مجلة العودة

دولة فلسطينية بصفة مراقب:قراءة سياسية في ظروفها وانعكاسها

دولة فلسطينية بصفة مراقب
قراءة سياسية في ظروفها وانعكاسها
على قضية اللاجئين الفلسطينيين وحق العودة


رافت مرة - بيروت

ليست خطوة ذهاب السلطة الفلسطينية بشخص رئيسها محمود عباس إلى الأمم المتحدة مرّتين للحصول على دولة فلسطينية خطوة عادية تمرّ مرور الكرام، أو حدثاً سياسياً طبيعياً بعد كل الذي جرى ويجري في فلسطين والمنطقة والعالم.فمحمود عباس ذهب مرّتين إلى الأمم المتحدة: العام الماضي ذهب لمجلس الأمن، وطلب الحصول على دولة كاملة العضوية. يومها وقفت الولايات المتحدة ضده، أقنعت عدداً من أعضاء مجلس الأمن بعدم التصويت، لم يحصل الاقتراح إلا على ثمانية أصوات من أصل خمسة عشر، كان يلزم صوت واحد إضافي لترى دولة فلسطين النور من مجلس الأمن.

شعر محمود عباس بنوع من الغضب والخيانة، لطالما استمع هو إلى "أوامر" الولايات المتحدة أو إلى "نصائحها"، ولما جاء وقت ردّ الدّين وقفت واشنطن إلى جانب تل أبيب، وتركت محمود عباس في وضع صعب، على المستويات السياسية والشعبية.

كان محمود عباس يرجع مكسور الخاطر من نيويورك، ونتنياهو يرفض وقف الاستيطان أو عودة المفاوضات، ولا أحد في العالم يجبر نتنياهو على التقدم خطوة واحدة باتجاه محمود عباس.

كانت حماس، الخصم الفلسطيني لمحمود عباس، تنجز صفقة "وفاء الأحرار"، وتطلق بالقوة سراح 1050 معتقلاً فلسطينياً من سجون الاحتلال، ويخرج القائد القسّامي أحمد الجعبري مثل الأسد ممسكاً بذراع جلعاد شاليط، ويسلمه للوسطاء في القاهرة.

كانت حماس تتقدم سياسياً وشعبياً بلغة القوة، وتدخل كل بيت فلسطيني، وكان عباس يخسر سياسياً وشعبياً.

المنطقة تتغير لمصلحة الإسلاميين أنصار حركة حماس وأتباع النهج المقاوم، في مصر وتونس وليبيا، والمعادلة الإقليمية تسير عكس الولايات المتحدة واستراتيجيتها.

طريق مسدود

وقف محمود عباس أمام طريق مسدود:

1- الحكومة الإسرائيلية ترفض العودة إلى المفاوضات أو وقف الاستيطان، أو اتخاذ إجراءات ميدانية تصبّ في مصلحة محمود عباس وسلطته، والكيان الصهيوني يتصلب ويتجه نحو اليمين المتطرف، والانتخابات القادمة ستحمل وصول قوى يمينية إلى الحكم، وهذا يعني أن التسوية تحولت إلى سراب ولا يستطيع محمود عباس الانتظار أربع سنوات.

2- الولايات المتحدة تقف إلى جانب "إسرائيل"، والإدارة الأميركية لا تريد إجبار نتنياهو في الموضوع الفلسطيني على اتخاذ قرارات بالإكراه. يكفي أن علاقتهما تأزمت بسبب إيران والانتخابات، لذلك يريد أوباما النأي بنفسه عن نتنياهو في الموضوع الفلسطيني.

3- الأوضاع الإقليمية تتأزم، ثورات عربية، واضطرابات وعدم استقرار، والقضية الفلسطينية لم تعد تحظى بالاهتمام، والعالم مشغول بملفات حساسة مثل سوريا وإيران والأزمات الاقتصادية.

4- وضع السلطة الفلسطينية يتراجع، الضفة الغربية شهدت احتجاجات ضد حكومة سلام فياض، الأزمة الاقتصادية تتفاقم، الحكومة الفلسطينية في الضفة عاجزة مالياً، التمويل يتراجع، حماس بدأت تتنفس في الضفة، المرتبات تتأخر دائماً، قضية نبش رفات عرفات هزّت السلطة، الأردن غير مستقر سياسياً واجتماعياً، وهو رئة الضفة.

هنا وجد عباس نفسه أمام خيارين: إما المضي إلى الأمم المتحدة للحصول على دولة، ولو بصفة مراقب، وإما الانتحار السياسي.

مصالح سياسية

آثر محمود عباس الخيار الأول، أي الحصول على دولة فلسطينية بصفة مراقب في الأمم المتحدة، واستند عباس إلى الآتي:

1- هناك تأييد شعبي فلسطيني لهذا الأمر، وهذا التوجه يحظى بدعم شعبي فلسطيني، سواء عن علم ومعرفة، أو عن عاطفة.

2- أبو مازن بحاجة ماسة إلى نصر سياسي أو معنوي يقدمه للفلسطينيين بعد سلسلة الهزائم والخيبات المتكررة؛ فشعبية السلطة تتراجع.

3- هناك دعم دولي لمطلب إعلان الدولة، وفلسطين تحصل عادة على أصوات مرتفعة في الأمم المتحدة.

4- المناخ العالمي يتجه نحو الحرية والديموقراطية وقرارات الشعوب، وكثير من الدول ستجد نفسها محرجة أمام دعم ثورات شعوب ضد حكامها، بينما ترفض دعم مطالب عادلة لشعوب تحت الاحتلال.

5- أوضاع "إسرائيل" أمام العالم سيئة، فشل سياسة نتنياهو وليبرمان، ارتفاع مستوى الإرهاب والقتل وتحدي العالم والقانون الدولي، تراجع مستوى العلاقات الدولية، مساوئ صورة نتنياهو وليبرمان أمام العالم، عجز الحكومة الإسرائيلية عن اتخاذ خطوات فاعلة نحو التسوية.

6- أبو مازن مضطر إلى التسابق مع حماس سياسياً وشعبياً؛ فحماس تتقدم وتثبت أن خيار المقاومة ناجح ومستمر والأفق المستقبلي إلى مصلحته.

أرباح سياسية

إذاً، بتصويت 138 دولة إلى جانب فلسطين، ورفض 9، وامتناع 41، أصبحت فلسطين الدولة الـ 194 في العالم، وحقق التصويت مكاسب سياسية للفلسطينيين، من أهمها اعتراف العالم وإعادة إظهار القضية وإحراج الكيان الصهيوني، وتزامن الانتصار الديبلوماسي في الأمم المتحدة مع الانتصار المقاوم في قطاع غزة، وخسارة الاحتلال لهذا العدوان بصورة مذلّة.

لكن هناك خطوات ينبغي القيام بها من أجل حماية الإنجاز الديبلوماسي في الأمم المتحدة، أهمها:

1- الاستمرار في التقدم إلى كل المؤسسات الدولية والهيئات العالمية لضمان مصالح الفلسطينيين والدفاع عن حقوقهم وحمايتها.

2- مواجهة الكيان الصهيوني وإرهابه وظلمه واعتداءاته على الفلسطينيين أمام المنظمات الدولية، وخاصة المجازر والاعتداءات على المدنيين، والاستيطان وتهويد القدس، والاعتداء على المقدسات.

3- إنجاز المصالحة الفلسطينية، والاتفاق على إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية وتفعيلها، بما يضمن تطوير عمل المؤسسات الفلسطينية وتحديثها، وإدخال الديموقراطية لها، ووضع آلية لاتخاذ القرار الفلسطيني، والاتفاق على برنامج سياسي فلسطيني مشترك، يضمن حماية المقاومة، وحق العودة، ومواجهة التهديدات الإسرائيلية، والمحافظة على الثوابت الفلسطينية، وحسن تمثيل الفلسطينيين في الداخل والخارج، ضمن قاعدة وحدانية القضية والشعب والأرض.

4- بعد إعلان الدولة الفلسطينية بصفة مراقب، ومع التطورات السياسية الفلسطينية والإسرائيلية والإقليمية، لا بد من الاتفاق على استراتيجية فلسطينية، تأخذ في الاعتبار كل القواعد التي ذكرناها سابقاً، وتكون هي البرنامج السياسي لكل الفلسطينيين.

مصير اللاجئين

بعد إعلان دولة فلسطينية في الأمم المتحدة، بدأت بعض الجهات تثير المخاوف على قضية اللاجئين الفلسطينيين، وبدأت الأصوات المشككة بالخطوة، التي هي على خصومة مع حركة حماس، في إثارة قضية اللاجئين منطلقة من أن التصويت على الدولة قضى على حق العودة. واستندت هذه المواقف إلى تصريحات محمود عباس الأخيرة، التي أعلن رفضه للعودة إلى بلدته صفد.

وهنا لا بد من الإشارة إلى أن إعلان دولة فلسطينية ليس نهاية المطاف الفلسطيني، فالفلسطينيون يتمسكون بكل أرضهم، ومساحتها 27027 كيلومتراً مربعاً، ويتمسكون بحقهم في العودة إلى المنازل التي هُجِّروا منها.

ومن ثَمّ، فإن كل الاحتمالات التي يمكن أن تصدر عن الدولة هي احتمالات مرفوضة من الفلسطينيين.

وهذه الاحتمالات هي: التوطين في دول اللجوء، حمل جوازات سفر الدولة الفلسطينية والتحول إلى رعايا، إسقاط حق العودة في اتفاقات سياسية.

فإسقاط حق العودة يلزمه تغيير في القوانين الدولية، وقرارات الأمم المتحدة، وهذا غير وارد.

ويلزمه أيضاً اتفاق تسوية جديد في المنطقة يشكّل حلاً لكل القضايا العالقة مثل الأرض والمستوطنات والقدس والمياه، وهذا شبه مستحيل اليوم في ظل الأزمات العالمية.

ويلزمه قبول الدول المستضيفة للاجئين مثل لبنان وسوريا والأردن، وهي دول لا يمكنها أن تقبل بالتوطين.

ويلزمه أيضاً موافقة القوى السياسية الفلسطينية، وهذا مستحيل.

ويلزمه قبول اللاجئين أنفسهم، وهذا لن يحصل.

لذلك، أمام كل هذه التعقيدات، لا يستطيع اليوم محمود عباس تحت أي عنوان أن يأخذ قراراً يتعلق بمصير اللاجئين الفلسطينيين؛ لأن الواقع تغير.

يستطيع أن يصرّح وأن يقول ما يشاء، لكنه عاجز والظروف ليست لمصلحته، والفلسطينيون متمسكون بالعودة إلى ديارهم، وهي اليوم أقرب بعد إنجازات المقاومة والانتصار في غزة وهزيمة الكيان.♦