مجلة العودة

حتى نعود: بداية العودة - مصطفى الصواف

بداية العودة

مصطفى الصواف
كاتب ومحلل سياسي/ غزّة

الخامس عشر من مايو (أيار) لهذا العام حمل طابعاً جديداً ووضع اللبنة الأولى نحو تغيير المفاهيم لدى الشعب الفلسطيني في التعامل مع موضوع العودة الذي يمثّل الحجر الأساس للحقوق الفلسطينية المغتصبة، وخاصة أن العنصر البشري هو العنصر الأهم الذي يجب أن يبنى عليه، لأن الأرض لن يحدث لها أي تغيير رغم ما تحدثه آلة التهويد الإسرائيلية على الأرض،

 فهذا متغير طارئ، ولكن الإنسان هو أساس فكرة العودة قبل الأرض، وعودة الإنسان أهم من عودة الأرض خاصة في هذه المرحلة، فمن يعيد الأرض هو الإنسان وبقاؤه خارج حدود التأثير لن يؤدي إلى نتائج إيجابية.

في هذا العام، هناك تغيير كبير حدث, ربما قلب الموازين رأساً على عقب وأعطى مؤشراً نحو استراتيجية جديدة في التعامل مع قضية العودة، إذ إن التعاطي مع هذه الذكرى كان يجري على نحو سلبي وبلا نتائج من خلال مهرجانات خطابية وفعاليات لا قيمة لها، وينتهي بانتهاء ذلك اليوم. ولكن ما حدث في يوم العودة - وهذا ما يجب أن نسمي به هذه المناسبة، لأنّ من الضروري طي صفحة النكبة واجترار الآلام والأحزان، والبدء بصفحة جديدة تؤسس لعودة الإنسان إلى الأرض لا عودة الأرض إلى الإنسان - هذا العام يعطي انطباعاً بأن هناك تغيراً في المفاهيم أدى إلى تغيير في الأداء فكان هذا التحرك الجماعي في أكثر من منطقة الذي أربك الاحتلال الإسرائيلي ووضع قيادته العسكرية والسياسة في خطر وأمام تساؤل كبير، وهو أنه إذا كانت بضع مئات قد تحركت بهذا الشكل وتمكنت من اجتياز الحدود رغم سقوط هذا العدد من الشهداء، فكيف لو تركت عدة ملايين تجاه فلسطين، هل سيبقى مسمى (لإسرائيل) أم سيذوب؟

قد يستغرب البعض هذا الفهم، ولكن حقيقة الأمر تؤكد أن هناك تغييرات كبيرة، هذه التغييرات ستترتب عليها سياسة جديدة في التعامل مع قضية العودة، والفعل الذي حدث جعل، على بساطته، الاحتلال الإسرائيلي يدرس احتمال حدوث فعل أكبر وأعمق، الأمر الذي سيجعله يعيد حساباته وربما يجبره تحت ضغط الخوف من التحرك باتجاه تحقيق خطوات نحو الفلسطينيين في نوع من ذر الرماد في العيون وسحب البساط من تحت أقدام التفكير الجديد لدى الفلسطينيين في التعامل مع العودة بعد ثلاثة وستين عاماً على النكبة.

والواقع يقول إن المتغيرات الحادثة على الأرض أدت دوراً كبيراً في إحداث التغيير الواضح في التعامل مع موضوع العودة، ولعل أبرز هذه المتغيرات ما حدث على الساحة العربية، والتي أرخت بظلالها على الواقع العربي والواقع الفلسطيني، الأمر الذي انعكس على العلاقة مع الاحتلال والسياسة الدولية.

المتغير الثاني هو متغير فلسطيني، وهو أن هذا العام جاء في ظل التوصل إلى اتفاق المصالحة الفلسطينية، وهذا له تأثير على مجريات أحداث العودة. والشاهد في ذلك أن المسيرات التي انطلقت وتقدمت نحو الحدود الفاصلة ما بين قطاع غزة وفلسطين المحتلة كانت تحت مفهوم واحد وراية واحدة بعيداً عن المناكفات والاستغلال البشع للواقع السياسي في ظل الانقسام، وهذا كان واضحاً لو عقدنا مقارنة بسيطة بين ما حدث في الخامس عشر من مارس (الشعب يريد إنهاء الانقسام) وما حدث في الخامس عشر من مايو (الشعب يريد إنهاء الاحتلال)، ووجه الاختلاف البارز هو غياب المناكفات وتسجيل النقاط من خلال حرف الهدف والمسار للفعاليات، على عكس يوم العودة، كان الكتف بالكتف والهدف هو العدو والتوجه نحو الحدود.

في الختام، نعتقد أن ما حدث يعطي دليلاً على أن القادم مختلف ويؤكد أن العودة باتت قريبة، وأن الإرادة الشعبية قادرة على التغيير وأن المفاهيم والاقتناعات لم تعد على شاكلتها القديمة وأن الموقف العربي سيكون موقفاً مسانداً بعد أن كان متواطئاً مع المشروع الأمريكي الصهيوني، وهذا كله سيصبّ في مصلحة مشروع تحرير فلسطين.