مجلة العودة

كشافة جنين... الدور والواجب

كشافة جنين... الدور والواجب


العودة - دمشق


استكمالاً للنضال الفلسطيني بتاريخه الطويل، وتكاملاً مع كل مكونات الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات، كانت كشافة جنين بذرة في حقل الخيرات الفلسطيني، ووردة في بستان الربيع الفلسطيني، وثمرة من ثمرات الأرض المباركة. نسلط الضوء في هذه العجالة على كشافة جنين في سورية ودورها في الأزمة التي تعصف بالبلاد منذ أكثر من عامين، راجين من الله تعالى أن يحقن دماء المسلمين، وأن يعيد سورية إلى وضعها الطبيعي والحقيقي.
أولاً: دور الكشاف في خدمة المجتمع وتنميته:
لم يكن الغرض والهدف من ظهور الحركة الكشفية وانتشارها الكبير هو شغل وقت فراغ الفتية والشباب وتوفير فرص الترفيه والتسلية لهم، بل كان الهدف الأساسي لظهور الحركة الكشفية هو تطوير المجتمع إلى الأفضل، وذلك بخدمته أولاً، ثم بتنميته بالتعاون مع أبناء المجتمع أنفسهم.
وبما أن الجهود الحكومية لم تعد كافية لخدمة المجتمع وتنميته، وخاصة مع تركيز الحكومات على المدن ومراكز المدن وابتعادها عن الأرياف والأحياء الشعبية، كان لا بد من قيام منظمات غير حكومية ترعى جانب خدمة المجتمع وتنميته، ولا سيما في المجتمعات الفقيرة، ومنها الحركة الكشفية التي امتدت شعابها إلى كل بقاع العالم، ومنها فلسطين التي نحتفل بذكرى مرور مئة عام على انطلاق الحركة الكشفية فيها.
ثانياً: كشافة جنين في سطور:
انطلقت كشافة جنين في سورية بتاريخ 8/1/2007م في مخيم اليرموك بدمشق، بمجموعة كشفية تعدادها 120 كشافاً وثلاثة قادة، وسرعان ماعظم شأنها لتمتد إلى كل المخيمات الفلسطينية في سورية بتعداد 850 كشافاً وأكثر من 70 قائداً كشفياً من مختلف المستويات التدريبية. وتميزت كشافة جنين بمئات الأنشطة النوعية على مدار السنوات الست الفائتة على المستويين المحلي والإقليمي وفي المجالات الكشفية والعلمية والتربوية والتدريبية، وأهمها الوطنية والخدمية، منطلقةً في كل ذلك من قوله تعالى: {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون}، ومن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "أنفعكم أنفعكم لعياله، وأنا أنفعكم لعيالي"، وعملاً بالوعد الكشفي (أعد أن أقوم بواجبي نحو الله ثم الوطن وأن أساعد الناس وأن أعمل بقانون الكشاف)، معاهدين الله وشعبنا أن نبقى على عهدنا ووعدنا.
ثالثاً: كشافة جنين منذ بدء الأزمة السورية:
منذ تأسيس كشافة جنين، كان دأبنا العمل على خدمة الناس في كل الظروف، حيث تركزت أعمالنا في الجوانب الكشفية والعلمية والتدريبية والوطنية والتعليمية والخدمية. لكن مع بدء الأحداث وتحول حال الناس واهتماماتهم من الجوانب التنموية إلى الجوانب الأساسية في توفير المطعم والمسكن وأعمال الإغاثة عموماً، كان لا بد لنا من تحويل اهتمامنا إلى هذا الجانب، عملاً بصلب رؤيتنا؛ حيث مع تصاعد الأحداث في البلاد، وحيادية المخيمات الفلسطينية والنأي بنفسها عن المواقف المتباينة للطرفين التي تحولت إلى نزاع مسلح في ما بعد، أصبحت المخيمات ا?فلسطينية مأوى لعشرات الآلاف من النازحين من إخواننا السوريين ومن مختلف المدن والمناطق السورية، حيث وفد إلى مخيم اليرموك وحده أكثر من ثمانين ألف نازح من الفلسطينيين والسوريين من المناطق المجاورة، هذا بالإضافة إلى لجوء عشرات آلاف النازحين إلى مخيمات سبينة وخان الشيح وخان دنون والنيرب وحندرات وحمص والحسينية وغيرها.
إزاء هذا الضغط البشري الكبير، بادرت المجموعات الكشفية التابعة لكشافة جنين في بعض المخيمات إلى أخذ زمام المبادرة والتوجه للمساعدة في ثلاثة مجالات أساسية، وذلك بتعاون وتنسيق كبير مع هيئة فلسطين الخيرية (مراكز الإيواء – الإسعاف – الإغاثة – الخدمة العامة).
• جانب الإغاثة: شكلت كشافة جنين فرق مداومة في مراكز الإيواء الرسمية، حيث تقدم خدمات عديدة في هذه المراكز، وهي:
• فتح المراكز: وهي بمعظمها مدارس تابعة لوكالة الغوث الدولية ورياض أطفال، وتجهيز هذه المراكز باحتياجاتها من الفرش وأدوات الطعام والأمور الشخصية ودورات المياه والمستودعات والبوابات والإنارة وغيرها من أساسيات المراكز.
• استقبال النازحين: نتيجة الأحداث الدامية التي كان يلاقيها الناس في مناطقهم؛ فقد نزحوا عنها بحالة يرثى لها. فقد رأينا أناساً هاربين بلباسهم فقط، منهم مَن كان معه بعض المتاع القليل، ومنهم مَن أصابته الجراح، ومنهم مَن خرج دون أبيه أو أمه أو دون أولاده، ونسي بعضهم أوراقهم الثبوتية، والكثير من الحالات التي تُدمع العين والقلب، حيث نقوم بتوزيع الضيوف على الغرف الصفية للمدرسة، وذلك حسب العائلات وعدد الأفراد والأعمار والحالات الصحية، ثم تنظيم كشوف الأسماء المفصلة لتوصيل احتياجات الناس حسب حاجاتهم الفعلية، وحسب أعم?رهم وأجناسهم وأمراضهم...
• البنية التحتية:
• الإدارة: شُكِّلت غرفة لكل مركز إيواء لرعاية قضايا المركز (التبرعات – الاستقبال...).
• المستوصف: لم يتسنّ لنا عمل مستوصف لكل مركز، بل كان مستوصف لعدد من المراكز، ودُعِّم كل مركز بصيدلية بسيطة مع عدد من الأطباء الذين يقومون بجولات ميدانية على المراكز لمعالجة الحالات المرضية أولاً بأول.
• المطبخ المركزي: قامت بعض الهيئات الخيرية بعمل مطابخ مركزية، وكنّا نأخذ الطعام منها وتوزيعه على مراكز الإيواء.
• البوابة الرئيسية: جرى ترتيب البوابة الرئيسية للمركز ومناوبات على مدار أربع وعشرين ساعة لمنع الاختراقات والمشاكل والتطفل على المراكز.
• الدعم النفسي: أُنشئت فرق للدعم النفسي تجول على مراكز الإيواء، وذلك بالتعاون مع نادي جنين الرياضي وتقديم البرامج الرياضية والترفيهية والمسابقات وعروض الأفلام والوثائقية وبرامج الأطفال وحفلات السمر وتشجيع المواهب وحلقات الرسم والتلوين وغير ذلك تخفيفاً على المصاب الكبير الذي ألمّ بالناس.
• جانب الإسعاف: تعرضت المخيمات الفلسطينية لنار الأحداث الدامية في البلاد، حيث سقطت مئات القذائف على المخيمات الفلسطينية، ولا سيما مخيمات اليرموك وسبينة ودرعا والحسينية، وسقط مئات الضحايا من الفلسطينيين جراء هذه القذائف والاشتباكات، وعملت الهيئات ومستشفيات المخيمات على تشكيل طواقم الإسعاف لمعالجة هذه المشكلة، وقامت كشافة جنين بالتعاون مع هيئة فلسطين الخيرية في معظم المخيمات الفلسطينية بخدمة الإسعاف في المخيمات؛ حيث قدمت الهيئة سيارات الإسعاف والصيدليات وحقائب الإسعاف والستر الواقية ولباس المسعفين.
• كشافة جنين قامت من جانبها، وبمساعدة كوادر المتطوعين التابعين للهيئة، بتشغيل هذه الإمكانات والمناوبة على سيارات الإسعاف عند نقاط التماس ومكان سقوط القذائف، حيث تميزت بالوصول إلى مكان الحدث بسرعة قصوى، ونقل المصابين إلى المستشفيات، رغم المخاطر الكبيرة التي تعرضنا لها، وقدمنا في ذلك جرحى ومصابين.
• جانب الإغاثة: ضمن مشروع التوأمة مع هيئة فلسطين الخيرية، وزعت الهيئة أكثر من 20000 ألف سلة غذائية ـ حتى الآن ـ على أبناء المخيمات الفلسطينية في سورية، وذلك بعد الزيادة الكبيرة في عدد العاطلين من العمل والمهجرين والمنكوبين بسرقة بيوتهم ومحالّهم أو تدميرها؛ حيث عملت مجموعات كشافة جنين في عدد من المخيمات على تعبئة السلة الغذائية وتجهيزها، وذلك وفق سلسلة من الإجراءات تبدأ بتسلّم مواد السلة وعناصرها في مستودعات الهيئة أو مقارّ الكشاف، ثم يقوم الأفراد بفرز المواد وتقسيمها إلى مجموعات حسب حجم السلة وتحصيص مواد ا?سكر والرز والبرغل والعدس وغيرها، ثم جمعها في حصة واحدة وتخزينها ثم توزيعها إما من طريق الكشافين، أو تعاد إلى مستودعات الهيئة لتوزيعها حسب الأصول.
كذلك قامت المجموعات بالتعاون مع هيئة فلسطين الخيرية بمشروع إفطار الصائم للمهجرين الذين شردوا في أماكن لا يستطيعون من خلالها الحصول على طعامهم، فجرى الوصول إليهم، ولا سيما في المساجد، وقُدِّمت وجبات الفطور والسحور لهم.
• جانب الخدمة العامة: تمّ في هذا المجال عمل العديد من المشاريع بالتعاون مع هيئات ومجموعات كشفية أخرى، من أهمها:
• مشروع النظافة العامة: على مدار الأشهر الماضية نُظِّمت عدد من حملات النظافة في شوارع المخيمات الفلسطينية في سورية بسبب تراخي الجهات الحكومية في أداء واجباتها، وحصل من خلالها تعاون كبير مع كل مؤسسات المجتمع المدني.
• مشروع الأكفان: بسبب قطع العديد من الطرق وازدحام الطرق بسبب عشرات الحواجز وخشية بعض الناس التنقل بين المناطق، أصبح من الصعوبة على بعض الناس توفير الكفن الشرعي لموتاهم وشهدائهم، فاشترينا بالتعاون مع هيئة فلسطين الخيرية أثواب القماش وقمنا بقصّها وتجهيز الكفن الشرعي مع الصابونة والليف والقطن.
• مشروع تنظيف المساجد: قامت بعض المجموعات الكشفية التابعة لكشافة جنين بخدمة المساجد، ولا سيما في مخيمي سبينة ومخيم اليرموك، وذلك بتنظيفها والتركيز على تنظيف دورات المياه، حرصاً على تأدية الصلوات باطمئنان.
رابعاً: تضحيات كشافة جنين في الأزمة:
إن الحرب في سورية، بعد مرور عامين على انطلاقها، لم تترك بشراً أو حجراً أو شجراً من جحيمها، وإن أفراد كشافة جنين وقادتها، وبما أنهم مندمجون مع مجتمعهم، نالهم ما نال الناس من قتل وجرح وتدمير واعتقال وتهجير، كذلك لم تسلم مقارّ كشافة جنين من القصف والتخريب.
وحقيقة، إن أشدّ ما آلمنا هو استشهاد أحد قادة كشافة جنين، وأحد مدربي الروبوت المتميزين فيها الذي كان له فضل كبير بعد الله على العمل العلمي. ومن أهم التضحيات، ونتحفظ على ذكر الأسماء:
• استشهاد مدرب الروبوت في مجموعة جنين الكشفية بعد الاعتقال والتعذيب.
 • جرح أحد قادة كشافة جنين أثناء تأديته واجب الإسعاف في مخيم اليرموك.
• جرح أحد قادة المجموعات في قصف منزله بمخيم الحسينية.
• استشهاد والد أحد القادة بقصف على منزله بمخيم الحسينية.
• جرح أحد القادة ومن مدربي الروبوت في قصف استهدف ملعب لكرة القدم كانوا فيه، وقنص واستشهاد شقيقه وعمه.
• استشهاد شقيق أحد القادة في إحدى المجموعات قنصاً بدمشق.
• اعتقال والد أحد القادة وأعمامه منذ فترة، وما زالوا حتى الآن مجهولي المصير.
 • تهجير 80% من القادة الكشفيين من منازلهم في المخيمات إلى مناطق أخرى بسبب الاضطرابات، واضطر بعضهم للسفر خارج البلاد.
• أضرار مادية كبيرة لحقت بالمقرّ الرئيسي لكشافة جنين في مخيم اليرموك، بسبب قصف المنطقة.
• احتلال المخيم الكشفي الدائم لكشافة جنين في ريف دمشق لأكثر من سنة ونهبه بالكامل، وتخريب مرافقه. وقُدِّرَت قيمة المسروقات بأكثر من 20 ألف دولار.
• سرقة باص 30 راكباً حديث تابع لكشافة جنين من أحد المقارّ في ريف دمشق.
خامساً : مستقبل كشافة جنين :
إن من يعيش في سورية اليوم لايمكنه التنبؤ فيما سيحصل بعد ساعة بسبب احتدام المعارك والحرب والمشكلات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والخدمية , وبسبب الشلل الكبير في البلاد , وما تحتاجه البلاد لسنين طويلة لإعادة الإعمار وإصلاح ماأفسدته الحرب على كافة الأصعدة  .
وإن مايزيد ضبابية مستقبل كشافة جنين عدة أمور ومنها :
•سفر عدد من القادة من كشافة جنين وتهجير معظمهم  .
•إعادة تشكيل التركيبة السكانية للمخيمات بعد انتهاء الحرب .
• فقدان البنية التحتية لكشافة جنين والتي عكفت على بناءها أكثر من ثماني سنوات .
• التحديات الأمنية والاجتماعية والاقتصادية للقادة والأفراد .
• والأهم من ذلك كله ضبابية الوجود الفلسطيني في سورية بعد انتهاء الحرب , وعدم القدرة على التكهن بطبيعة هذا الوجود فيما بعد .
سادساً : خاتمة :
إن الانطلاقة الكبيرة لكشافة جنين منذ ست سنوات , وعطاءاتها المتميزة على مر السنوات السابقة , والقدرات الكشفية والشخصية العظيمة لقادتها , وعظم أهدافنا وسمو هممنا , تدفعنا لنقدم المزيد في البناء وخدمة المجتمع وفي كل الظروف إن شاء الله , ونسأل الله عز وجل أن يمكن لنا حاليا ومستقبلاً حتى نكون من منارات فلسطين حتى العودة والتحرير ,
ونستمر على وعدنا الذي قطعناه أن نقوم بواجبنا نحو الله ثم الوطن وأن نساعد الناس وأن نعمل بقانون الكشاف .♦