مجلة العودة

الشهيد أحمد عبد العزيز ...أسطورة الجهاد والصُّمود

الشهيد أحمد عبد العزيز ...أسطورة الجهاد والصُّمود


احمد السعيد القاهرة


لم يخطر على بال الضابط المصري الشاب أنه سيكون عنواناً بارزاً ونقطةً مضيئةً في فترة حالكة من تاريخ الأمة العربية والإسلامية، ولم يخطر بباله أنه سيدفن في أرض فلسطين المقدسة بعيداً عن أهله ورفاقه، إنه البطل الشهيد أحمد عبد العزيز ، ذلك الأسد المصري الهصور الذى دوخ الصهاينة في حرب ألف وتسعمائة وثمانية وأربعين وكبدهم أفدح الخسائر مدوناً بذلك صفحة من صفحات تاريخ نضال الأمة العربية والإسلامية المجيدة ضد الاستعمار. المولد والنشأة :
ولد أحمد عبد العزيز في مدينة الخرطوم في يوليو عام ألف وتسعمائة وسبعة ميلادي لضابط في القوات المصرية العاملة بالسودان، ونشأ نشأةً وطنيةً منذ نعومة أظافره، فقد شارك والده في ثورة عام ألف وتسعمائة وتسعة عشر ضد الاحتلال البريطاني ودفع جنوده إلى المشاركة في المظاهرات التي كانت تموج بها شوارع القاهرة آنذاك وسمح لهم بأن يخرجوا من ثكناتهم العسكرية إلى ميدان عباس لكي يحرسوا حشود الثورة ومواكب الحرية، وكان هذا الموقف الثوري سبباً في غضب الإنجليز عليه ففصلوه من الجيش، وفي هذا المناخ النضالي نشأ أحمد عبد العزيز محبّاً?للأوطان عاشقاً لها.
وعلى خطا والده نشأ أحمد عبد العزيز محباً للجندية شغوفاً بها، فاتجه بعد تخرجه من المدرسة الثانوية إلى الكلية الحربية تلبيةً لنداء نفسه، وتخرج فيها عام ألف وتسعمائة وثمانية وعشرين، ثم التحق بسلاح الفرسان فأثبت كفاءته وكان بطلاً من أبطال الفروسية المعروفين في مصر، ثم قام  بتدريس التاريخ الحربي في الكلية الحربية، وعرف أحمد بين زملائه وتلاميذه بالإيمان العميق والأخلاق الكريمة والوطنية الصادقة.
التضحية بالوظيفة من أجل عيون فلسطين :
بعد إعلان قيام دولة إسرائيل في مايو عام ألف وتسعمائة وثمانية وأربعين قامت العصابات الصهيونية بتسليح نفسها وقامت بارتكاب مجازر ضد السكان العزل في فلسطين، وكان أحمد عبد العزيز ممن رفعوا لواء الجهاد والمقاومة ضد العصابات الصهيونية ، فقام بتدريب المتطوعين وإعدادهم، وبدلاً من أن يلقى الرجل دعماً رسمياً من الدولة وجد من يخيره بين ترك وظيفته في الجيش - وكان في ذلك الوقت برتبة مقدم - وبين ترك العمل التطوعي والجهاد الميداني قائلاً له :  " إذا أردت الجهاد فلتُحَل إلى الاستيداع "، فاختار أن يترك وظيفته في الجيش وأن ي?تمر في العمل التطوعي الجهادي قائلاً بغير تردد "ورتبتي أتنازل عنها إذا تطلب الأمر، ما دام في ذلك مصلحة البلاد" .
طريق التحرير :
بدأ أحمد عبد العزيز في استقبال المتطوعين في معسكر الهايكستب وبدأ في تدريبهم وإعدادهم ، واعتمد في تسليحهم على ما أمدتهم به قيادة الجيش من مدافع خفيفة وأسلحة وذخائر، واتخذ كل وسيلة لإقناع المسؤولين بأهمية تزويد المتطوعين بالسلاح، كما اعتمد على ما جمعه من المتطوعين من الأسلحة التي خلَّفتها الحرب العالمية الثانية .
وبعد أن اطمأن أحمد عبد العزيز  لقواته استعد  للرحيل إلى فلسطين ، وعمل على إلهاب حماس جنوده وكتب لهم بياناً جاء فيه : "أيها المتطوعون، إن حرباً هذه أهدافها لهي الحرب المقدسة، وهي الجهاد الصحيح الذي يفتح أمامنا الجنة، ويضع على هاماتنا أكاليل المجد والشرف؛ فلنقاتل العدو بعزيمة المجاهدين، ولنخشَ غضب الله وحكم التاريخ إذا نحن قصرنا في أمانة هذا الجهاد العظيم".
وحاول القائد أن يدخل بجنده إلى فلسطين، فوجد الطريق العام لدخولها مغلقاً، حيث كانت تسيطر عليه القوات الإنجليزية، فسلك طريقاً وعراً وصل به في النهاية إلى مدينة خان يونس، وهناك وجد مستعمرة صهيونيةً حصينة فبدأ جهاده بالهجوم عليها فألقى الفزع والرعب في نفوس قاطنيها.
معارك وانتصارات :
كانت بداية المجاهدين موفقة، ففتحت تلك البداية شهيتهم إلى المزيد من العمليات الفدائية، فتوجه أحمد عبد العزيز إلى مدينة ( دير البلح ) ( وكان لها أهمية إستراتيجية نظراً لتحكمها في الطريق الواصل بين غزة وخان يونس ) فحاصرها حصاراً شديداً، فبعث الصهاينة إليها بمصفحات لفك الحصار عنها، وهذا ما كان ينتظره أحمد عبد العزيز فجهز مجموعة من الفدائيين الذين كمنوا لهذة القافلة الصهيونية في الطريق فأمطروها بوابل من القذائف المتتابعة التي قضت عليهم، وفي الوقت ذاته كانت قوات الفدائيين الأخرى تضرب المستعمرات الصهيونية بكل بسا?ة حتى تمكنت من دخول المدينة وتطهيرها من العصابات الصهيونية.
ولما بدأت قوات الجيش المصري في التقدم نحو فلسطين عرضت على أحمد عبد العزيز العمل تحت قيادتها، فتردد قليلاً وتحجج بأنه يجاهد مع المتطوعين الذين لا يلتزمون بالقواعد التي يلتزم بها الجيش النظامي، ثم قبل في نهاية الأمر أن يتولى مهمة الدفاع عن منطقة بئر السبع ولا يتجاوزها شمالاً وبذلك يتولى عبء حماية ميمنة الجيش المصري والدفاع عن مدخل فلسطين الشرقي.
ولما وصل أحمد عبد العزيز إلى بئر السبع اتخذها مقراً له ، وأخذ يوزع قواته على المناطق المحيطه بها، فاحتلت قواته العوجة والعسلوج، ثم اتجه على رأس قوة من قواته إلى بيت لحم  وإلى الخليل لصد الهجمات الصهيونية عنهما، حيث اتخذت العصابات الصهيونية مستعمرة رامات راحيل مركزاً للهجوم، وكانت المستعمرة تقع على ربوة عالية تمكن الصهاينة من رصد التحركات العربية، وكان لابد من أجل تأمين مدينة بيت لحم من اقتحام تلك المستعمرة، وتكررت محاولاته لاقتحام تلك المستعمرة إلى أن تكللت جهوده بالنجاح فوقعت مستعمرة رامات راحيل في قبضته ?ي السادس والعشرين من مايو عام ألف وتسعمائة وثمانية وأربعين.
قبول الهدنة :
فى الوقت الذي كان فيه المجاهدون يسددون الضربات الموجعة للصهاينة قبلت الحكومات العربية قرار الهدنة، وجاء قرار القبول في مصلحة الصهاينة إذ أخذوا يستجلبون مقادير هائلة من الأسلحة المتطورة ومن المتطوعين، وهنا قرر أحمد عبد العزيز بفضل حكمته من استغلال فترة الهدنة في جمع قواته وحشدها في بيت لحم، وتحصين المدينة وإقامة خط دفاعي حولها.
استشهاد البطل :
وبعد انتهاء الهدنة الأولى عادت الاشتباكات من جديد ونشط الفدائيون في استهداف العصابات الصهيونية، ولم يستمر ذلك طويلاً إذ أعيدت الهدنة مرة أخرى، وعلى الرغم من ذلك فإن الصهاينة لم يلتزموا بها فكانوا يخرقونها بعمليات عسكرية.
وفي الثاني والعشرين من أغسطس عام ألف وتسعمائة وثمانية وأربعين دعا أحمد عبد العزيز لاجتماع في دار القنصلية البريطانية بالقدس لبحث خرق الصهاينة للهدنة، وطلب منه الصهاينة التنازل عن بعض المواقع التي في قبضة الفدائيين فرفض وأصر على الاحتفاظ بها، وفي مساء نفس اليوم اتجه  أحمد عبد العزيز إلى غزة حيث مقر قيادة الجيش المصري، لينقل إلى قادته ما دار في الاجتماع، وعلى الطريق مر القائد بمنطقة عراق المنشية التي كان الصهاينة يستهدفونها، فكانت في المنطقة كتيبة عسكرية لديها أوامر بضرب كل سيارة تمر تحت جنح الظلام، فلما اقت?بت سيارته من تلك المنطقة ، ظنها أحد الحراس من سيارات العدو فأطلق عليها الرصاص فاستشهد القائد في الحال واستقبل الناس خبر استشهاده بكل أسى وحزن وخسرت ميادين الجهاد في فلسطين قائدًا عظيما ومجاهداً حقيقياً.
وتوجد مقبرة أحمد عبد العزيز في قبة راحيل شمال بيت لحم وله هناك نصب تذكاري شامخ، وقد أحاطته مؤخراً سلطات الاحتلال الإسرائيلي بسياج من الأسلاك الشائكة والأسوار العالية التي بها فتحات مراقبة لبنائها كنيساً يهودياً بالقرب منه، كما أطلقت رصاصة على شاهد قبره ولكنها لم تكسره.
هذه كانت رحلة الأسد المصري أحمد عبد العزيز الذي فقدته الأمة العربية والإسلامية . ♦