مجلة العودة

تحقيق: مخيم عسكر الجديد.. اسم بلا معنى

مخيم عسكر الجديد.. اسم بلا معنى
 

قيس أبو سمرة - وليد زيدان/ الضفة

ظلام دامس، نسير في ضوء القمر، طرقات مدمرة ونفايات في كل مكان، وحياة لم تعد تسعدنا أبداً.

من قلب مخيم عسكر الجديد، يطلق أبو محمد هذه الكلمات الحزينة، وقد ارتسمت على وجهه تجاعيد السنين المحملة معاناة وهموماً وأحزاناً، فثلاث وستون عاماً تفصله عن لحظة فراقه «يازور»، قريته الصغيرة الواقعة في قضاء يافا، لتنتهي به الأيام إلى بقالة صغيرة على باب مخيم عسكر الجديد.

يقول أبو محمد بكل عفوية: «زمن الأردن أحسن من هذه الأيام، كان في شغل، وكنا نذهب ونسافر إلى الخارج بكل راحة، لكن الآن ها نحن هنا في محل صغير نبيع الذباب».

وتطرق الحاج أبو محمد إلى النظافة في المخيم والمأساة التي يعيشها أهل المخيم بسبب عدم وصول خدمات البلدية إلى المخيم، إذ إن الوضع لا يحتمل، فالنفايات ملقاة على الأرض، أضواء إنارة الشوارع لا تعمل في الليل، شوارع لا يصلح أن تسمى كذلك بسبب الحفر والنتوءات الموجودة فيها.

وأضاف: «والله يا عمي لا نرى أي شيء بعد غروب الشمس، لأن البلدية لا تصلح اللمبات الموجودة في الشارع»! وأشار أبو محمد إلى وجود مركز خدمات أسسه أبناء المخيم يقوم بإزالة النفايات ويُجري الإصلاحات اللازمة في معظم الأحيان، ولولا وجود هذا المركز لكان المخيم كتلة من النفايات. كذلك يدير هذا المركز أمور الصحة ويقدم بعض التسهيلات لخدمة أبناء المخيم حسب قدرته وطاقته.

فمن إنجازات هذا المركز، على سبيل المثال، إقامة بيت عام لاستقبال الغرباء ولمناسبات الأفراح والأتراح، ويستطيع الاستفادة من هذا البيت كل أبناء المخيم عند الحاجة.

أما المواصلات التي تؤدي من المخيم وإليه، فمشكلتها تكمن في ارتفاع تسعيرة سيارات العمومي، التي بلغت خمسة شواكل في الذهاب والإياب إلى مدينة نابلس على الشخص الواحد، وهي باستمرار في ارتفاع، ما يزيد صعوبة الوضع على سكان المخيم.

وتحدث أبو محمد عن وكالة تشغيل اللاجئين الأونروا فقال: «هو ضَل وكالة غوث هذه الأيام أصلاً!! كانت تقدم لنا بعض المساعدات من قبل وأصبحت تتضاءل إلى أن انقطعت بشكل كامل».

أما أيمن زلابية مدير مركز الخدمات في المخيم، فحدثنا عن المركز الذي يقوم بكل ما يستطيع توفيره ضمن نطاق قدراته وطاقته لإراحة أهالي المخيم وخدمتهم وتخفيف المعاناة التي يواجهونها يومياً، حيث يقوم المركز يومياً بإزالة النفايات وصيانة أنابيب المياه والكهرباء وإعادة تشغيل ما عطب منه، يقول:« نحن نسعى جاهدين إلى تغطية جميع حاجات المخيم من خدمات، لكن ليس لدينا كامل الإمكانات المادية والبشرية، فوكالة تشغيل اللاجئين توفر لنا بعض المادة، لكنها لا تغطي جميع الاحتياجات».

ويضيف قائلاً:« أما بالنسبة إلى العيادات والصحة الطبية، فهناك مراكز توفرها وكالة تشغيل اللاجئين لأهالي المخيم للعلاج مجاناً، لكنها تعالج وتغطي فقط الحالات والعلاجات الأساسية، أما الحالات الصعبة والمعقدة فتُحوّل إلى مستشفيات المدينة».

أدهم العكه (25 عاماً) وهو من سكان مخيم عسكر الجديد، متخرج باختصاص هندسة الديكور من جامعة النجاح ما زال يعاني من عدم الحصول على عمل أو وظيفة، فقال: «لا أشغال، ولا يوجد مؤسسات لتشغيلنا، وننتظر رحمة الله».

ويضيف أدهم: «لا يوجد من يدير حاجات الشباب في المخيم، حتى التعليم بعد عناء طويل بُنيت أول مدرسة في المخيم لتستقبل طلابها الذكور للفوج الأول في 2010. أما الإناث فقد تم لهن ذلك قبل ذلك بعام، والمدرستان تابعتان لوكالة الغوث التي تدير شؤونهما، وقد افتتحت عدة مراكز ثقافية لتطوير المخيم وتأهيله، منها مركز التطوير المجتمعي الذي يُساهم في نشاطات لا منهجية تشحذ عقول الأطفال وتساعدهم على بناء شخصياتهم وتطوير مهاراتهم. أيضاً هناك مركز تأهيل المعوَقين الذي يهتم بالأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، وهو ممول من وكالة الغوث. أخيراً، هناك جمعية السفير التي افتتحت حديثاً وتهتم بالأطفال من خلال النشاطات والرحلات، ومن ضمن برامجها إعطاؤهم الأدوات في اللغات والأنشطة الرياضة والدبكات الشعبية والغناء، وهذه الجمعية مدعومة من مؤسسات أجنبية، وخاصة المؤسسات الأوروبية».

أما عن الحالة الاقتصادية في المخيم فيقول: «يوجد محال تجارية وسوق بسيط جداً يوفر احتياجات أهل المخيم من لحوم وخضار، وفيه فرن لصناعة الخبز، أما باقي احتياجات المخيم فهي تكون عادة من خارج المخيم».

ويضيف العكه أنه لا رقابة حكومية على البضائع الموجودة في الأسواق داخل المخيم، مما يمكـّـن الباعة من الغش والتلاعب بلا حسيب أو رقيب وخاصة عندما يتعلق الأمر بالأطفال الصغار.

سندس طفلة في العاشرة من العمر تقول بعد أن سألناها: «لا يوجد ملاهي ولا ألعاب ولا متنزهات، فقط نلعب في الملعب والسهل التابع للمدرسة، فنتعلم بها صباحاً ونلهو بها مساءً».

محمود أبو عبية (21 عاما) طالب في جامعة النجاح ومن سكان مخيم عسكر الجديد تحدث بدوره عن بلدية نابلس وانتقد سلوك البلدية المتمثل بإخلاء مسؤوليتها عن المخيم من حيث توفير الآلات والإمكانات وعمال النظافة وصيانة الأعطال داخل المخيم، فمركز الخدمات من جهة أخرى لا يستطيع أن يوفر كل هذه الأمور لأنها فوق طاقته.

وفي حديثه عن البناء والمعيشة قال: «لا تراخيص للبناء، ومسموح لنا بالبناء فقط في مدى المخيم الذي لا يتعدى الكيلومتر المربع، كذلك لا يسمح لنا ببناء أكثر من طابقين، لذلك تجد أن معظم المباني متلاصقة ومتراصة ما يمنع دخول أشعة الشمس إلى داخل هذه المنازل».

وأشار محمد إلى المشكلة الديموغرافية، حيث تتزايد أعداد سكان المخيم سنوياً بما لا يتناسب مع قدرة المخيم على الاستيعاب بسبب عدم السماح بالبناء والتوسع، وهي مشكلة ستكبر وستزداد في الأيام المقبلة.

يذكر أن مخيم عسكر الجديد بُني منذ 30 عاماً، وسبب بنائه هو عدم قدرة مخيم عسكر القديم على استيعاب الزيادة السكانية الطبيعية. ويبلغ عدد سكان مخيم عسكر الجديد 7000 نسمة، في مساحة كيلومتر مربع واحد، وهو يقع شرق مدينة نابلس ويبعد نحو 100 متر عن مخيم عسكر القديم.