مجلة العودة

جسر العودة: عن التطبيع الثقافي من جديد - ياسر علي

عن التطبيع الثقافي من جديد

ياسر علي

أثيرت في الآونة الأخيرة قضية التطبيع الثقافي بقوة من جديد، إثر حدثين ثقافيين، أحدهما نشر كتاب شارك فيه الدكتور ساري حنفي من الجامعة الأمريكية في بيروت مع كُتّاب إسرائيليين، والآخر نشر ترجمة لرواية الإسرائيلي عاموز عوز باللغة العربية، وانتشارها في معارض الكتاب العربية (التي يمنع بعضها كثيراً من الكتب العربية الجذور والانتماء).

هذه القضية في جانبها التطبيعي عانت في ما مضى انعداماً في المعايير بين «المنغلقين والمنفتحين»، وبتعبير أدق «المنبطحين». أذكر أنه منذ عشر سنوات تقريباً ضيّع البعض هذه المعايير ودعا إلى مقاطعة شعراء من وزن سميح القاسم وتوفيق زيّاد وأدباء من وزن إميل حبيب، من دون أن نفرق بين الصهيوني والعربي الذي يحمل الجنسية الإسرائيلية.

وأخيراً، أثيرت قضية الدكتور ساري حنفي ومشاركته في تحرير كتاب مع كاتبين من جامعة تل أبيب قيل إنهم من اليسار الرافض للاحتلال.. وهنا نسأل: أي احتلال يرفضون (أراضي 48 أم أراضي 67)؟

وقد قيل إن عزمي بشارة زكّاهم وعدّهم من أصدقاء العرب، وأن ساري حنفي لم يخطئ بهذه المقاربة.. إن تعامل أهلنا في الداخل مع هذه النماذج مبرّر (بشارة وحنفي عاشوا لمدة طويلة في الداخل)، مبرر من منطق الرازح تحت الاحتلال، أو الذي يعيش تحت نظام عنصري. فخياراته ضيقة ومطالبه – من حيث الشكل – محدودة.

لكننا في الخارج، من منطق اللاجئين المطرودين من أرضهم، لا يمكننا أن نقبل ما قام به حنفي هنا، وهو الذي عاش سنواتٍ في مدينة القدس.

تحديد المعايير والمحددات أمرٌ في منتهى الأهمية، كي لا تتكرر تجربة محمود عباس، حين كُلف بتأليف لجنة تتواصل مع منظمة «ماسبِن» اليسارية المعادية للصهيونية ولا تعترف بالكيان، وعندما بدأ بالأمر، وسع دائرة اتصاله إلى الحزب الشيوعي الإسرائيلي «راكاح» الذي كان يضم عدداً كبيراً من فلسطينيي 48، ويرفض الاحتلال، لكنّه يشارك في الانتخابات ويعترف بحق مزعوم للصهيونية في فلسطين، ثم توسّع في لقاءات مع حزب العمل الصهيوني الإسرائيلي.

هذا سياسياً.. فما بال الأدب والرواية؟! وقد حدث أن تُرجمت مذكرات بن غوريون وأرييل شارون ومناحيم بيغين وغيرهم..

إذن، تبدأ القضية بتحديد الجهة التي علينا مقاطعتها. ونسأل هنا أربعة أسئلة أو احتمالات:

- هل هي الهوية والجنسية الإسرائيلية؟

- هل هو الدين الذي تحمله الشخصية؟

-هل هو الانتماء السياسي الذي تندرج تحته الشخصية؟

- هل هي المادة التي بين أيدينا للمطالعة والدراسة؟

في حالة عاموس عوز، إذا وضعناه تحت منظار هذه الأسئلة والمعايير، فسنجده يزعم أنه يساري وداعية سلام، فيما تنطبق عليه الأسئلة الأربعة التي ذكرناها. فهو يحمل الهوية والجنسية الإسرائيلية، وخدم في الجيش وأيّد كل حروب الكيان الإرهابي حتى حرب غزة الأخيرة. وهو يهودي يؤمن بأن فلسطين ملك لليهود، ولا يمانع من إقرار قانون «يهودية الدولة» العنصري. وهو يقول إنه يساري لكنه يساري صهيوني، وبالنسبة إلينا يتساوى اليسار واليمين في الوعاء الصهيوني. وأخيراً، المادة التي بين أيدينا، وهي رواية «قصة عن الحب والظلام»، عمل يبرر الاحتلال ويصور العرب كجراثيم.

فليقف «المنفتحون» أمام ضمائرهم، وأمام الثوابت، وليتبصّروا: إنهم يؤذون فلسطين!♦