مجلة العودة

تحت الخيمة استحقاقات التواكل .. وموسم اللافتات

استحقاقات التواكل .. وموسم اللافتات

حسام شاكر

 
 

كلّ ما يحتاجه الشعب الفلسطيني هذه الأيّام، أن يجلس بهدوء، ليتابع ما يأتي به الخريف، فالدولة الموعودة محمولة له من بعيد. إنّه الانطباع الذي يتشكّل من مجمل أداء الرسمية الفلسطينية. سيُؤْتَى بالدولة، محمولةً على عاتق الأمم المتحدة. فالاستقلال وظيفة المجتمع الدولي، وليس على الفلسطينيين سوى التزام الهدوء؛ قبل ذلك وبعده.

يُطلَب من الشعب أن يستكين، ولا حرج من اجترار مقولات جوفاء عن "المقاومة الشعبية" على أمل ألاّ تتعدّى مسيراتٍ أسبوعية في قرى صغيرة معدودة. فالمشروع مُصمّم ليتنزّل على شعب مُحاصَر باستحقاق الرواتب ومهدّد بقطع الأرزاق مطلع كلّ شهر، بعد أن تضخّم الاستيعاب في الوظيفة العمومية، وأُغرق الإعلام بإنجازات تعبيد الطرق التي لا تُوْصِل إلى معابر حرّة، مع التغنِّي بتحديث المؤسّسات التي تعمل في الفناء الخلفي لمشروع الاحتلال.

وفي خلاصة المشهد أنّ "المشروع الوطني" بات يُرسَم بثنائية تسكين الشعب والاعتمادية على آخرين. فلعلّ هذه هي فحوى المشروع، الذي قوامه التواكل على أطراف أخرى مع الانغماس في الاعتمادية على الأُعطيات والامتيازات بكلّ ما يتلبّسها من استحقاقات التكيّف وشروط الإذعان. ألم يكن التعويل في سالف الأيّام على الرّاعي الأمريكي، على أمل أن تُقدّم "دولة" ما على طبق التسوية المذهّب.

يطوف الرسميون الفلسطينيون العالم تحت عنوان "حشد التأييد لإعلان دولة"، ويُكتَفى في الساحة الداخلية بتسويق شعارات مهترئة؛ عن الاستقلال والدولة ومؤسّساتها، بلا مداولات فعلية. يقترب "استحقاق أيلول"، وتبدأ اللافتات بالصعود، دون توضيح الموقف والمغزى للشعب الذي حمل قضيّته من القرن الماضي. لا نقاش في العمق الفلسطيني بشأن الوجهة التي تُساق القضية إليها، أو ما تعنيه الخطوات المُنتَظرة بالنسبة للملفّات الكبرى؛ كالحقّ التاريخي والعودة والقدس، وجلاء الاحتلال ومستوطناته، وقضايا المعابر والمعتقلين، ومقاومة الشعب وأمنه وحمايته، ومطلب الاستقلال عن اقتصاد الاحتلال وآلته، وغير ذلك. فهل يعني "الاستحقاق" تكليسَ الوضع الراهن مع شيء من التحسينات الشكلية؛ أم الانقلاب عليه وتغيير قواعد اللعبة وفي أيِّ اتجاه بالتالي؟!.

هناك ما يلفت الأنظار حقاً في موسم اللافتات الجديدة، بما يمنح الانطباع عن نموذج الاستقلال الآتي. فقد راق لبعضهم مثلاً اسمٌ من قبيل "جامعة الاستقلال". وفي هذه الحالة ما يفضح اختلالَ العلاقة بين الدالّ والمدلول في الحقبة الفلسطينية الراهنة. فقلعة التأهيل على الوكالة الأمنية عن الاحتلال التي شُيِّدت في أريحا الهادئة، تكتسي حللَ السيادة الموهومة، وما على شعب الانتفاضات سوى غضّ الطرف عن دروس التنسيق مع الأجهزة الإسرائيلية، التي اقتضت إدماج العبرية في مقرّراتها.

وفي إعلام الدولة الوشيكة، كثير من الإسفاف الذي يهبط بصناعة الثقافة إلى دركات الحضيض، ليتحوّل "الوطن" إلى معزوفة "على وتر"، تسخر من الشعب وتحقِّر نضالاته. يجري هذا العبث وأكثر منه ضمن عباءة "المشروع الوطني"، حيث يُرهَن الشعب الفلسطيني لاستحقاقات مُجحِفة تصادر خياراته وتسدّ نوافذ الأمل.

هكذا تتراكم في هذا الموسم دواعي الاستدراك والتقاط الفرصة التاريخية لتصحيح المسار، فمن يفعل؟!.