مجلة العودة

أدب العودة: العودة والوطن في إعلام الطفل الفلسطيني - خليل الصمادي

العودة والوطن في إعلام الطفل الفلسطيني...

حضور يتصاعد رغم ضعف الحضور التخصصي والدعم المالي
 

خليل الصمادي/ دمشق

لا شك عندي مطلقاً في أن أطفال فلسطين اليوم هم رجال العودة والتحرير غداً. ولكي يكون كذلك لا بد من العمل على تهيئة ظروفه كي يكون متميزاً ومعطاءً وخاصة في أهم وسائل التربية والتأثير، ألا وهو إعلام الطفل.

أما طفولتنا الإعلامية فقد كانت بائسة، ففي أحسن الأحوال كنا نسترق السمع والرؤية من شباك جيراننا الميسورين - بنظر أهل المخيم - الذين يتركونه مفتوحاً لأطفال المخيم ليروا أفلام توم وجيري بالأبيض والأسود قبيل أذان المغرب. ولم أنسَ يوم عرض فيلم «الفلسطيني الثائر» من بطولة غسان مطر في سينما النجوم بالمخيم. يومها، كان الفيلم حديث أطفال المخيم، حتى إن أكثرنا حضره أكثر من خمس مرات!! وأما عن تربيتنا على ثقافة العودة، فقد كنا يومياً في مدارس الأونروا نردد قصيدة هارون هاشم رشيد:

عائدون عائدون إننا لعائدون

فالقلاع والحصون لن تكون لن تكون

وأما في المنزل فكثيراً ما كنا نصغي إلى الجدة لحكايات «حديدون والغولية» و«نص مصيص» وغيرها. وأما الآباء فمنهم من كان يقص لأبنائه عن قريته التي هاجر منها، ومنهم من كان يقص لهم عن بطولاته ضد الإنكليز واليهود، وقلَّ منهم من كان يعلق في صدر بيته خريطة فلسطين اليتيمة التي أصدرها مكتب الهيئة العربية العليا لفلسطين بزعامة الحاج أمين الحسيني ليذكر أبناءه بفلسطين وليحدد موقع قريته ويحيطها باللون الأحمر.

وأما مجلات الأطفال التي كانت أقوى وسيلة إعلام حينها، فنجد عشرات العناوين في البلاد العربية مثل: سندباد وسمير وميكي وطرزان وتان تان ولولو وبساط الريح وعلاء الدين وغيرها. والمتابع لهذه الإصدارات يجد غياب أي عنوان لفلسطين فيها، وابتعاد هذه الإصدارات عن الهمِّ الفلسطيني وثقافته، اللهمَّ إلا مجلة «أسامة» التي صدرت عن وزارة الثقافة السورية عام 1968، فقد تناولت الشأن الفلسطيني من منظور الطفل، وإلى يومنا هذا أذكر حلقات في المجلة منذ العدد الأول باسم «أسامة مع الفدائيين» التي تناولت قصة الطفل أسامة الذي ذهب في
عملية جريئة مع أبطال المقاومة ضد المحتل الصهيوني ونفذ العملية وعاد سالماً إلى قواعد المقاومة. وحتى نكون منصفين، نذكر أن مجلة «ماجد» الإماراتية الصادرة منذ 1979 وخلال الانتفاضة الأولى أولت عناية شديدة بالطفل الفلسطيني وثقافته وأفردت أبواباً خاصة عن فلسطين.

أدب المقاومة قبل الإنتفاضة

والباحث في أدب المقاومة وصحافتها التي انتشرت بعد انطلاقة الثورة عام 1965 نادراً ما يجد مطبوعة متخصصة للأطفال كمجلة أو قصة، بالرغم من إصدار أكثر من مئة عنوان حمل أسماء عديدة مثل «فلسطين الثورة» و«إلى الأمام» و«الشرارة» و«الحرية» و«صوت فلسطين» و«الطلائع» وغيرها، ويبدو أن القائمين على الإعلام المقاوم آنذاك لم يلتفتوا إلى ثقافة الطفل وتربيته بالرغم من إنشاء العديد من المؤسسات التي تعنى بالطفولة. وحتى نكون منصفين، لا بد أن نذكر أن دار الفتى العربي في بيروت التي كانت مدعومة من حركة فتح قامت عام 1974 بنشر عدد من قصص التراث العربي تحت عنوان (حكايات شعبية عربية) فأصدرت حكايات شعبية من فلسطين (80 صفحة بالألوان) من إعداد نمر سرحان ورسوم سليمان. والجدير ذكره أن الدار المذكورة كانت تصدر صحيفة حائط تعلق في النوادي والمؤسسات الفلسطينية التي تعنى بالأطفال والفتيان.

بعد الإنتفاضة

وبعد انطلاقة الانتفاضة الثانية تنبه المسؤولون إلى أهمية بناء الطفل بما يتناسب مع تطلعات المرحلة فأنشأوا عدة مراكز تعنى بالطفولة وشجعوا إصدارات موجهة إلى الأطفال، فكانت مجلة فارس الغد الصادرة في بيروت تمثل بالفعل النهر الذي يستمد روافده من ينابيع كثيرة. والمطلع على أي عدد من أعداد المجلة يقرأ عن فلسطين في كثير من أبوابها، فبالإضافة إلى القصص المصورة هناك باب لتعريف الأطفال بمجاهدي فلسطين وباب للتعريف بقرى فلسطين ومدنها وهكذا. أما في داخل الوطن، فقد تأخر إصدار مجلات الأطفال مدة طويلة، وبعد عدة سنوات من بداية السلطة أصدرالمسؤولون هناك ثلاث مجلات فقط. وللأسف، لم تكن منتظمة، فقد اعتراها الانقطاع والإغلاق، وهذه المجلات الثلاث اثنتان منها في الضفة الغربية هما «الزيزفونة» التي صدرت عام 2008 في رام الله، والأخرى «وعد» التي صدرت عام 2005 ثم توقفت وعاودت الصدور 2008 وتوقفت بعد 25 عدداً والتي صدرت عن مؤسسة الأشبال والزهرات التابعة لحركة فتح. وأما الثالثة فهي مجلة «طموح»، وهي أول مجلة أطفال صدرت في غزة عام 2008 وعانت «طموح» كما عانت شقيقتاها في الضفة، ويبدو أن معاناة «طموح» كانت أكبر بسبب الحصار.

وبعيداً عن المجلات المطبوعة نذكر انتشار بعض المطبوعات الموجهة إلى الأطفال والفتيان. فقد أصدر بيت فلسطين للشعر ديوان أغاريد الطفولة المقدسية عام 2010، وهو ديوان موجه إلى الأطفال احتوى على اثنتين وأربعين قصيدة. كذلك قدمت وزارة الثقافة السورية بدمشق في عدد من مسارح دمشق بالتعاون مع مسرح عشتار من رام الله مسرحية للأطفال بعنوان «غزة في عيون أطفالها» وقد عرضت على أغلب مدارس دمشق بالمجان في بداية عام 2011 ولاقت استحساناً لدىالمشاهدين.

صحوة في الإعلام المرئي

وكذلك اهتم القائمون بالإعلام المرئي، فانتجوا أفلاماً كرتونية مثل «جدار في القلب»، وهو أول فيلم عربي للأطفال بالأبعاد الثلاثية، ويحكي قصة فتى يعيش في مخيم بلاطة يحلم بالعودة، لكنه يعاني كباقي سكان المخيم الويلات من المستوطنين وجيش الاحتلال، ومدة الفيلم تقارب ساعتين وينتهي بتصوير معاناة أهلنا القاطنين حول جدار الفصل العنصري وتحديهم للجدار والإرهاب والعنصرية. وأما الحديث عن محطات التلفزة، فنجد أن بعض المهتمين نثروا بذاراً هنا وهناك من أجل أطفال فلسطين. فلا شك أن محطة طيور الجنة التي استحوذت على عقول أطفال العرب نجد أنها لم تهملثقافة العودة، فقدمت بعض الأغاني والبرامج التي عززت هذه الثقافة مثل «لما بنستشهد بنروح الجنة»،و«زيتونة عباب القدس» و«الأقصى شو بنحبه»، وغيرها، وقد لاقت مثل هذه الأناشيد جماهيرية واسعة لدى أطفالنا. كذلك ظهرت بعض المحطات الأخرى الموجهة إلى الأطفال مثل «سنا» و«كراميش»، وقد حاكت محطة طيور الجنة في أناشيدها وبرامجها، وحضرت فلسطين والقدس في عدد من الأناشيد لديهم، حضوراً لا بأس به ولا سيما في قناة «كراميش»، كما كان لتلفزيون الأقصى دور مهم في ثقافة الأطفال من خلال برامج خاصة للطفل كانت تقدمها الطفلة المبدعة إسراء برهوم في برنامج «رواد الغد» التي ساهمت إلى حد كبير في زرع ثقافة المقاومة والعودة عندأطفال فلسطين. وقد ساء مثل هذا البرنامج قوات الاحتلال ومن سار بركبهم، حتى إن مراكز الدراسات الصهيونية أرسلت التقارير محذرة من تأثير مثل هذه البرامج على عملية السلام، مدعية أنها تنشر الكراهية في المجتمع!

الدخول في عالم الإنترنت

أما على الشبكة العنكبوتية، فقد افتُتح موقع «الفاتح» للأطفال في لندن في أيلول 2002 وما زال يصدر إلى يومنا هذا بحلة جميلة جذابة. وموقع الفاتح من أقوى مواقع الأطفال من حيث التوجيه والمشاركة والزيارة والاستمرار، والمشاهد لهذا الموقع يجد المنهج الفلسطيني المقاوم ظاهراً بالإضافة إلى الثقافة التي تناسب سن الأطفال واليافعين والتي تصب في ثقافة العودة. والجدير ذكره أن بعض المواقع الإلكترونية المتخصصة بأطفال فلسطين ظهرت بين الفينة والأخرى، لكنها لم تستمر كثيراً بسبب عدم متابعة القائمين عليها.

ولا بد من أن ننوه في هذا المجال بما قامت به بعض المؤسسات العربية من إصدار أشرطة مدمجة تحت مسمى الترفيه والألعاب تتحدث عن تاريخ وثقافة فلسطين، وعن مدينة القدس والمسجد الأقصى. فقد أصدرت إحدى المؤسسات عام 2004 شريطاً باسم «الطريق إلى الأقصى»، وهو يحكي قصة غلام يحاول الوصول إلى المسجد الأقصى لتحريره من رجس الأعداء ويساعده شيخ جليل ويعترض مسيرته جنود الاحتلال وقطعان المستوطنين، ويستطيع اللاعب الماهر أن يتغلب على العوائق التي تعترضه ويصل أخيراً إلى أولى القبلتين. كذلك أصدرت دار الفكر في دمشق لعبة جديدة باسم «تحت الحصار 1» ثم أردفتها بلعبة «تحت الحصار 2» وهي لعبة مشوقة تصور معاناة شاب مقدسي يسعى إلى انتزاع حقه ومقاومة الإرهاب الصهيوني.

تقويم المرحلة السابقة

هذا ما تلقاه أطفالنا خلال السنوات الماضية، ولا بد من تقويم هذه المرحلة ومراجعتها ودراسة مدى تأثيرها على أطفالنا حتى يستكمل النقص أو دعم ما استفاد منه أطفالنا. ومن خلال المتابعة لإعلام الطفل الفلسطيني أحب أن أذكر بعض الملاحظات علَّ القائمين على مراكز الطفولة يستفيدون منها:

أولاًّ: الاهتمام بعالم الطفل وعدم تركه هملاً، فهذه الغرسة الندية لا تصبح شجرة شامخة وارفة الظلال، تعطي أكلها كل حين إلا إذا جرت رعايتها.

ثانياً: تشجيع المؤسسات الفلسطينية ومراكز الثقافة والإعلام على متابعة اهتمامات الطفل من حيث الثقافة وعدم قصر الإعلام على الأخبار السياسية والدعائية.

ثالثًا: فتح العديد من الأندية والمراكز المتخصصة بالأطفال وتشجيع الرواد على القراءة والكتابة ورفد هذه الأندية بالمربين للإشراف على ثقافة الأطفال.

رابعاً: دعم المحطات التلفازية المخصصة للأطفال بالكلمة والمشاركة والدعاية.

خامساً: إنتاج بعض البرامج التي تعزز ثقافة الطفل في انتمائه إلى فلسطين كفيلم «جدار في القلب»، ونشرها على مستوى واسع وحث أصحاب الأموال للمساهمة في إنتاج مثل هذه المسلسلات أو الألعاب الهادفة.