مجلة العودة

تفاصيل صغيرة: أطفال في مخيم الوحدات: المدارس ساحات اللعب - عمر وهبه

أطفال في مخيم الوحدات: المدارس ساحات اللعب
 

تشارف الشمس على الغروب. أصوات الصبية تملأ شارع المدارس وسط مخيم الوحدات. تقترب من باب المدرسة فتجده مفتوحاً، مع أن الدوام المسائي انتهى قبل ساعات. وعندما تدخل، لا يوقفك حارس أو رجل أمن، أساساً لا أحد أمام بوابات المدارس. فـ«لا فائدة من إغلاق الأبواب لأننا نتسلق سور المدرسة ومن ثم نقفز إلى الداخل»، يقول أحد الصبية الذي رافقنا. وما إن تلج قدمك حتى ترى الصبية والشباب ينتشرون في ساحات المدرسة وملاعبها، وجميعهم يلعبون رياضة واحدة، هي كرة القدم. لا تكاد ترى مساحة فارغة من دون أن يستثمرها الأولاد باللعب.

تنتقل إلى المدارس المجاورة بسهولة، لأن المدارس كلها على رصيف واحد جنباً إلى جنب، فتدرك أن الظاهرة تتكرر ولا شيء مختلف. واللافت أن لا منظّم لهذه الفرق أو أوقات اللعب، مجرد أن تتفق مجموعة من الرفاق على التلاقي في ساعة معينة، ويختاروا بعدها الساحة التي سيلعبون عليها. يقول شاب عشريني كان يجهز وزملاءه أنفسهم للعب، «لا ملاعب مجانية قريبة، وإدارة المدرسة تسمح لنا باللعب، أما حارس المدرسة فيأتي في المساء ليغلق الأبواب». على المقاعد الأسمنتية في أطراف الملعب وزوايا المدرسة يتسكع آخرون لا يهوون كرة القدم، يأتون للمشاهدة أو للجلوس مع أصحابهم كمن يجلس في صالون أو حديقة عامة. ويمر عليهم بين وقت وآخر بائع الشاي بإبريق يحمله في يده، وتزين علبة الأكواب في يده الثانية أوراق النعنع لمن يريد الانتعاش عند ارتشاف الشاي.

تستأنس بالجلوس معهم لأن روح النكتة تلون أحاديثهم فتنسيك مأساتهم التي لا تفارق الفلسطيني أينما حلّ، ولأن مظاهر فقر تطبع على جدران عينيك حين تجول في زواريب المخيم قبل أن تصل إلى مباني الأونروا.

وبيدو أن الصبية لا يملّون من رؤية مدارسهم وقضاء الوقت فيها، لأنها لم تعد للتعليم فقط أو مكاناً يجبرهم على البقاء تحت سطوة الأستاذ وخلف أسواره لساعات متواصلة، لا.. الأمر مختلف في مخيم الوحدات، لأن الصبية يذهبون طواعية وللتسلية لا أكثر. حتى الآباء الذين يدفعون أبناءهم للذهاب إليها صباحاً، هم أنفسهم يجرون وراءهم لإعادتهم إلى المنزل مساءً.

تمثّل ساحات المدرسة فسحة لهو لأبناء المخيم المكتظ يفوق تعداد سكانه ـخمسين ألف نسمة، وفيه ثلاثة عشر مدرسة تابعة لوكالة الغوث «أونروا»، وهو أكبر المخيمات الفلسطينية في الأردن (يسمى مخيم عمان الجديد أيضاً). ومنه خرج فريق نادي الوحدات أحد أقوى الأندية على مستوى الأردن والغريم التقليدي لنادي الفيصلي.

وتتشابه شكاوى الطلاب في هذا المخيم مع طلاب مدارس الأونروا في المخيمات الفلسطينية في لبنان من حيث كثرة أعداد التلاميذ داخل الصف الواحد التي تتجاوز الـ40 طالب وأحياناً الـ50، وكذلك بالنسبة إلى التدني في المستوى التعليمي واعتماد الترفيع الآلي للنسبة كبيرة من الطلبة الراسبين في صفوفهم كما ذكر لنا الطالب أحمد (11 سنة)، والدوامين الصباحي والمسائي المملين، فساعات الدراسة لا تتعدى الأربع ساعات يومياً، ما يضطر إدارة المدرسة الى مدّ أيام الدراسة الى ستة أيام في الأسبوع والتعطيل يوم الجمعة فقط، لتعويض فرق الساعات.

من خلال الاحتكاك بالأجيال الصاعدة، تلتمس إدراكاً لدى الصغار بالحرمان من أماكن اللعب المجهزة مقارنة بأمثالهم من الأطفال، فيما الشباب يتذمرون من حاضر لا ينصفهم ويهربون من مستقبل لا يبشر بجديد.

عمر وهبــه