مجلة العودة

فاجعة عائلة الكوع في لندن تحكي مأساة اللجوء الفلسطيني

فاجعة عائلة الكوع في لندن تحكي مأساة اللجوء الفلسطيني


وائل خليل - لندن


من لجوء إلى لجوء، عاش هذا الرجل الفلسطيني الصابر المحتسب، إلى أن ساقه قدر الله سبحانه وتعالى، إلى العاصمة البريطانية لندن، بحثاً عن الاستقرار وحياة كريمة، بعد أن شرده وعائلته هذا الاحتلال المجرم، حاله حال ملايين الفلسطينيين المشردين في المنافي، بعيداً عن مكانهم الطبيعي، في أرضهم، فلسطين، وبين أهلهم وأحبتهم.إنه السيد بسام الكوع، الذي فُجع، كما فُجعنا جميعاً، بوفاة ستة من أفراد عائلته في حريق شبّ في منزله الكائن في غرب مدينة لندن، حيث نجا الأب بسام وابنته الكبرى نور، البالغ عمرها 16 سنة، التي أصيبت بحروق شديدة، فيما توفيت الأم، منى المفتش، وعمرها 41 سنة، وأبناؤها الخمسة: يحيى ومصطفى وآمال وبسمة وحنين.
القصة، بحسب ما أوردت بيانات شرطة العاصمة البريطانية، أن تماساً كهربائياً نتج من خلل في ثلاجة البيت المكون من طبقتين وأربع غرف، وقد يكون السبب في اندلاع الحريق، الذي امتد بسرعة كبيرة إلى غرف النوم الأربعة، حيث كان الجميع نياماً. وتقول المعلومات إن الحريق كان هائلاً وسريعاً، لدرجة أنه أتى على البيت كاملاً في وقت قصير، فيما قضى رجال الإطفاء نحو ساعتين للقضاء على النيران.
قبل وصول رجال الإطفاء، استطاعت البنت الكبرى القفز من نافذة الطبقة الثانية بعد إصابتها بحروق بالغة، فيما نُقل عن أحد الجيران أن الأب كان في حينه يحاول جاهداً فعل شيء لإنقاذ الموقف، من دون جدوى، إلى أن شاهده الناس هو وابنته، فوضعوهما في سيارة إسعاف ونقلوهما إلى مشفى قريب.
لم تغب عن الأب المكلوم واجبات الدين الحنيف، فطلب ممن حوله، أن يسرعوا في مراسم دفن العائلة، عملاً بالقول: إن إكرام الميت دفنه. في المقبرة الإسلامية في لندن، كان الموعد مع وداع الأبناء.
بدا السيد الكوع متماسكاً، رغم الحروق العميقة التي كانت ظاهرة على وجهه ويده المضمدة. الشجاعة التي كانت بادية على رب العائلة ليست جديدة على هذا الرجل الصابر المرابط؛ فقد روي عن مقربين منه أن الرجل عصامي، مجتهد، متدين، جاء إلى لندن بجيوب فارغة، وبنى نفسه، وربى أطفاله تربية إسلامية صالحة، وكان مثالاً للأب الحنون الرائع.
ودّع الأب زوجته وأبناءه، راضياً بقضاء الله، وشاكراً إياه، على ما أصابه من محنة، ولسان حاله يردد قول الله تعالى: "والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون". رب هذه العائلة، وحاله حال العائلات الفلسطينية التي قدمت الشهداء في غزة كعائلة ريان، وعائلة أبو سلمية، وعائلة السموني، في زمن كله ضراء وبأس، ولجوء وتشرد، يضرب مثالاً في الصبر والاحتساب، مستظلاً في معية الله وممسكاً بحبله المتين الذي لا ينقطع.
ودّع الأب عائلته، وشاركه جمع غفير من أبناء الجالية الفلسطينية، العربية والإسلامية، معزين ومؤازرين بالمصاب الجلل، بكى الكثير من الحاضرين، بيما ظل هو متماسكاً، مظهراً رباطة جأش ليس لها مثيل في هذا الموقف العصيب. بكى الكثير حزناً وتأثراً على هذه العائلة، متضرعين إلى الله تعالى أن يرحمهم وأن يسكنهم واسع الجنان.
قدّر الله تعالى أن توارى الجثامين الطاهرة لأفراد هذه العائلة المنكوبة في المقبرة الإسلامية بلندن، بعيداً عن تراب الوطن، المكان الطبيعي الذي كان ينبغي أن يعيشوا عليه، ويوارون في ثراه، وكأنها لم تكفها نكبة اللجوء الأولى والتشرد من بلد إلى بلد. رحم الله الشهداء، وأسكنهم فسيح جناته، وألهم "بسام" و"نور" الصبر وحسن العزاء. وإنا لله وإنا إليه راجعون.♦