مجلة العودة

تحليل : قراءة في خطاب محمود عباس أمام الأمم المتحدة

قراءة في خطاب محمود عباس أمام الأمم المتحدة

لم يذكر قضية عودة اللاجئين مطلقاً
رافت مرة /بيروت
 
 
 قد يكون عنوان هذا المقال مفاجئاً أو مستفزاً، وقد يرى البعض أن هذا المقال ظالم ويتجنى على "سيادة الرئيس" محمود عباس، أو هو من ضمن حملة الافتراءات التي يطلقها معارضو سياسة السلطة الفلسطينية.

وقد يتطرف البعض ويتهم كاتب المقال بالجهل والتخلف وعدم الوعي، أو بأنه "مندسّ" ولديه "أجندة خارجية".

مهما تكن الاتهامات، فإننا أمام نص واضح وكلمة أُلقيت على الهواء مباشرة، ونحن نناقش بالدليل ولا نلقي الاتهامات جزافاً، ونقول بكل وضوح إن محمود عباس في خطابه الذي ألقاه في الأمم المتحدة بتاريخ 2011/9/23 من أجل إقناع الأعضاء بالتصويت لإعلان الدولة الفلسطينية لم يأت فيه ذكر عودة اللاجئين الفلسطينيين مطلقاً، لا بأي شكل ولا بأي نص.قضية اللاجئين

 من يرد التأكد، فعليه أن يراجع النص.

في الخطاب، ذكر أبو مازن قضية اللاجئين ثلاث مرات فقط، وجاءت في سياقات ضعيفة، ولم تكن متلازمة مع طبيعة قضية اللاجئين وحقهم الثابت ومعاناتهم الإنسانية.

وجاء ذكر قضية اللاجئين في المرات الثلاث كالآتي:

حين اعتبر أن الأمم المتحدة كمؤسسة دولية اهتمت بقضية اللاجئين الفلسطينيين، وجاء ما نصه:

لقد ارتبطت القضية الفلسطينية بالأمم المتحدة من خلال القرارات التي اتخذتها هيئاتها ووكالاتها المختلفة، ومن خلال الدور الجوهري والمقدر لوكالة غوث اللاجئيين أونروا التي تجسد المسؤولية الدولية تجاه محنة اللاجئين الفلسطينيين، ضحايا النكبة التي وقعت عام 1948.

حين عبّر عن أهداف الشعب الفلسطيني، فرأى أن هدف الشعب الفلسطيني يتمثل في حل عادل لقضية اللاجئين، وقال ما نصه:

إن هدف الشعب الفلسطيني يتمثل في إحقاق حقوقه الوطنية الثابتة في إقامة دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية فوق جميع أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة التي احتلتها إسرائيل في حرب حزيران1967، وفقاً لقرارات الشرعية الدولية والتوصل إلى حل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين وفق القرار 194 كما نصت عليه مبادرة السلام العربية التي قدمت رؤية الإجماع العربي والإسلامي لأسس إنهاء الصراع العربي ــ الإسرائيلي وتحقيق السلام الشامل والعادل الذي نتمسك به ونعمل لتحقيقه. إن إنجاز هذا السلام المنشود يتطلب أيضاً الإفراج عن أسرى الحرية والمعتقلين السياسين الفلسطينيين في السجون الأسرائيلية كافة ومن دون إبطاء.

حين خاطب الجمعية العامة بأسلوب عاطفي لمنحنا دولة، فتحدث عن انتهاء معاناة  ملايين اللاجئين ومحنتهم،وقال ما نصه:

"السيد الرئيس، السيدات والسادة، جئتكم اليوم من الأرض المقدسة، أرض فلسطين، أرض الرسالات السماوية، مسرى النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) ومهد سيدنا المسيح عليه السلام، لأتحدث باسم أبناء الشعب الفلسطيني في الوطن وفي الشتات، لأقول بعد 63 عاماً من عذابات النكبة المستمرة: كفى.. كفى.. كفى.

آن الأوان لأن ينال الشعب الفلسطيني حريته واستقلاله، حان الوقت لأن تنتهي معاناة ومحنة ملايين اللاجئين الفلسطينيين في الوطن والشتات، وأن ينتهي تشريدهم وأن ينالوا حقوقهم، ومنهم من أجبر على اللجوء أكثر من مرة في أماكن مختلفة من العالم. وفي وقت تؤكد فيه الشعوب العربية سعيها إلى الديموقراطية في ما عرف بالربيع العربي،  دقت أيضاً ساعة الربيع الفلسطيني، ساعة الاستقلال".

إذاً، إن محمود عباس لم يتحدث مطلقاً عن حق الشعب الفلسطيني وحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم، وهو لم يأتِ مطلقاً على ذكر مصطلح العودة. وهذا التغييب مقصود ولم يأت من فراغ، فمحمود عباس أراد من خلال كلمته ما يأتي:

التركيز فقط على قضية الدولة، وعلى إعلان دولة فلسطينية من طرف الأمم المتحدة.

استدرار عطف الدول الأعضاء للموافقة على إعلان دولة.

تغييب قضية عودة اللاجئين حتى لا يسبب إثارة الإسرائيليين والأميركيين، وحتى لا يعتبر مهدداً لأمن إسرائيل أو لشرعيتها، وهو ما حاول الابتعاد عنه، ونفاه نفياً مطلقاً في الخطاب.

الابتعاد عن إثارة قضايا جدلية خلافية؛ فهو لم يتحدث صراحة عن إزالة الاستيطان ولا عن السيادة الفعلية، ولا عن التواصل بين الضفة وغزة في ظل الدولة المتوقعة، ولا عن كامل التراب المحتل عام 1967.

الفقرات الأسوأ

وإذ أصنف خطاب أبو مازن بأنه الأسوأ من بين كل خطاباته، وخاصة لجهة المكان والزمان، فإن ذكر محمود عباس مجموعة من العبارات والمواقف تظهر ماذا يريد وإلى أين يتجه وإلى ماذا يستند.

وهنا أهم الملاحظات:

إن محمود عباس اختصر فلسطين بالأرض المحتلة عام 1967، وتجاهل باقي الأراضي. وقال ما حرفيته:

لكن، لأننا نؤمن بالسلام، ولأننا نحرص على التواؤم مع الشرعية الدولية، ولأننا امتلكنا الشجاعة لاتخاذ القرار الصعب من أجل شعبنا، وفي ظل غياب العدل المطلق، فقد اعتمدنا طريق العدل النسبي، العدل الممكن والقادر على تصحيح جانب من الظلم التاريخي الفادح الذي ارتكب بحق شعبنا، فصدّقنا على إقامة دولة فلسطين فوق 22% فقط من أراضي فلسطين التاريخية، أي فوق كامل الأراضي التي احتلتها إسرائيل في عام 1967.

إن محمود عباس ينظر إلى الفلسطينيين في المناطق المحتلة عام 1948 على أنهم مواطنو دولة إسرائيل، وهذا يتجاهل الحق والتاريخ وأساس الصراع، وهو قال بالنص:

"وأضيف هنا أننا بتنا نواجه بشروط جديدة لم يسبق أن طرحت علينا سابقاً، شروط كفيلة بتحويل الصراع المحتدم في منطقتنا الملتهبة إلى صراع ديني وإلى تهديد مستقبل مليون ونصف مليون فلسطيني من مواطني إسرائيل، وهو أمر نرفضه بالقطع ويستحيل أن نقبل الإنسياق إليه".

فهو لا يعدّهم مجتمعاً فلسطينياً يقع تحت الاحتلال ويتعرضون لظلمه وقهره، واضطروا إلى حمل الجنسية الإسرائيلية لأنهم تحت الاحتلال فقط، وهم يتمسكون بهويتهم الفلسطينية ويدافعون عن وجودهم.

إن محمود عباس "شقلب" الأولويات الفلسطينية، وجعل "عاليها سافلها"؛ فهو لا يرى أن المشكلة الأساسية هي  الاحتلال، ولا الأولوية هي للتحرير، بل يرى أن الأولوية كانت ولا تزال للدولة الفلسطينية، وقال بالنص:

السيد الرئيس... إن جوهر الأزمة في منطقتنا بالغ البساطة والوضوح... وهو: إما أن هناك من يعتقد أننا شعب فائض عن الحاجة في الشرق الأوسط، وإما أن هناك في الحقيقية دولة ناقصة ينبغي المسارعة إلى إقامتها.

والأسوأ من ذلك، أن محمود عباس يتمسك "بجميع الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل"، وهو يؤكد تمسكه "بالمقاومة السلمية"، و"لا نستهدف بتحركاتنا عزل إسرائيل أو نزع شرعيتها".

وهو يرى أن دور منظمة التحرير الفلسطينية البقاء حتى" إنهاء الصراع من جوانبه كافة وحل جميع قضايا المرحلة النهائية".خلاصة القول، أن محمود عباس لم يلق خطاباً وطنياً فلسطينياً، ولم يلق خطاباً جامعاً متفقاً عليه، بل ألقى خطابه وخطاب زمرة خارجة عن الإجماع الفلسطيني ارتبطت بالاحتلال وتآلفت مصالحها مع المفاوضات، وهو خطاب يقدم تنازلات ولا يحصل على أي مكتسبات، فهو خطاب فاشل من الفكر والأيديولوجيا والمصالح والحسابات.