مجلة العودة

ثقافة العودة :اعتراف اليونسكو بفلسطين والبحث عن نصر

اعتراف اليونسكو بفلسطين والبحث عن نصر
 
 
خليل محمود الصمادي/دمشق
 
 
لا شك في أن اعتراف منظمة اليونسكو بفلسطين هو خطوة في مشوارنا الطويل الذي يحتاج إلى معارك عديدة دبلوماسية وعسكرية وقومية وعالمية. وهذه الخطوة لا ينكرها إلا كاره لفلسطين أو القضية، وأما الاكتفاء بهذا النصر والخلود للراحة والتغني بأمجاد الدبلوماسية الفلسطينية التي حققتها سلطة رام الله، ففيها مواقف عديدة. وقبل أن نشرع في تفصيلها، لا بد من الإشارة إلى تاريخ اليونسكو بتعريفها ولجانها وأهميتها وغير ذلك.
 
 
 اليونسكو ودولة الكيان الصهيوني
 

بما أن اليونسكو تعنى بالثقافة والتراث، فلا شك في أن علاقتها مع العدو متوترة؛ فاليهود من ناحية، يطالبون اليونسكو بالاعتراف بالمواقع التراثية الفلسطينية التي وقعت تحت الاحتلال، كمطالبتهم بضم الحرم الإبراهيمي في الخليل وقبر راحيل في بيت لحم عام 2010. وطالبوا أيضاً بـضم عدد من المواقع الأثرية الأخرى في جبل الخليل بالمدينة القديمة ومغارات "قمران" في البحر الميت، وجبل عيبال في شمال مدينة نابلس، وجبل جرزيم جنوب مدينة نابلس، وموقع القطار في قرية سبَسطية وقبر يوسف، كما هي الحال في بئر يعقوب، في المدينة نفسها إلى قائمة التراث الإسرائيلي.

اليونسكو ورسالتنا الثقافية

هذه هي اليونسكو، وهذه هي رسالتها، ولولا أننا نعيش على هامش التاريخ - بل خارجه - لكانت هناك ملاحظات عديدة على رسالة اليونسكو؛ فهي تعترض على كثير من قيمنا الدينية، كالحدود والقصاص، ونظرتنا إلى اليهود والزواج من أكثر من واحدة، وغير ذلك، وحاولت التدخل أكثر من مرة في المناهج الدراسية في بعض البلدان العربية، وطالبت بتغييرها لتتوافق مع رسالتها العالمية، كما تدعي.

وفي الوقت نفسه نقول: متى احترم الكيان الصهيوني قرارات اليونسكو، بل قرارات الأمم المتحدة؟ فكل ما صدر عنهما، يضرب الكيان الصهيوني به عرض الحائط. 

اليونسكو وفلسطين

في الحقيقة، لو كنا أصحاب قوة وقرار ومنعة، لما لهثنا وراء اليونسكو والأمم المتحدة نستجدي المعونات الغذائية وخرائط الطريق الثقافية، لكن هذا ما قدّر لنا.

وفي مجال الساحة الفلسطينية، نجد أن هناك فصائل كثيرة، وكل فصيل يحاول أن يجد له موطئ قدم على الساحة الفلسطينية، ويحاول البحث عن نصر حقيقي أو وهمي أو شبه وهمي. وبعض الفصائل ما زالت تتغنى بعملية يتيمة جرت منذ أكثر من ربع قرن، وكل عام يقيمون الاحتفالات والمهرجانات وغيرها في ذكرى هذه المناسبة. بل نجد أن بعضها صار يحتفل كل عام بذكرى رحيل المؤسس، فيملأون جدران المخيمات بالملصقات والإعلانات ويحجزون القاعات للاحتفال بالرحيل!!

أهمية قرار"اليونسكو" تكمن في اعتباره أنه يلزم المجتمع الدولي بملاحقة الجرائم الثقافية التي ترتكب بحق الإرث الفلسطيني وبانتشال الهوية الثقافية الفلسطينية من محاولات الطمس والدمج التي تتعرض لها. والمطلوب من اليونسكو الدفاع عن مواقع التراث الفلسطيني بما فيها أراضي الـ1948؛ فمئات المواقع الأثرية والدينية، بما فيها المساجد، استولي عليها وحولت إلى مقاه ونواد ومراسم وغيرها. وكذا في الضفة الغربية والقدس والشريف.

اهتمام السلطة بالاعتراف

أما اهتمام السلطة الفلسطينية باعتراف اليونسكو بفلسطين، فيرجع إلى عدة أمور. منها:

صفقة تبادل الأسرى المشرّفة التي قامت بها حركة حماس، وبموجبها اُفرج عن أكثر من ألف أسير وأسيرة من ذوي الأحكام المؤبدة. فلا شك في أن هذه الصفقة رفعت أسهم حماس كثيراً، فلسطينياً وعربياً وعالمياً، ما استدعى ذلك التشكيك في توقيت الصفقة وفي عدد الأسيرات والبحث عن ثُغَر في الاتفاق.

فشل المفاوضات الفلسطينية الصهيونية وعدم إحراز أي تقدم على المستوى الفلسطيني.

عجز السلطة الفلسطينية عن تقديم أي برنامج وطني يحافظ حتى على أقل المكتسبات الوطنية.

تقاعس السلطة في مشروع المصالحة الوطنية، وتهربها من ذلك بفعل الضغوط الإسرائيلية والأمريكية.

فهذه الأسباب وغيرها كانت سبباً رئيسياً في اهتمام السلطة الفلسطينية بدخول اليونسكو؛ فتحقيق نصر في عصر الهزائم ـــ كاعتراف اليونسكو بفلسطين ـــ أشبه بفتح الفتوح.

وبعيداً عن التشاؤم، ننظر إلى خطوة اليونسكو بإيجابية، وهذا واجب هذه المنظمة العالمية؛ ففلسطين محتلة ومنتهكة من الكيان الصهيوني، ورسالة الإنسانية والعدالة والحرية هي الوقوف مع المظلوم ضد الظالم.

وكما قيل، لا يفل الحديد إلا الحديد، وبدل أن نستجدي إسرائيل بالإفراج عن ألف أو ألفين من الأسرى الذين قربت نهاية سجنهم، علينا أن نفرض شروطنا، ولا يكون ذلك إلا إذا تمكن من يدعي المقاومة أن يأسر من يقتل شعبنا، ولا سيما أنهم يسرحون ويمرحون بين مئات الحواجز التي نصبوها.

وقبل أن ننتظر العطف والحنان من المنظمات الدولية، علينا أن نناضل على الصعد كافة، وأن نعيد مصطلح المقاومة إلى حقيقته التي تعني الجهاد ومقارعة المحتل بالقوة؛ لأن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة.