مجلة العودة

مخطط برافر.. دلالة التوقيت ورسالة المكان

مخطط برافر.. دلالة التوقيت ورسالة المكان

ماهر شاويش
 

في غمرة اللهاث الرسمي الفلسطيني من أجل العودة إلى مفاوضات عبثية، وفي ظل الغياب العربي والإسلامي على المستويين الرسمي والشعبي؛ ينتهز قادة العدو الصهيوني الفرصة مجدداً، ويُخرجون من جعبتهم خطة توسعية إضافية في أرض فلسطين. إنها خطة جاهزة ومعدّة مسبقاً، تقضي بالاستيلاء على عشرات آلاف الدونمات من الأراضي التي يسكنها مواطنون عرب فلسطينيون من مئات السنين في منطقة النقب المحتلة منذ سنة 1948 .

فبعد أن أخفقت كافة الإجراءات التعسفية الصهيونية التي اتخذها الاحتلالمنذ منشئه،لدفع أهالي صحراء النقب إلى ترك أرضهم، ولمّا سقطت كل المحاولات الراميةلثنيهم عنالتشبّث بهذه الأرض؛ جاء الإعلان عن هذا المخطط القاضي باستيلاء الصهاينة على850 ألف دونم من الأراضي وتهجير أكثر من 80 ألف نسمة من سكانها، وتدمير نحو40 قرية عربية. يجري ذلك تحت ذريعة إعادة تنظيم وضع القرى وإقامة تجمعات سكنية جديدة، ما يعني تقليص مساحة الأرض التي يقيم عليها الفلسطينيون من 2 في المائة من مساحة النقب إلى 1 في المائة فقط، ليصبح 99 في المائة من أراضي النقب مكرّسةلمشاريع صهيونية استيطانية، وقواعد عسكرية، وغيرها من المنشآت الحيوية بالنسبة إلى كيان الاحتلال.

وإذا كان محسوماً أنّالمرمى الصهيوني الأول من المخطط هو تهويد أراضي الفلسطينيين في النقب وحصرهم في مساحة ضيقة معزولة ومحاطة بالمستوطنات والقواعد العسكرية؛ فإنّ ثمة أهدافاً أخرى تكمن في تثبيت الحكومة الصهيونية قانونها الاحتلالي، وجعله القاعدة في التعامل مع الفلسطينيين، وبالتالي إسقاط حقوقهم الوطنية وصفة الاحتلال عن أرضهم، فضلاً عن تمهيد الطريق لخطوات وإجراءات مماثلة ضد العرب الفلسطينيين في باقي مناطق الداخل المحتل.

إنها الحملة الصهيونية الجارفة ضد فلسطينيي 48، الذين ظلوا في أرضهم ورفضوا الرحيل عنها، رغم كل أساليب الإرهاب والقمع وسياسات التمييز العنصري المتبعة بحقهم.وبهذا فإنّ مخطط برافر إنما هو مخطط فائقالخطورة يستهدف وضع مشروع تصفية الوجود العربي الفلسطيني في الأراضي المحتلة سنة 1948 موضع التنفيذ، كي تصبح أراضٍ مقتصرة على الوجود الصهيوني فقط، تمهيداً لإعلان الدولة اليهودية العنصرية.

يتساوق هذا كلّه مع طرح رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، ونتائج جولة كيري في المنطقة التي أفضت إلى معاودة المفاوضات لتكون يهودية الدولة شرطاً من شروط المفاوضات مع السلطة الفلسطينية، بما يفضي إليه ذلك من إنهاء الحق الفلسطيني بالكامل في فلسطين، وتكريسها للصهاينة، وشطب حق العودة.

في المقابل؛يبدو الواقع الفلسطيني اليوم في أسوأ حال، فالي جانب التخلِّي، أو الابتعاد العربي عن فلسطين؛ لا تزال السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير غارقتين في وهم المراهنة على المفاوضات مع العدوّ، وتخضعان للضغط الأميركي كي تعودا إلى الطاولة بالشروط الصهيونية، مقابل الحصول على مساعدات اقتصادية ومالية.أمّا ما يحصل في الداخل المحتل سنة1948 فلا يعني الرسمية الفلسطينية؛ لأنهما ببساطة تعدّه شأناً صهيونياً داخلياً بعد اعترافها بدولة الاحتلالوتخليها عن الأراضي الواقعة خلف الخط الأخضر. ويبدو أنّ هذه الرسمية الفلسطينية ماضية في طريقها للتخلي عن حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة، وكذلك القبول ببقاء المستوطنات الكبرى في القدس والضفة الغربية، وفق قاعدة تبادل الأراضي.

يتضح كم أنّ الرد على مخطط برافر كان في أدنى مستوياته شعبياً ورسمياً، ما يُنذر بخطورة تسريع خطوات تطبيقه وإنجاز كافة مراحله وترك فلسطينيي 48 يواجهون مصيرهم وحدهم، وبذلك تشرَّع الأبواب أمام تهجيرهم ليتباكى الجميع في ما بعد على واقع شاركوا في تكريسه بقصد أو بغير قصد.