مجلة العودة
خيمة اعتصام
حسام شاكر

http://www.alawda-mag.net/assets/issue57/p_7.jpgخاض الأسرى معركتهم في الظلمات، فكشفوا ملابسات واقع فلسطيني يتفاعل تحت الشمس.
خيام الاعتصام أُقيمت في كلِّ مكان. بياناتٌ تدفّقت في شتى الاتجاهات. إنها قضية الأسرى وهي تسفر عن ساحة فلسطينية بحاجة إلى عناوين توحِّدها وبرامج تشغلها، وتكشف أيضاً عن فجوات هائلة بين الشعار والأداء.
خاض الأسرى معركتهم، فانكبّ المشهد الفصائلي العريض على تحرير البلاغات والتقاط الصور في خيام الاعتصام. شُغل المجتمع المدني الفلسطيني، بمنظّماته الوافرة، بتدوير المواقف اللفظية ذاتها، وإطلاق المناشدات المتكرِّرة، من دون نحت أدوات فعالة من الضغط، أو صنع انتفاضة يستحقّها الأسرى.
كانت الأمعاء الخاوية مؤهلةً لصناعة حدث كبير. كانت إيذاناً بثورة فلسطينية لا تستأذن أحداً. فقد خاض الأسرى المعركةَ بأمعائهم، اندفعوا إلى شفير الهلاك، ثمّ فرضوا مطالبهم. جاء اضطرارهم إلى خيارهم العسير برهاناً جديداً على أنّ الساحة الفلسطينية أسيرة حقاً، عالقة بفصائلها وراياتها مع حال العجز، مكبّلة بوهم ألقابها الرسمية وتشريفات الدولة الموعودة التي تعجز عن الانتصار للآلاف من أبنائها وبناتها.
جميلٌ أن تُنصَب خيام الاعتصام لتجسيد وحدة الحال مع أولئك الأحرار. جميل أن تتحوّل هذه الخيام إلى وجهة الجماهير وموئل النخب. جميل أيضاً أن ينجح الأسرى في انتزاع مطالبهم العادلة فيكتبوا فصلاً جديداً من فصول الحركة الفلسطينية الأسيرة.
كان جميلاً أن تُنصَب خيام الاعتصام لإطلاق الفعل الفلسطيني الجارف، لا أن تكون مقبرةً لهذا الفعل، ومحطة أخيرة له. منطقيّ أن تنصرف مطالب الأسرى لتحسين الظروف الاعتقالية، لكن يبقى على الساحة العريضة أن تنهض بقائمة أوسع من المطالب لا تستثني تحرير أولئك الأسرى وتغيير المعادلة برمّتها.
هي ساحة فلسطينية تعجز عن النهوض بالمسؤوليات المتكاملة، ولا تُتقن توزيعَ الأدوار. فقد كان التفاعل عريضاً بحقّ، لكنه بدا مضطرباً ومرتبكاً. هكذا أنهى الأسرى فصل الأمعاء الخاوية بعد إبرام الاتفاق المشرِّف، فتفككت خيام الاعتصام سريعاً، وتوارت فعاليات التضامن قبل نَضجها، وسكن الحراك خارج السجون.
انفضّ الموسم حتى إضراب آخر، وأُسدل الستار على حراك الجماهير في اللحظة التي وجب عليه فيها أن يتأجّج للضغط على الاحتلال. هل يحتاج أحد إلى أسابيع أخرى من اندفاع الأحرار إلى شفير هلاكهم لإرغام العالم على فتح عينيه والتصرّف إزاء ما يجري في سجون القهر؟!.
مفارقات عدّة حملها المشهد. فالرسمية الفلسطينية أطلقت تصريحات تمجِّد صمود الأسرى، من دون أن توظِّف أوراقها في الضغط على الاحتلال. أجهزةٌ واظبت على مهامِّها بإخلاص، فواصلت إعادة الجنود المحتلِّين إلى ثُكَنهم آمنين، إذا ما ضلّوا طريقهم في عُمق الضفة. إنها الرُّتب والألقاب الفلسطينية التي لا تحتمل ضريبة شاليط آخر. وقد خاض الأسرى إضرابات الجوع مخاطرين بحياتهم، من دون أن يخاطر أرباب التنسيق الأمني بالكفّ عن خدماتهم أو التلويح بتعليقها. وقد نكتشف أنّ انتفاضة الأسرى هي المحذور الذي خشيه مَن كرّسوا جهودهم سنين عدة لخنق حراك الشعب الفلسطيني، وترويض كبريائه وكسر إرادته.
في معركة الأمعاء الخاوية دروس عدّة وإشارات وافرة إلى المأزق الفلسطيني الراهن، ويبقى أنّها تجربة لها ما بعدها؛ فالتاريخ لم ينته بَعد.