مجلة العودة

نسيمة أيوب:مصير القدس.. كرة في ملعب السياسة الأميركية

مصير القدس.. كرة في ملعب السياسة الأميركية
نسيمة أيوب/بيروت
 
 

كانت القدس منذ أكثر من ثلاثة آلاف سنة، وما زالت، أكثر المدن تنازعاً عليها. وهذا النزاع يبدو جليّاً حتى في الانتخابات الأميركية، سواء في عام 2012 أو ما قبله من الأعوام. فبمجرد أن أغفل البرنامج الانتخابي للديموقراطيين موضوع القدس عاصمةً لـ"إسرائيل"، بعكس برنامجهم الانتخابي في 2008، حتى قامت الدنيا ولم تقعد... ما اضطر إدارة أوباما إلى شرح موقفها وتبريره بإعلانها أن سياسة أوباما تماثل سياسة الإدارات الأميركية التي سبقتها منذ 1967، أي أن مكانة القدس تحدد من خلال مفاوضات الحل النهائي بين الإسرائيليين والفلسطينيين.. هذا الجدل القائم عرضته The   Christian   Science  Monitor وغيرها من وسائل الإعلام الأميركية، لما يمثله موضوع "إسرائيل" وعاصمتها من أهمية بالنسبة إلى الناخب اليهودي الأميركي، وبالتالي للوبي "إسرائيل" في الولايات المتحدة. وللموقف من القدس انعكاساته على تحديد مكان السفارة الأميركية. فلو دعمت الولايات المتحدة ادعاء "إسرائيل" أن القدس هي "العاصمة الموحدة والأبدية للشعب اليهودي"، فهذا سيعني نقل السفارة إلى القدس. هذا "النقل" قد وعد به مِت رومني المرشح الرئاسي للحزب الجمهوري، وهو موقف يتجانس مع البرنامج الانتخابي لحزبه، الذي ينص على الآتي: "نحن ندعم حق إسرائيل في الوجود كدولة يهودية ذات حدود آمنة وقابلة للدفاع، ونتصور وجود دولتين ديموقراطيتين: "إسرائيل" وعاصمتها القدس، وفلسطين تعيشان بسلام وأمان". وإذا ما حقق رومني وعده، فالولايات المتحدة تصبح الدولة الثالثة التي تنقل سفارتها إلى القدس إلى جانب اليونان وإيطاليا.

رأي ديموقراطي متأرجح

نعود إلى الديموقراطيين الذين حذفوا بدايةً العبارة التي يعدون فيها بالاعتراف بالقدس عاصمةً لـ"إسرائيل" في برنامجهم الانتخابي لـ2012... إلّا أن عاصفة من النقد من الجمهوريين والمجموعات المناصرة لـ"إسرائيل" دفعت الرئيس أوباما إلى الإيعاز إلى حزبه بتعديل البرنامج الانتخابي ليضم عبارة تعلن القدس عاصمة لـ"أسرائيل".

وقد عللت رئيسة اللجنة الديموقراطية الوطنيّة دَبي واسرمان لصحيفة النيويورك تايمز The   New   York  Times ما حدث بأن هذا التغيير هو للحفاظ على التجانس بين الآراء الشخصية للرئيس والبرنامج الانتخابي للحزب الديموقراطي لسنة 2008.

وتتابع النيويورك تايمز قائلة إنه رغم أن ما حدث يجعل البرنامج الانتخابي يناقض الموقف الرسمي للدولة... لكنه في الوقت نفسه يبدو منسجماً مع الضغوط التي مارستها لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية AIPAC، التي أعربت عن انزعاجها من حذف العبارة.ثم أصدرت أيباك بياناً، بعد استعادة العبارة، تعلن فيها ترحيبها بالصياغة التي تؤكد أن القدس عاصمة لـ"إسرائيل".

ويبدو أن الأعضاء العرب والمسلمين في الحزب الديموقراطي حاولوا مناهضة المدّ الإسرائيلي.فقد تابعت النيويورك تايمز تقول إن تصويت بـ"لا" قد صدر عن أشخاص مثل ماجدِ البهادلي، وهو أميركي من أصل عراقي من ولاية واشنطن... حيث قال إن القدس هي عربية ويهودية ونصرانيّة، ولا يمكنها أن تكون تابعة لدولة واحدة فقط.

أما سفير "إسرائيل" في واشنطن، فقد أعرب عن أن بلاده تدعم الحزبين على حدٍّ سواء، وأن هذا الدعم هو مصلحة وطنية عليا لـ"إسرائيل"، فهي تتمتع بصداقة الطرفين.

البيت الأبيض ووزارة الخارجية  

مما لا شك فيه، أن التخبط الذي حدث لدى الحزب الديموقراطي ومرشحه أوباما كان سببه الانتخابات ليس إلا... وأنه لولا مواقف رومني وضغوطه، لما وقع أوباما في ازدواجية المواقف. فالمراقب لتصاريح أوباما منذ تسلمه سدة الرئاسة ولغاية الفترة الأخيرة يدرك تمسك الإدارة بعدم حسم مصير القدس.

فالناطق باسم البيت الأبيض جوش أرنست، نقل عن أوباما رأيه في أن مصير القدس يجب أن يحدد من خلال مفاوضات الحل النهائي التي سيجريها الطرفان. وفي البيان الصادر عن وزارة الخارجية في مارس/ آذار الماضي، كان هناك فصل واضح بين كياني تل أبيب والقدس. أما بالنسبة إلى نقل السفارة الأميركية إلى القدس، فقد نقلت مجلة تايم   Timeفي عدد 7 أيلول الماضي أن أوباما تابع سنّة سابقيه، كلينتون وبوش، بتوقيعه قرارات تأجيل هذا النقل الذي يجدد كل ستة أشهر.

واللافت أيضاً، أنه حتى الطفل الأميركي الذي يولد في القدس تختلف المحاكم الأميركية على تصنيف البلد الذي ولد فيه... إن كان "إسرائيل" أو لا.

دور أيباك

يكشف بيتر باينهارت على موقع The   Daily  Beast أن من صاغ الجزء الخاص بالسياسة الخارجية في البرنامج الانتخابي للحزب الديموقراطي هو البروفيسور كولن كال الذي أراد التركيز على إنجازات أوباما بدلاً من التركيز على ما يسعى إلى إنجازه... وبذلك ستلمّع صورة أوباما بشكل كبير. لذا، نرى أن البرنامج قد شدد على مساعدة الولايات المتحدة لتحقيق أمن "إسرائيل"وهمّش موضوع الموقف الأميركي من عملية السلام وتجاهل مواضيع محددة مثل الحدود المستقبلية للدولة الفلسطينية ومصير اللاجئين. وفي السياق نفسه، حُذفت العبارات المتعلقة بالقدس.

من الجدير بالذكر أنه عندما راجعت لجنة الصياغة التي تضم يهوداً من كافة المؤسسات، ومن ضمنها أيباك، صياغة كال في آب الماضي، لم تُضَف أي عبارة متعلقة بالقدس، وما عُدِّل هو الصياغات المتعلقة بإيران. وهذا ما نفته أيباك ويؤكده في المقابل سياق الأحداث.

ويتابع باينهارت قائلاً إن التحليلات تفيد بأنّ "أيباك"غضت النظر عن موضوع القدس في مقابل ما يرضيها في موضوعي عملية السلام وإيران. فقد كانت الأولوية للصياغة التي تشير إلى "استعمال جميع وسائل الأمن القومي لمنع إيران من الحصول على الأسلحة النووية"؛ إذ يبدو أن نهج أيباك العملي الذي يريد خفض الاحتكاك مع من هو موجود في سدة الرئاسة قد دفعها إلى اتخاذ المواقف المذكورة... وبذلك تحافظ على نفوذها في واشنطن. لكن في المقابل، يبدو أن ضغط داعمي "أيباك" الأكثر يمينية مثل المنظمة الصهيونية الأميركية قد اضطر "أيباك" إلى التراجع والمطالبة بإعادة العبارات المتعلقة بالقدس.

وهكذا أصبح مصير القدس كرةً في ملعب السياسة الأميركية...أين الناخب الأميركي من أصل عربي أو إسلامي، وأين اللوبي العربي والإسلامي؟ أين آلة الإعلام العربية والإسلامية التي تجيّر لقضايا، فيما هي غافلة أو تتغافل عن قضايا أخرى؟ أين أموال النفط لتفعل فعلها في ملعب اللوبيات والضغوط السياسية؟ أين ورقة المصالح الأميركية في منطقة الشرق الأوسط، وإلى متى تنتظر من يلعبها؟ يبدو أننا بتنا بحاجة إلى ربيع عربي في صحرائنا حتى نفرض إرادتنا وإعادة ما سلب منا. ربيع ينقل صناعة قرار القدس وفلسطين من مطبخ السياسي الأميركي إلى أصحاب الحق الذين سُلِبت إرادتهم منذ أكثر من ستين عاماً... فمتى يأتي هذا الربيع؟ ♦