مجلة العودة

حتى نعود: وعد بلفور.. أما آن اعتذار بريطانيا عنه؟! - جورج جبور

وعد بلفور.. أما آن اعتذار بريطانيا عنه؟!

جورج جبور/ نائب سابق ورئيس الرابطة السورية للأمم المتحدة

في ذكرى قرار تقسيم فلسطين، يحتفل العالم كله بيوم التضامن مع الشعب الفلسطيني، أو هكذا ينبغي له، إلا أنني أفضل أن يكون التضامن في يوم 2/11، فيوم وعد بلفور أبلغ دلالة على الظلم الذي ألحق بالفلسطيني وعلى الحاجة للتضامن معهم.

لوعد بلفور الوغد (وصفة الوغد أفضل من صفة المشؤوم الذائعة، أليس كذلك؟) ذكراه عند أبناء جيلي، فقد كنا في 2/11 من كل عام في الخمسينيات نعبّر عن رفضنا لذلك الوعد الذي يعبّر عن الهيمنة الغربية ومساعيها ومآربها في المنطقة.

 

وعاد إلى أذهان العرب وعد بلفور بكل مندرجاته مع ثبوت فشل التجربتين السورية والفلسطينية عام 2000 في محاولة بلوغ سلم عادل مع كيان الاستعمار الاستيطاني. وأعتقد أن انتفاضة 28/9/2000 ولّدت لدي استعادة يومية للوعد الوغد، استعادة لم تفتر لحظة منذئذ، ورأيتها سانحة أن أُشغل بما يشغلني المؤتمر القومي والإسلامي الذي عُقد في الدوحة أواخر عام 2006، حيث قدمت إلى المؤتمر اقتراحاً لقي موافقة إجماعية، فكان النص الآتي كما نشرته صحيفة الراية القطرية في 24/12/2006: «قرر المؤتمر ضرورة وضع برنامج عمل يستمر عشر سنوات 2/11/2007-2/11/2017م للاهتمام بوعد بلفور قانونياً وسياسياً، بهدف إضعاف الأسس الدينية والفكرية والسياسية التي على أساسها صدر الوعد».

الهدف إذاً إضعاف الوعد، ما الفائدة من إضعافه؟ وكيف يكون ذلك؟

فائدة إضعاف الوعد واضحة، إنها إضعافٌ للأسس التي قام عليها الكيان الصهيوني، وذلك بنسف جذور الوعد الدينية وتبيان انعدامه القانوني وإيضاح انتهاكه للقيم الإنسانية العليا، إضعاف الوعد يمهد للاعتذار عنه ويمهد حين تسمح الظروف لإلغائه ومعه مفاعيله.

أحد الأساليب التي يتصاعد تبنّيها في ظروف السياسة العالمية المعاصرة هو التعبير عن عدم الرضى إزاء جور معين بمطالبة الجائر بالاعتذار، ونعلم أن الاعتذار لا يحرر أرضاً ولا يعيد إلى الدنيا شهيداً، إلا أنه يحاول إشعار الضحية بنوع من التعاطف، الاعتذار اقتصاص مخفف، إنه ليس إقامة للعدل بل خطوة باتجاه عدل قد يقام وقد لا يُقام. إنه مفيد، ومن أجل الحصول عليه تبذل الدول جهوداً كبرى.

وفي وقت الكتابة أكتب وأنا أستمع إلى السيد رجب طيب أردوغان يوم 11/10/2010 زائراً دمشق: «تلحّ تركيا على إسرائيل في المطالبة بالاعتذار عن جريمة 31/5/2010 مع أسطول الحرية».

في عام 2001 فشل الأفريقيون في الحصول من الدول الغربية على اعتذار عن الاسترقاق، كان ذلك في أكبر مؤتمر إنساني شهده العالم، إنه مؤتمر ديربن في جنوب أفريقيا للقضاء على العنصرية والتمييز العنصري وكره الأجانب، تعاطف وزير خارجية بلجيكا رئيس المجموعة الأوروبية في ديربن مع فكرة الاعتذار، ولكنه لم يستطع أن يقنع مجموعته، وأقنع بها حكومته في وقت لاحق.

شهد شهر أيار 2002 اعتذاراً معلناً قدمته حكومة بلجيكا إلى أبناء الكونغو عن مظالمها في تعاملها معهم، أحببت الفكرة، استثمرتها، نشرت في جريدة البعث في 3/10/2002 قبل شهر من ذكرى وعد بلفور رسالة مفتوحة إلى رئيس وزراء بريطانيا أطلب منه أن تقتدي بريطانيا ببلجيكا، أيّدني كثيرون في تجمع شهده المركز الثقافي العربي في دمشق يوم 2/11/2002، لم يذهب الأمر سدى في 16/11/2002 وتناقلت وكالات الأنباء تصريحاً لوزير الخارجية البريطاني يفصح لأول مرة في تاريخ الدبلوماسية البريطانية عن شيء من التحفظ إزاء وعد بلفور، تابعت، لكن الحكومات العربية لم تتابع، وضاع جهد لم يكن وراءه متابع رسمي.

هل تعتذر بريطانيا عن وعد بلفور في 2/11/2010، أم في تاريخ لاحق؟ هل تتطور الظروف وتضيء المقاومة ومعها القنبلة الديموغرافية عقول الصهاينة، فيعتذروا كما فعل الرئيس دوكليرك في جنوب أفريقيا، متيحاً المجال لحل ديموقراطي حاز إعجاب العالم؟ هل تتطور الظروف فتنفجر المقاومة ومعها القنبلة الديموغرافية على الأرض فتختفي «إسرائيل» ومعها الوعد ومفاعيله في الذكرى المئوية لصدوره أم قبل المئوية أم بعدها؟

لا أدري، لكن ما أدريه –ويقيناً- أن علينا أن نتابع مطالبة بريطانيا بالاعتذار، وما أدريه أنني أقدر تقديراً عالياً التجاوب الذي لقيته دعوتي من الأمانة العامة لمؤتمر الأحزاب العربية منذ أن وجه السيد عبد العزيز السيد الأمين العام للمؤتمر في 2/11/2009 رسالة إلى رئيس مجلس العموم البريطاني يطالبه بالاعتذار، وما أدريه أنّ على الفضائيات العربية خاصة، وعلى كل وسائل الاعلام العربية عامة، أن تثير أمر المطالبة بالاعتذار وعلى نحو متواصل منذ الآن وحتى 2/11/2010، إذ لا يحقّ لأي مواطن في المملكة المتحدة أن ينام مرتاح الضمير وهو يشهد عذابات الفلسطيني التي هي نتاج وعد بلفور.♦