مجلة العودة

جسر العودة: إقرار حق العمل.. همّ جديد - ياسر علي

إقرار حق العمل.. همّ جديد

ياسر علي

 
بدون مقدمة، لنتخيل لاجئاً فلسطينياً يعمل منذ ثلاثين سنة.. كيف سيؤثر القرار الجديد في مجلس النواب اللبناني على حياته؟!
كان اللاجئ يعمل قبل الاجتياح الإسرائيلي للبنان، لكنه بعد عام 1982 تعرض لقرار منعه من أكثر 72 مهنة. اتخذ هذا القرار عدنان مروّة وزير العمل في حكومة شفيق الوزّان في عهد أمين الجميّل، بإيعاز من قوى اتفاق 17 أيار المشؤوم. واستمرّ هذا القرار قائماً رغم تبدّل الظروف السياسية وموازين القوى.

ومنذ ذلك الحين، يعمل اللاجئ سرّاً، يتحكم برزقه وعمله كل من يؤثر أو يتأثر أو له علاقة بهذا العمل، وقد يكون أرخص مخبر قادراً على أن يقلب حياته، ويسلب منه رزقه.. وإذا اختلف مع عامل الخدمات في الشركة أو مع زبون نزق، كان يمكن أن يهدده بالإبلاغ عنه وعن عمله «غير الشرعي». واستمر هذا المنع بالتوافق بين القوى السياسية اللبنانية، فكان القاسم المشترك الوحيد بين الحكومات المتتالية والانقلابات السياسية المتعاقبة، رغم عمق الخلاف السياسي بين الأطراف.. فكانوا يختلفون على كل شيء، لكنهم كانوا يتفقون على الفلسطيني والتضييق عليه.

في عام 2005، أصدر الوزير طراد حمادة مرسوماً سمح فيه للاجئ الفلسطيني في لبنان بالعمل في هذه المهن، وأكد المرسوم نفسه الوزيران اللذان تبعاه، محمد فنيش وبطرس حرب. وبقي أمر المهن الحرة مرهوناً بقرار نقاباتها التي ترفض أن يعمل في المهن غير أعضاء النقابة، وفي الوقت نفسه تشترط أن يكون عضو النقابة لبنانياً منذ أكثر من عشر سنوات.

وفي عام 2010 صدر قرار مجلس النواب، بعد أخذ وردّ وكرّ وفرّ.. وهو ما بدا أنه إنجاز جديد وتقدم في الحقوق التي تقدمها الحكومة اللبنانية للاجئ الفلسطيني.. غير أن الأمر كان تقييداً جديداً بقوانين وأوراق مرهقة.. تهدف إلى إفقاده فرص المنافسة مع العامل اللبناني، من خلال أمرين: إجازة العمل، وصندوق الضمان. وبات من الواضح أن هذا القرار جاء لكي «يصحح» وضعاً تنافسياً ليسلب اللاجئ وضعاً متقدماً بتأثير حقوق مسلوبة.

صحيح أن اللاجئ لم يكن وضعه جيداً، وأنه لم يكن يحصل على ضمان وتعويض، إلا أن هذا كان يشجع بعض أصحاب المهن على توظيف الفلسطيني، ليرتاحوا من دفع هذه الرسوم. أما اليوم، فإن من يُرِدْ توظيف اللاجئ يفكر مرتين، ويقول في نفسه: «لماذا أتعب نفسي بإجازة العمل والتعويض والضمان، إذا كان يمكنني أن أوظف أي شخص آخر بغير ذلك؛ اللبناني بدون إجازة عمل، والأجنبي بدون ضمان وصندوق تعويضات..».

أمرٌ آخر.. لن يكون استصدار إجازة عمل لعشرات آلاف الفلسطينيين متاحاً في وزارة العمل، فذلك يحتاج إلى توظيف فريق متكامل ليستوعب تدفق طلبات إجازات العمل.. كذلك فإنّ صندوق الضمان الممول ذاتياً من رواتب الفلسطينيين، لن يكون متاحاً في القريب، حيث إن تجربة صندوق الضمان اللبناني والتوظيف فيه والصراعات الطائفية فيه وموازين القوى، ستنعكس على الصندوق الجديد الذي سيضم أكثر من خمسين موظفاً لبنانياً محسوبين حسب موازين القوى..

إذاً، صدر قرار مجلس النواب ليقيّد عمل اللاجئ، لا ليسمح له بمزيد من العمل، والنقابات ترفض السماح له بالعمل في مجالاتها، (نقابة التمريض قد تصدر قراراً يسمح للفلسطيني بالانتساب إليها، لأن عدد الفلسطينيين في هذه المهنة كبير السوق يحتاج إلى عدد كبير منهم). وإجازة العمل ستصبح وثيقة قانونية يمكن بسببها اعتقال المخالفين (سيستغرق أمر إنجازها لجميع اللاجئين أكثر من سنة)، وسيُحسَم من راتبه اشتراك لصندوق الضمان الخاص بالفلسطينيين، ويصرف على الإدارة اللبنانية فيه.

فهل استفاد اللاجئ من هذا القرار؟ وهل عليه أن يشكر النواب على هذا «التواطؤ»؟ وماذا عن الحقوق الباقية؟ هل سيلتفون على القانون الذي طرحه النائب وليد جنبلاط منذ شهرين؟

إنه أمر دُبِّر بليل!.. ويجري تدبير أمور أخرى. ♦