مجلة العودة

مقاومة.. مصالحة.. مفاوضات

 مقاومة.. مصالحة.. مفاوضات
 ماهر شاويش
 

قد تلخص هذه المصطلحات الثلاثة المشهد الفلسطيني في هذا الوقت، باعتبار أنها تشكل كلمات مفتاحية لأي حدث وحديث، فتتعثر خطى المصالحة بسبب المقاومة والمفاوضات اللتين تكونان كلمة السر لدى كل من "فتح" و"حماس"، حيث تستند الأولى إلى المفاوضات، وتعتمد الثانية على المقاومة، ويدور في فلك كل منهما بقية الفصائل الفلسطينية، فيصطف فريق هنا وآخر هناك وتتوالى جولات المصالحة دون أن تصل مبتغاها، فلا تنفك "حماس" عن أصل نشأتها ومنطلق تكوينها، ولا تنعتق "فتح" من حلقة مفرغة أدخلت نفسها فيها على مدار عشرين عاماً. وحده الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات ينتظر بفارغ الصبر، مرتقباً دخاناً أبيض لم تنفثه بعد ردهات الفنادق المصرية: تعطيل فتأجيل، تسجيل وترتيب لقوائم انتخابية لطالما كانت سبباً للمماطلة وفسحة لممارسة المزيد من التنسيق الأمني وحملات الاعتقال لكوادر وأنصار المقاومة بشقيها: المسلحة والشعبية؛ فلا هذه معفاة، ولا تلك مسكوت عنها. حياة المفاوضات سئمها عرابوها، فأضحت نكتة سمجة تطل برأسها كلما اقترب الفلسطينيون من إتمام وحدتهم المنشودة، فتفسد الأجواء وتعيد الكل الفلسطيني إلى المربع الأول، المربع الذي يحلو للساسة الأميركان اللعب فيه على إيقاع تحركات موفديهم ووزرائهم الحالمون الطامحون إلى بناء أمجاد على حساب قضايا أمتنا خدمة لأصدقائهم من قادة العدو. قد لا يطول صبر الشعب الفلسطيني عموماً، ولاجئيه خصوصاً؛ فالربيع الفلسطيني قادم لا محالة، ولن تكون فلسطين بعيدة عن جوارها العربي، ولن يكون شعبنا استثناءً في هذه المرحلة، وهو الذي كان على الدوام مؤثراً ومتأثراً، ومثلث المشهد الفلسطيني الذي قاعدته المصالحة والمفاوضات، مما لاشك فيه ستكون المقاومة رأس هرمه، وسيمثل الشعب الفلسطيني قلبه، هذا الشعب الذي انتفض مرات عدة وسينتفض عندما تصل مفاوضات المصالحة إلى طريق مسدود، فتكون انتفاضة على كل أشكال القهر والاستئثار والتهميش والتغييب القسري. ملامح هذه الانتفاضة ترسم في مخيمات الضفة، وتشهدها قراها تحت عناوين متعددة انتصاراً لثوابت الشعب الفلسطيني وحقوقه العادلة كالقدس والأسرى واللاجئين. يجري ذلك كله وسط تقصير الفصائل في تبني مشاكل الجماهير وهمومها، دون رؤية واضحة للنهوض الوطني والوقوف وقفة مسؤولة وشجاعة أمام المشاكل والهموم التي يعيشها الشارع الفلسطيني .فضلاً عن التحديات الكبيرة التي يواجهها الشعب الفلسطيني، بدءاً من تعطيل جهود إنهاء الانقسام في الساحة الفلسطينية، مروراً بالاستيطان، فضلاً عن كافة التفاصيل الحياتية التي يمرّ بها الشعب الفلسطيني ليأخذ الجميع نصيبه في تحمل المسؤولية الوطنية. من نافلة القول أن هناك جهات لها مصلحة في تعطيل المصالحة، لكن قطاع المؤيدين لها أكبر بكثير، وهو ما يحتاج إلى تنظيم إرادة هذا القطاع وتحويله إلى قوة ضاغطة لتحقيق المصالحة واستعادة الوحدة الوطنية، ومن يعتقد أنه يحقق مكاسب من الانقسام فهو واهم، وسيكتشف لاحقاً أنه الخاسر الأكبر. إن الظروف التي تعيشها الساحة الفلسطينية، على كافة الصعد، تحتاج إلى وقفة لتقويم أدوات عملنا وبرامجنا في المرحلة السابقة وتطويرها بما يتلاءم وتحديات المرحلة المقبلة. حتى اللحظة، نعتقد أن صانع القرار الفلسطيني يرقب المشهد، لكنه يراه بعدسة مقعرة، وبالتالي فإنه لا يلتفت إلى حجم طموح هذا الشعب ومطالبه الحقيقية، فتتوالى المشاهد أمامه وتتكرر الصور يوماً بعد يوم وعاماً بعد عام دون شعور منه بما قد يقع انعكاساً لهذه الرؤية الخاطئة والمشوهة للواقع.