مجلة العودة

تفاصيل صغيرة: لاجئ يتحدى الجدار رغم عزل منزله - قيس أبو سمرة

لاجئ يتحدى الجدار رغم عزل منزله
 

قيس أبو سمرة/ الضفة الغربية

حوَّل اللاجئ هاني عامر منزله المحاط بجدار الفصل العنصري في محافظة سلفيت بشمال الضفة الغربية إلى حديقة تحوطها أسلاك شائكة وجدار أسمنتي.

وضع عامر طاولة وكراسي في حديقة منزله ويعيش حياة يتحدى بها الجدار العنصري.

يقول لمجلة العودة: «هم يعملون على التضييق علي لكي أرحل من البيت، ويقومون بضمه للمستوطنة القريبة، لكنني أتحداهم وأعيش حياة طبيعية، فهذه أرضي ولن أخرج منها.

في فناء البيت طفلتان تلهوان على أرجوحة، وورد جوري يحيط بهما ويعلو صوتهما ضحكاً، يقاطعه مرور آلية عسكرية تراقب الجدار».

تتجه إحداهما إلينا وتخاطبنا قائلة: «هذا البيت نعيش فيه منذ أن ولدنا على هذه الأرض، لن نقبل أن نخرج منه، ولا نريد سوى أن يزال هذا الجدار، وأن يعيدوا إلينا أرضنا التي سرقوها، ثم تكمل لهوها وكأن لا شيء لا يعنيها من هذه الحياة سوى أن تبقى مبتسمة.

ويخشى عامر أن تقوم قوات الاحتلال بطرده من البيت، فكل حياتهم معلقة به، ويقول: هنا ولد أبنائي وكبروا، ومنهم من تخرّج وكبر وأسست منزلاً خاصاً به، وأبنائي الآخرون يعيشون هنا في هذا البيت.

ويحيط بالبيت جدار الفصل العنصري من الجهة الشرقية، بينما تحيط مستوطنة وأسلاك معدنية بالبيت من باقي الاتجاهات. ويستطيع عامر أن يدخل إلى بيته من خلال بوابة صغيرة مراقبة بواسطة كاميرا إلكترونية على مدار الساعة.

تقول زوجة عامر إن بيتها اليوم أصبح بمثابة سجن حقيقي إذ تحيط بهم الجدران من كل الاتجاهات ولا يسمح لهم بترميم أجزاء من البيت أو بناء أجزاء أخرى له، بحجة أنه يقع ضمن خط الأمن الإسرائيلي.

وتضيف: حياتنا هنا شاهدة على العنصرية الصهيونية، نحن نعيش في عالم التطور والحضارة، إلا أن دولة الاحتلال جعلت من حياتنا سجناً لأسرة كاملة بحجة توفير الأمن للمستوطنات التي يعدّها القانون الدولي غير شرعية.

الزوجة دعت الرئيس الأمريكي إلى القيام بجولة إلى مسار الجدار العنصري والاطلاع على معاناة الشعب الفلسطيني والعنصرية الصهيونية على أرض الواقع.

من جانبه يتابع عامر فيقول: من هذا الباب الضيق يُسمح لنا بالدخول إلى البيت والخروج منه، ولا يسمح لنا بإدخال مركبة أو آلات خاصة، وكل تحركاتنا وحتى ضيوفنا تسجل إلكترونياً ودائماً يضايقوننا ويتحججون بأن هذا المكان لا يسمح بأن يتجمع به العرب خوفاً على أمن المستوطنة القريبة. وبيَّن عامر أنَّ زواره هم فقط أبناؤه وأحفاده.

ولا تبعد بيوت المستوطنين عن بيت عامر سوى أمتار قليلة يفصلها جدار سلكي، حيث يمكن أن يسمعم ويشاهدهم بكل وضوح.

معاناة الوصول لأرضه

ويعيش عامر رحلة معاناة يومية يشقها من قريته «مسحة» غرب محافظة سلفيت شمال الضفة الغربية للوصول إلى حقله وبيارة البرتقال التي تملكها عائلته.

المزارع عامر الذي يملك وخمسة من إخوانه أراضي مزروعة بالتفاح والبرتقال وأخرى مزروعة بالخضار وبئراً ارتوازياً ودفيئات زراعية على مساحة تقدر بسبعين دونماً، يشرح معاناته قائلاً: كنت أصل إلى مزرعتي خلال عشر دقائق، وبعد بناء الجدار الذي ضم المستوطنات (اتز فرايم) و(الكانا) و(شعرات تكفا)، يجب علي أن أشق طريقي الآن ماراً بأربع قرى!!

ويضيف «أضحت الطريق الطويلة توصلني إلى بديا وسنيريا وبيت أمين ومن ثم أدخل بتصريح زراعي إلى بلدة عزون عتمة الواقعة خلف الجدار العنصري ثم أصل إلى مزرعتي.
يصف عامر حياته بأنها أصبحت مسلسلاً من المعاناة اليومية التي لم تتوقف عند هذا الحد، حيث أقيم قبل نحو عام جدار آخر يفصل عزون عتمة عن الضفة، وباتت مزرعته خارج الجدار حيث يتوجب عليه إصدار تصريح خاص».

على مدخل الجدار بوابة واحدة عليها نقطة عسكرية تسمح لعامر وأشقائه الدخول إلى الحقل، بعد معاناة التدقيق في البطاقات الشخصية والأمتعة، وترفض سلطات الاحتلال منح عمال المزرعة تصاريح عمل حسب عامر ما يضطره للعمل مع زوجته وأبنائه الصغار.

كذلك تمنع قوات الاحتلال إدخال السولار الذي يحتاج إليه عامر لتشغيل بئر ارتوازية تزود بيارات ومزارع عدد من مزارعي «عزون عتمة» إلا بكمية محدودة وحسب مزاج الجنود هناك.
يعدّ عامر بقاءه في مزرعته جهاداً، فرغم خسارته المتكررة في الزراعة نتيجة منع إدخال السماد الكيماوي إلى المزرعة خشية استخدامه في أعمال أخرى، وتكدس المحاصيل لأيام بعد قطافها، ومنعها من الخروج إلى السوق، إلا أنه يصر على البقاء للحفاظ على أرضه لأنها برأيه «عرضي الذي لا يمكن أن أفرط به».

وهنا يشارك شقيقه زكريا في الحديث قائلاً: إن «السياسة الإسرائيلية ترمي إلى هجرة المزارع الفلسطيني لأرضه، لكي تصبح بوراً غير مأهولة لتسهيل الاستيلاء عليها».
ورغم ما تتكبده هذه العائلة الفلسطينية من مسلسل عذاب يومي، إلا أنها تصر على البقاء في أرضها وتثبيت حقها، رغم رفض المحكمة العليا الإسرائيلية الالتماس الذي قدمته العائلة وأهالي قرية «مسحة» ضد الجدار المقام على أراضيهم.