مجلة العودة

محمد الخطيب: رواق للمباني التاريخية... مشروع لحفظ الهوية الحضارية

      رواق للمباني التاريخية... مشروع لحفظ الهوية الحضارية
محمد الخطيب/رام الله
 
يُعَدّ سجل رواق للمباني التاريخية في فلسطين في غاية الأهمية، لكونه يتعامل مع أكثر مكونات التراث الثقافي الفلسطيني تعرضاً للتهديد في أيامنا هذه، ولكونه أول سجل من نوعه يوثق أحد مكونات التراث الثقافي والطبيعي في فلسطين، وهو المباني التاريخية في مراكز المدن والقرى في الضفة الغربية، بما فيها القدس العربية، وقطاع غزة.

فعلى الرغم من وجود مسوحات عدة للمواقع الأثرية في فلسطين (المسوحات البريطانية والأردنية والإسرائيلية والفلسطينية) فليس هناك، حتى لحظة نشر هذا السجل، أي جرد أو سجل مكتمل للمباني التاريخية في فلسطين.

لذلك بادر رواق- مركز المعمار الشعبي منذ عام 1994 بالعمل على مشروع تسجيل المباني التاريخية في فلسطين، حيث يمكن اعتبار هذا السجل خطوة أولى في مسيرة طويلة لحماية التراث الثقافي والطبيعي في فلسطين. ولأننا نؤمن بأن الحماية تبدأ بالمعرفة، فهذا ما يوفره سجل رواق، إذ يتضمن معلومات معمارية موسوعية وصفية عن ما يزيد على خمسين ألف مبنى تاريخي (50320 مبنى)، موزعة على 422 تجمعاً سكانياً، منها ست عشرة مدينة رئيسية، و406 قرى، موزعة على إحدى عشرة محافظة في الضفة الغربية وخمس محافظات في قطاع غزة. وتأتي أهمية هذا السجل، ليس فقط بالمعلومات التي يحتويها عن عدد لا يستهان به من المباني التاريخية، بل أيضاً باحتوائه على أرشيف من الخرائط المحوسبة؛ إذ يحتوي على أكثر من 400 خريطة محوسبة عُمل عليها لتحويلها من خرائط ورقية غير دقيقة إلى خرائط محوسبة. ويتضمن السجل أيضاً أرشيف صور للمباني القديمة، بحيث يزيد عددها على 45000 صورة. وبذلك، يشكل سجل رواق للمباني التاريخية في فلسطين وثيقة مهمة تجمع بين المعلومات وتحديد المواقع على الخرائط، بالإضافة إلى الصور.

سجل رواق للمباني التاريخية

ولا نستطيع أبداً أن نخوض في أية خطة وطنية قبل أن نقوم بتسجيل الممتلكات الثقافية، وتجميع قاعدة بيانات عنها تكون قادرة في المراحل الأولى على تزويدنا بالمعلومات الأولية عن المواقع في فلسطين. وكان لا بد من تحديد الحيز الجغرافي للمشروع. ولأسباب ليست فقط سياسية وليست حضارية، بل لوجستية وأخرى لها علاقة بربط السجل بالخطط التنموية لفلسطين، قررنا أن يقتصر عملنا على المناطق المحتلة عام 1967، مع إدراكنا أنه من ناحية حضارية وتاريخية يجب أن يشمل السجل كل فلسطين ضمن حدودها الانتدابية، على اعتبار أن مادة السجل تشمل الممتلكات المعمارية التي سبق بناؤها النكبة (1948). ولن تكتمل الصورة أبداً إلا بتضمين العمارة الفلسطينية داخل الأرض المحتلة عام 1948 ضمن هذا السجل، على أمل أن نتمكن مستقبلاً من استكمال المشروع، إذا توافرت المناخات المناسبة لذلك.

خلال عقد من الزمن، وعبر عمل دؤوب، استطعنا الانتهاء من الجزء الأكبر من عملية تسجيل لكل مبنى تاريخي يعود إلى ما قبل عام 1945 تقريباً (أقدم من 50 عاماً). هذا الإنجاز هو على درجة عالية من الأهمية لما يحتويه من فوائد لا حصر لها. فبالإضافة إلى معرفتنا الآن بما نملك من مبانٍ تاريخية، وما هي أحوال هذه المباني وأوصافها وموقعها الدقيق على الخريطة، أي بالإضافة إلى الفوائد المباشرة للسجل التي يمكن الاطلاع عليها من خلال هذا العمل، هناك الكثير من الفوائد غير المباشرة نذكر منها، أنه على مدار السنوات العشر، جرى تدريب المئات من طلبة العمارة والتاريخ والآثار في الجامعات الفلسطينية على التعامل مع المباني التاريخية، ما ترك بصماته على وعيهم وقدراتهم على فهم هذا الموروث الثقافي. وجرى الحديث، تقريباً، مع كل المالكين أو المستعملين للعقارات القديمة، وبنيت شراكات مع المجالس البلدية والقروية والكثير من المؤسسات العامة والأهلية. ويمكننا القول إن العمل على السجل قد أسهم بفاعلية في تطوير الوعي العام بالتراث الثقافي، وفتح النقاش المجتمعي حول أهميته. صحيح أنه لم يستطع وقف التدهور الكامل، لكنه أسهم في حماية بعض المباني والمراكز التاريخية، بالإضافة إلى استثماره في الإنسان.

لكن من المفيد أن نذكر أن السجل قد مر بمخاض صعب، على اعتبار أنه ولادة جديدة لم تسبق لنا معرفة بقوانينه. فمررنا بتجارب الآخرين، سواء من المنطقة المحيطة أو من مناطق أكثر بعداً. وعلى الرغم من كل البحوث التي قمنا بها لتقرير ما نريد، فإن ذلك لم يحمنا من الوقوع في الأخطاء والمحاولة من جديد. لقد مر على تجاربنا الأولى لتشكيل السجل عقد من الزمن لم يخلُ من تقلبات الوضع السياسي في فلسطين، ودهمتنا التطورات التكنولوجية والبرمجيات الحديثة التي تسهل العمل من جهة، لكنها كانت تجبرنا على تعديل ما أنجز في الماضي من جهة أخرى. وفي النهاية، توصلنا إلى شكل يسهل علينا استخراج أية معلومة وبسرعة فائقة عن أي مبنى جرى تسجيله.

بما أنه قد مضى عشرة أعوام على البدء بالسجل، ولم يجرِ تحديث السجل، فإننا لا نعرف على وجه اليقين كم بقي من المباني التي قمنا بتسجيلها، فـ»الهبة» العمرانية التي اجتاحت الأراضي الفلسطينية، وجرافاتنا وجرافات الاحتلال لم تبقِ في بعض الأحيان إلا سجل رواق كشاهد على ما كان.

تجديد المعلومات

دقة قاعدة البيانات التي  تُعرَض على الموقع الإلكتروني غير مضمونة، والمعلومات المنشورة هنا هي للمعرفة فقط. إن أسماء الملاكين والملكيات دائمة التغير من دون أي إشعار أو إنذار، وبالتالي إن المعلومات المنشورة تتعلق بالأسماء التي كانت مستخدمة عندما قام طاقم العمل بتسجيل المبنى. كذلك إن المعلومات لا تشمل أفنية المنازل أو الساحات المقامة عليها أو بعض الإنشاءات المقامة على تلك الساحات، وذلك لأن التسجيل قام على أساس الظاهر من حدود المباني والملكيات، لا على أساس صكوك الملكيات الرسمية. الخرائط الرسمية من الجهات المختصة، والتي تظهر حدود الأراضي والمباني هي الطريقة الأمثل للتأكد من تسجيل أي مبنى أو ساحة، وهي الوثيقة المعتمدة في المحاكم. الرجاء التذكر أن المباني المسجلة هنا هي ملك لأشخاص وعائلات، وعليه نرجو احترام خصوصية هؤلاء الأشخاص وملكيتهم. نشر هذا السجل لا يستنتج أو يخمن أية حقوق ملكية لأي مبنى كان.

ويعكس السجل يعكس حالة المباني في لحظة تسجيلها (في تاريخ التسجيل الظاهر لديكم) وبالتالي يجب أخذ المتغيرات الزمنية كالهدم والإضافات والترميم وإعادة البناء... في عين الاعتبار.

استمارات جمع المعلومات

في المراحل المختلفة من المشروع، استُخدمت نماذج مختلفة من الاستمارات (خمسة نماذج) لجمع المعلومات من الميدان، حيث طُوِّرت هذه الاستمارات من خلال تقويم العمل الميداني، الذي أدى إلى كشف أهمية إيجاد بنود جديدة تعطي معلومات أدق وأوفى عن المباني، أو حذف بنود غير ضرورية لهذا النوع من التسجيل، وكذلك محاولة توسيع الاستفادة من المعلومات الميدانية لأكثر من موضوع في الوقت نفسه، وهذه الاستمارات تتفاوت في كمية المعلومات في ما بينها بحسب الفترة التي استعملت فيها.

فوائد السجل واستخداماته

يعتبر سجل رواق للمباني التاريخية، الذي قام رواق على مدار أكثر من عقد من الزمن       (1994- 2005) بإعداده، ثروة وطنية تفتقر إليها الكثير من بلدان العالم، ومن ضمنها بلدان متقدمة، وبخاصة أنه استخدم تقنيات التوثيق الحديثة. فبعض البلدان تمتلك سجلات يعود عمرها إلى أكثر من قرن، لكنها يدوية ويصعب استخدامها، وإن حوسبتها تحتاج إلى جهود جبارة وتكاليف عالية، بحيث يصعب تنفيذها. أما وقد بدأنا من حيث انتهى الآخرون، مستخدمين التقنيات المعاصرة، فقد اختزلنا وقتاً وجهداً غاليين. وبعد الانتهاء تقريباً من تحضير السجل، يمكننا تحديد أوجه الاستفادة منه:

. التخطيط الحضري وإدارة المناطق التاريخية: السجل يملك معلومات غنية لكل مخطِّطٍ يعد مخطَّطَاً هيكلياً لأية مدينة أو قرية في فلسطين. كذلك يمكن استخدام القاعدة المعلوماتية الموجودة في السجل أساساً في عملية إدارة المناطق التاريخية. ويساعد السجل في العمل على مخطط تفصيلي لإدارة الممتلكات الثقافية وحمايتها  عموماً، والبلدات القديمة خصوصاً، ولذلك يجب ألا يسمح أصلاً التصديق على مخطط هيكلي لأية مدينة أو قرية من دون اشتماله على مخطط، حفاظاً على التراث الثقافي.

- حماية الممتلكات الثقافية: لا يمكن القيام بأي مشروع لحماية التراث الثقافي، سواء في كل الأراضي الفلسطينية مجتمعة، أو في أي موقع من المواقع، من دون معرفة حجم هذه الممتلكات ووضعها الإنشائي والفيزيائي، وموقعها على وجه التحديد وأشكال الملكيات السائدة... الخ، وبالتالي يقدم السجل هنا معلومات على درجة عالية من الأهمية، بحيث يشكل قاعدة أساسية لخدمة هذا الهدف.

- التنمية الاجتماعية والاقتصادية: الممتلكات الثقافية، كما أسلفنا، كنز وطني يصلح للاستثمار في سبيل تنمية المجتمع الفلسطيني، سواء على المستوى الوطني أو المستوى المحلي، وبالتالي يستطيع السجل تقديم المشورة والإرشاد للباحثين عن فرص الاستثمار في حقل التراث الثقافي.

-  التوثيق: اتضح خلال تجربة السنوات الماضية أن السجل قد أصبح وثيقة تاريخية، خاصة للمباني التي دُمِّرت. وفي كثير من الأحيان بقي هو المصدر الوحيد، وبخاصة أن لكل مبنى صورة موثقة في السجل. ويمكن القول إن إنتاج خرائط التراث المعماري في فلسطين قد انتهى إلى حد كبير، والتي يمكن استخدامها لأغراض السياحة أو أية استخدامات أخرى.

-  توفير خرائط التراث الثقافي: لا تتوافر خرائط لكل المواقع في فلسطين، وفي كثير من الأحيان تعتبر الخريطة التي أُعدّت في رواق لتثبيت مواقع المباني عليها هي الخريطة الوحيدة المحوسبة المتوافرة، والتي يمكن استخدامها لأغراض متعددة، سواء من قبل المؤسسات الرسمية أو غيرها.