مجلة العودة

مسرحيات تدعو إلى التشبث بحق اللاجئ

مسرحيات تدعو إلى التشبث بحق اللاجئ
وتطالب العرب بأن ينفضوا الخوف وينتصروا لفلسطين
حين تحلّق أحلام العودة على خشبة مسرح!!

تامر الصمادي/ عمّان

«العودة» حلم ما زال يراود مخيلة اللاجئ الفلسطيني منذ 60 عاماً، حلم يداعب مخيّلات الصغار قبل الكبار، حلم جميل يطير باللاجئ من الشتات والمنافي على بساط الريح إلى القدس ونابلس الخليل وطولكرم، حلم «لم ولن تستطيع أي قوة على وجه الأرض أن تمنع الحفاظ عليه وتوريثه مع تقادم الزمن» كما يؤكد الفلسطيني «المقهور» في الشتات.

تتنوع الأساليب والوسائل التي تنادي لتثبيت حلم «العودة» وحقه المقدس، ومن بين هذه الأساليب خشبة المسرح. ففي العاصمة عمّان على سبيل المثال، تعرض العديد من المسرحيات التي تؤصل لحق العودة وتجذر له، وذلك من خلال أعمال فنية مميزة تذكّر بالماضي وتطالب الجميع بأن يبقى متمسكاً بحق العودة مهما طال الزمن.

هذه الأعمال تشهد إقبالاً منقطع النظير من العائلات الفلسطينية التي لجأت إلى الأردن منذ نكبة عام 48، كما يبدو لافتاً حضور العائلات الأردنية التي ترى في العودة حلماً لكل مسلم، وأن المسجد الأقصى المبارك أولى القبلتين وثالث المسجدين الشريفين.

فرق فنية فلسطينية تشدّ الرحال من القدس الشريف إلى الأردن بغية تقديم أعمالها الفنية للاجئ الفلسطيني، في محاولة منها لغرس قيم العودة في أفئدة وعقول أبناء المخيمات.

الألم في حياة اللاجئ..

من بين عروض «العودة» المسرحية، حكاية «الأيام الأليمة في حياة أبو حليمة».. ومنها: «رجعت مع أول فوج.. بُست الأرض.. بكيت.. حسون ابن خالتي استأبلني وحكالي إنت في فلسطين.. أنا مسطول من الفرحة.. اشتأت لكل شيء.. شفت حمار.. كان نفسي أعبطه وأبوسه.. جنود بيحكوا عبراني.. حاملين بواريد.. حسيت حالي مشلّح وهمه يفتشوني.. اطلعت.. بيوت حلوة على الجبل.. هاي مستوطنات..!!).. ثم صرخ الممثل إسماعيل الدباغ: «يالله يا فلسطين.. ما أبعدك وأنا فيك!».

هذا المشهد عرض في مونودراما «الأيام الأليمة» لفرقة مسرح «الرواة» المقدسي.. والذي جاء إلى الأردن ليقدم عروضاً مسرحية تحكي المأساة، وتدعوا إلى التشبث بالماضي والحفاظ على أرض الآباء والأجداد.

ومن الطريف في الأمر أن الإسباني «جاكوب آمو» هو من أخرج المسرحية في أجواء عاش فيها الوجع الفلسطيني، مما ساعده على تجاوز صعوبة التواصل اللغوي بينه وبين أعضاء الفرقة.

نجوان درويش.. رئيس تحرير «رؤى جانبية» المقدسية.. هو كاتب سيناريو العمل الذي مزج بين المونولوج والديالوج.

ويتحدث أبو حليمة في عمله المسرحي عن واقع الطفولة المريرة التي عاشها كلاجئ فلسطيني في المخيم منذ نكبة 48، كان «الفقر لعبته.. والجوع كساؤه.. حافي القدمين. كان يحلم بحذاء.. يستر عري قدميه.. كان يتردد على معرض الأحذية في المخيم.. وقع في قلبه حب إحداها.. وتمنى قربها.. لكنه لم يستطع شراءها نتيجة الفقر المدقع!!».

يقول: «في اليوم الثاني شفت ابن المختار لابسها.. حسيت إنو اغتصبها مني»، وفي الوقت الذي استطاع فيه الحصول على الحذاء بعشرين قرشاً.. كانت «فردتا الحذاء لنفس القدم اليمين..»!!

يكبر أبو حليمة ليشارك في الثورة.. ويمضي في أول خطوة لتحقيق حلمه في العودة، ويضيف: «حلفت يمين أني ما بتزوج إلا في فلسطين.. بس أمي أصرّت تزوجني وأنا في المنفى.. وخلفت أربع بنات: حليمة.. وحنين.. وأحلام.. وحلم..».

يجسد أبو حليمة بأدائه البارع النظرة الدونية التي حوصر بها اللاجئون الفلسطينيون الذين توزعوا على مخيمات لبنان وسوريا والأردن.. لأنهم هجروا منازلهم.

وفي أحد المشاهد ينتقل الرجل بجمهوره إلى مدينة القدس القديمة التي تسلل إليها بالتهريب. هناك يرى بائعات الخضار.. ويرى المحتلين على الخيول.. ويرى الحشاشين الصغار.. ليقول: «ليش الخمرة والحشيش، شو بدّو يقول عنكم سيدنا عمر وصلاح الدين إذا اطّلعوا عليكم من خرم التاريخ..؟!».

لن أنساك يا أرضي..

عرض آخر تقدمه فرقة الروابي الفنية في الأردن، وهو عبارة عن أوبريت مسرحي قُدِّرت تكاليفه بـ70 ألف دينار أردني، حمل عنوان «طرحة شمس».

هذه الأوبريت جاءت لتذكّر بالمجازر التي ارتكبتها آلة العدو الصهيوني على أرض فلسطين لحظة اغتصابها، فاللوحات التي تقدمها «الروابي» على العديد من المسارح الأردنية الضخمة تعرض من خلالها مأساة الشعب الفلسطيني منذ بداية الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، متخذة من قرية «كفر قاسم» و«أحمد» نموذجين للأرض والشعب الفلسطيني، وذلك لإظهار معاناته على مدار عقود مضت.

الروابي قدمت «صوراً واسكتشات» من إخراج المخرج المسرحي الأردني خالد الطريف.. في أجواء فنية درامية تتابعت فيها الأحداث في وقتٍ لم يتجاوز ثلاث ساعات، حيث قدمت الفرقة «أوبريت فنيةً» تحكي قصة بداية الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.

وتتعالى في العرض المسرحي أصوات المواويل والعتابا والأغاني الشعبية الفلسطينية، في محاولة جادة يسعى من خلالها الفريق إلى أن يجعل الجمهور يعيش معاناة الشعب الفلسطيني وأغاني الثورة والدعوة إلى المقاومة والعودة، مع لمسات الحزن التي يبدو فيها الابن أحمد تارةً مُهجراً، وأخرى معتقلاً، وتارةً مقاوماً يحمل الهم الفسطيني مع رفاقه من الدول العربية.

ويقول المخرج الطريفي إن «أحمد يمثل الفلسطينيين كافة من مهجرين ومعتقلين ومقاومين، وحتى شهداء»، لذلك نرى أحمد في أكثر من حالة وفي أكثر من موقع، مضيفاً: «نحن نعتمد الرمزية في المسرح للتعبير عن الكل».

القرية والفلاح وبحر فلسطين

الأوبريت تعرض العديد من الفقرات الفنية الراقصة، كما يقدم الدبكات الشعبية التي تتميز بها الفرقة، التي يؤديها الأعضاء بشكل متناسق وبكل رشاقة.

كما تقدم الأوبريت حياة القرية والفلاحين والبحارة في فلسطين قُبيل الاحتلال الإسرائيلي، الذي يظهر بين حين وآخر على خشبة المسرح ويرمز له بسواد الوطاويط، ليعيث في محتويات المسرح فساداً كما هو الواقع في أرض فلسطين ومقدراتها.

الروابي تكرر في العرض بين الحين والآخر مقطعاً إنشادياً مفاده «طالت ليالينا.. ناطرين ع المينا.. يا رب تعود أفراحنا وليالينا. وننسى الأحزان إللي مرت علينا»، وفي هذه الأثناء تغطي ستارة كبيرة تمثل «طرحة الشمس» المسرح بالتزامن مع أغاني الروابي الشعبية التي تحمل بين كلماتها آهات التحسر والقهر والوله على الوطن، وآلام الفراق والشتات ومناجاة الأحباب الذين غيبهم الاحتلال.

ويُظهر أعضاء الروابي تفاعلاً كبيراً في تقديم المقاطع التمثيلية كما في دور أحمد والوالد ودور «الختايرة»، الذين يقومون برواية الأحداث ومخاطبة باقي الأعضاء لتبيان القصة والهدف من الأحداث، كما يحمل جميع أعضاء الفرقة «البقجة» على ظهورهم طوال العرض، التي تبين أنهم يحملون في داخلها مفاتيح كبيرة لإثبات حق العودة..

رغم الأحزان هناك فرحة

بين كل فرحٍ وفرح في الأوبريت، يظهر الحزن وأغاني البكاء على الوطن والمعتقلين والمهجرين والشهداء، حيث يتعمّد المخرج إظهار أن «الاحتلال يقتل الفرح في القلوب»، لكن سرعان ما ترتفع الهمم وأغاني المقاومة والحثّ على الاستمرار والصبر حتى العودة إلى الوطن، ما يلهب المشاعر لدى الحضور نظراً لما تحتويه الأغاني من كلمات قوية وحماسية.

وفي أحد المقاطع يسأل الجد الأحفاد: «ماذا تعني لكم خيوط الشمس؟»، فتكون الإجابة أن كلاً منهم يرى منها صورة فلسطينية مختلفة، فأحدهم يرى أنها «مرجنا الأخضر أصبح أحمر»، وآخر «الوعد هو الوعد والورد بيطرح ورد»، وآخر يقول: «جمل المحامل بيطرح الشيل»، إلا أن الجميع يقولون في النهاية: «في الغد بعد الغروب تشرق شمس جديدة على فلسطين».

كما يتخلل الأوبريت عرس شعبي فلسطيني لأحمد العائد من الهجرة أو المعتقل أو المقاومة!!، حيث تنشد الروابي أغاني العرس الفلسطيني، وأخرى تدعو أحمد والشباب المحتفل في العرس إلى «المقاومة والسير على درب الثوار».

وبعد تكرار النداء لأحمد المقاوم والمجاهد والأسير والمُهجر، يظهر الشاب وقد حمل الأعلام العربية مستنطقاً أهلها للذود عن فلسطين، في هذه الأثناء يرتدي أعضاء الفرقة اللباس الأبيض المطعّم بأوراق الزيتون الأخضر وما ترمز إليه من السلام.

هذه الأعمال وغيرها الكثير، رأى فيها اللاجئ الفلسطيني تثبيتاً وتأكيداً على حقه المغتصب، فهذا أحمد يستعيد قصيدة هارون هاشم رشيد الشهيرة، ويقول:

سنرجع يوماً إلى حيّنا                ونغرق في دافئات المنى

سنرجع مهما يمر الزمان          وتنأى المسافات ما بيننا

هنالك عند التلال تلال              تنام وتصحو على عهدنا

ويتابع: «تلال فلسطين تنتظر، وربيع لوزها وزيتونها ينادي. أما أقفال البيوت فهي تنتظر.. عائدون حتماً، لا شك في ذلك».

وتؤكد المهجرة تالا خليل حاجتها وحاجة الشباب لمثل هذه الأعمال الدرامية قائلة: «يشكل هذا النوع من العروض في داخلنا التهاباً تتقيّح حبوبه وتتطهر كلما شاهدناها..».

أما والدتها، فتتحدث عن شعورها بالألم لحال الفلسطينيين في الداخل واللاجئين في الخارج، قائلة: «الله يعين الفلسطينيين على قدْ ما مرّ عليهم!!».♦