توقف المساعدات؛ ففي المخيمات عائلات لا معيل لها، وكانت تعتمد على برنامج التشغيل "الطوارئ" وعلى المساعدات الغذائية".

وكانت اللجان الشعبية في مخيمات الضفة الغربية قد حذرت في بيان لها تلقت "العودة" نسخة عنه من تدهور الأوضاع العامة في مخيمات اللاجئين في حالة استمرار وكالة الغوث باتباع سياسة الترحيل للأزمة، واتباع سياسة الحد من تقديم الخدمات.

وهددت اللجان بأن صمتها لن يطول، وأنهم مستمرون بتنفيذ برنامج الفعاليات ليشمل في المرحلة القادمة مختلف برامج وكالة الغوث إضافة إلى فعاليات مركزية أخرى ستبدأ بتنفيذها بنحو متواصل، وأنها ستشمل إضرابات وإغلاق للمكاتب الرئيسية واعتصامات للطلاب والموظفين.♦