مجلة العودة

حوار:منظمة التحرير كفّت عن الاهتمام باللاجئين منذ دخلت إلى الضفة والقطاع

عبد القادر ياسين : منظمة التحرير الفلسطينية كفّت عن الاهتمام باللاجئين منذ دخلت إلى الضفة  والقطاع عام 1994

إيمان يس/القاهرة
 

يضيء الكاتب عبد القادر ياسين في هذا الحوار على محطات مهمة من تاريخ اللاجئين وواقعهم في الوطن والشتات، تجربته الوطنية أعطت للحوار زخما مهما، وآراؤه الموضوعية الجريئة تجعل من الضروري الالتفات إليها والتوقف عندها، ولأن قضية اللاجئن من ركائز قضية فلسطين، وعنوانها الأهم كان من الضروري التوقف عندها والحديث عن تداعياتها في الشتات، العودة حاورته في القاهرة وكان لها هذا اللقاء وهذه المحطات .

العودة: كيف ترى دور اللاجئين الفلسطينيين في التعريف بقضيتهم؟

ج: يعاني اللاجئون الفلسطينيون في كل الدول العربية بتفاوت في الدرجة؛ فبعض الدول تمنعهم من مجرد العمل ليقتاتوا، وبعض الدول تمنعهم من إصلاح بيوتهم المتواضعة. وللأسف، إن منظمة التحرير الفلسطينية كفّت عن الاهتمام باللاجئين منذ دخلت إلى الضفة والقطاع منذ سنة 1994. والمنظمة، كما هو ملاحظ، اختُطِفَت وارتُهنت واختُزلت في شخص مختطفها منذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا. مع ذلك، يحاول اللاجئون الفلسطينيون بقدر الإمكان أن يقوموا بدورهم في التعريف بالقضية الفلسطينية. وعلى سبيل المثال، فنحن في الجبهة العربية المشاركة للمقاومة الفلسطينية نظمنا منذ يوم 4 مارس آذار دورة للموجهين في مجال القضية الفلسطينية ، وهي تضم زهاء 20 محاضرة في شتى المجالات، ويحاضر فيها مصريون وفلسطينيون، ومن الإخوة المصريين الأستاذ عاصم الدسوقي والأستاذ عبد العال الباقوري، ومن الفلسطينيين الأستاذ خضر البرعي والأستاذ يونس الكتري والأستاذ أحمد الدبش وأنا.

العودة: هل تلقي الضوء على إسهامات اللاجئين الفلسطينيين في مصر والدول التي لجأوا إليها، وهل انعكس ذلك إيجاباً على القضية الفلسطينية؟

ج: القضية تسكن الفلسطيني أينما حل، لذلك فهو دائماً يتنفس القضية، حتى وهو يلعب كرة القدم. لذلك، لا ينفصل جهد الفلسطيني في نهضة هذا القطر العربي أو ذاك عن جهده في سبيل قضيته الوطنية. في مصر على سبيل المثال، كان لنا نشاط لم يقمعه إلا أنور السادات حيث بطش بكل المنظمات الشعبية الفلسطينية وأولها اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين حينما كنت مديراً له، واعتقلنا جميعاً حتى قبل أن تهبط طائرته في مطار بن غوريون يوم 19/ 11/ 1977 ورحلنا إلى خارج مصر وبقيت خارج مصر ثمانية عشر عاماً ونصف. وقد توفي اثنان منا في الخارج واثنان رجعا هما أنا والأستاذ مريد البرغوثي. وكذلك اتحاد الطلاب الفلسطيني، قمعهم وأغلق الاتحادين وما زالا قيد الإغلاق حتى الآن؛ فقد كانا أنشط اتحادين في القطر، والبقية كانت ذات هياكل علوية لا تقدم ولا تؤخر فلم يمسهم بسوء.

العودة: وماذا عن بقية البلاد التي فيها اللاجئون؟

ج: كان الأثر ملموساً في دول الخليج حيث عمل الفلسطينيون هناك في التعليم والتنميةوالإنشاءات، وما إلى ذلك. أما في البلاد الأكثر تقدماً، مثل مصر، فنشاط الفلسطينيين كان مشاركاً على نطاق ضيق، وخاصة أن رئيس وزراء مصر سنة 1948 محمود باشا فهمي النقراشي أخذ قراراً غريباً عجيباً، وهو أن يمنع اللاجئ الفلسطيني من أن يعمل حتى من دون أجر، ما أدى إلى أن مصر أصبحت دولة طاردة للفلسطينيين، ولم يتغير هذا القرار إلا على يدي جمال عبد الناصر سنة 1954 حيث ساوى بين الفلسطيني والمصري في كل شيء عدا الترشّح والانتخاب للمجالس البرلمانية. وفي عام 1978 تذرع الرئيس أنور السادات بحادث مقتل الأديب الشهيد يوسف السباعي في فبراير 1978، فأصدر السادات فرماناً يعتبر الفلسطينيين أجانب في مصر، وشدد عليهم في الإقامة والسفر والتعليم والعمل.

العودة: هل استطاع اللاجئ الفلسطيني الحفاظ على هويته؟ أم أنه كان يسعى للذوبان حتى تتوافر له حياة كريمة؟

ج: اللاجئ الفلسطيني حريص على هويته، حتى وإن حصل على جنسية قطر آخر، سواء كان عربياً أو أجنبياً، وهنا نلاحظ أن الفلسطيني يتخذ من الجنسية الجديدة مجرد جواز سفر للتنقل وليمنع عن نفسه الاضطهاد. وفي هذا الصدد، أذكر أن بلداً عربياً استقبل سيدة أميركية اسمها آمنة محمد، وفي المطار سألها ضابط الجوازات: أنت لست أميركية؟ فقالت: أنا من أصل فلسطيني، واصطحبت أبنائي ليتعرفوا إلى أجدادهم في غزة. فما كان منهم إلا أن جعلوها تنتظر ساعتين ونصف، وعندما احتجّت وقالت إن كل من كان على ظهر الطائرة من أميركان وإسرائيليين دخلوا ولم يبق إلا هي وأبناؤها. قاموا بترحيلها إلى أميركا ومُنعت نهائياً من الدخول.

لذلك أقول إن الفلسطيني لا ينسى وطنه. إدوارد سعيد حصل علي الجنسية الأميركية وبقي فلسطينياً، وكذلك إبراهيم أبو دغش. وهنا في مصر بعد ما واجهه الفلسطينيون من عنت شديد بعد إلغاء السادات في سنة 1978 لمعاملة الفلسطينيين كمصريين، ابتهج الفلسطينيون أبناء الأم المصرية بقرار حصول الفلسطيني من أم مصرية على الجنسية المصرية، وتدفقوا للحصول عليها كي يفلتوا من هذا التعسف في المعاملة ليس إلا.

العودة: هل كان للاجئ الفلسطيني ثقل في مسار القضية الفلسطينية؟ وهل حدثت تغيرات أو تحولات بفضل ثقل اللاجئين ليس للمحاصرين في الضفة أو في غزة؟

ج: علينا أن نلاحظ أن المنظمات الفدائية الفلسطينية التي بدأت في التشكل منذ عام 1963 قد تشكلت في دول الخليج على نحو خاص، وتحديداً في الكويت، حيث لم تكن الكويت ضمن نادي المنتفعين بالقضية الفلسطينية، وكان فيها هامش حريات ديموقراطية أوسع من غيرها من البلاد، ولذلك لم تقمع الحركات الفلسطينية شأنها شأن ما يسمى دول الطوق، وتركت المنظمات الفدائية تتوالد حتى فاق عددها ثلاثين منظمة. وبعد هزيمة 1967 اقتنعت الجماهير العربية بأن العمل العسكري النظامي لم يعد مجدياً. لذلك، مالت الشعوب العربية إلى التعامل مع العمل الفدائي واحتضانه. لذلك، تعملق العمل الفدائي منذ ذلك الوقت، وعلينا أن نلاحظ أن الذين أسسوه كانوا من أبناء اللاجئين خارج الأراضي الفلسطينية.

العودة: ما رأي حضرتك، هل كان يوجد اضطهاد حقيقي للاجئ الفلسطيني بالنسبة إلى الدول العربية، أم أن معاناته كانت جزءاً من معاناة الوطن العربي كله في هذا الوقت، وحالة الانبطاح التي كانت توجد فيها؟

ج: إن اللاجئ الفلسطيني قد وقع تحت الاضطهاد نفسه الذي يقع على ابن القطر المعني، يضاف إليه اضطهاده كلاجئ فلسطيني، ولطالما شنت حملات إعلامية ظالمة على الفلسطينيين، وحاولت هذه الحملات أن تشيطن الفلسطيني، لكن الجماهير العربية في كل قطر على حدة كانت تحتضن الفلسطينيين ولا تبالي بما تشيعه حكوماتهم حول هذا الأمر.

العودة: ما هي أهم المراحل وأخطر المواقف التي مرّت بها قضية اللاجئين؟

ج: في البداية طفقت الولايات المتحدة تفرز مشاريع لتوطين اللاجئين وإسكانهم من مشروع شمال غرب سيناء سنة 1953 ومشروع الجزيرة شمال شرق سوريا ومشروع جونسون في وادي الأردن ومشروع هامرشون في لبنان، لكن نضال القوى الفلسطينية الحية ضد هذه المشاريع قبرها في مهدها، وكان آخرها في سيناء في آذار سنة 1955.

العودة: كيف أثر الانقسام في اللاجئين الفلسطينيين؟

ج: ما من شك في أن اللاجئين الفلسطينيين استاؤوا كثيراً من هذا الانقسام، رغم علمهم بأن هذا الانقسام له ما يبرره، وهو انقسام موضوعي وليس مفتعلاً أو كما أُشيع أنه صراع على السلطة، ولكنه انقسام ناتج من تعارض شديد بين برنامجين أو نهجين سياسيين معروفين.

العودة: ما دور اللاجئ الفلسطيني في المصالحة؟

ج: إن المصالحة للأسف هي في يد الفيتو الأميركي الإسرائيلي أكثر منها في يد أي طرف آخر. لذلك، لا يستطيع محمود عباس حتى لو أراد أن يتمم المصالحة، فما بالك وهو لا يريد؟ لذلك، فاللاجئ الفلسطيني غير مؤثر في هذا الصدد؛ فقد خرجت تظاهرات في 15 / 3 / 2011للمطالبة بإنهاء الانقسام، لكنها قمعت.

العودة: هل كان للفصائلية أثر في حياة اللاجئ الفلسطيني؟

ج: معظم البلاد العربية تؤثّم الانتماء إلى هذا الفصيل الفدائي أو ذاك، وعلى رأسها مصر؛ حيث لا تسمح مصر منذ عهد عبد الناصر وحتى اليوم بالانضمام إلى أي فصيل فلسطيني عدا فتح. فحتى مبادرة السادات في شهر تشرين الثاني سنة 1977، كانت في مصر فروع سرية للجبهتين الشعبية والديموقراطية، لكن السادات عمد إلى إبعادهم في التاريخ المذكور.

العودة: دور اللاجئين في إصلاح منظمة التحرير؟

ج: منظمة التحرير الفلسطينية، كما سبق أن ذكرت، مختطفة مرتهنة مختزلة في شخص مختطفها، ولا يستدعيها إلا للاستقواء على هذا الطرف الفلسطيني أو ذاك عندما يختلف معه هذا المختطف، وبالتالي اللاجئون الفلسطينيون وغيرهم من الفلسطينيين لا يؤثرون في قليل أو كثير في منظمة التحرير. واللافت أن منظمة التحرير، وهي المرجعية لسلطة الحكم الإداري الذاتي المحدود في الضفة والقطاع ابتلعتها السلطة المذكورة، وبالتالي أصبح التأثير فيها شبه منعدم من أي طرف من الأطراف.

العودة: هل تميّز بين أبناء الوطن حسب الانتماء الفصائلي؟

ج: للأسف تميّز بينهم، أولاً حسب الانتماء الفصائلي، حيث إن كل السفارات يتولاها أناس من أبناء فتح، وبالتالي يضطهدون أبناء الفصائل الأخرى، المعارضة الأخرى، وتحديداً حماس والجهاد. كذلك، تميل هذه السفارات إلى أبناء الجهات؛ فعلى سبيل المثال، إن كان السفير من أبناء طول كرم، فإن السفارة تحابي أبناء طول كرم، وإن كان السفير من أبناء خان يونس، يحابي أبناء خان يونس، وهكذا.

العودة: أثر الثورات العربية في اللاجئين، سواء في مصر أو خارج مصر، أو بشكل عام؟

ج: ما من شك في أن اللاجئين الفلسطينيين قد استبشروا خيراً بالثورات العربية، لكن من الملاحظ أن أي ثورة عربية لم تحقق أهدافها بعد، بل إن بعضها انتهى بالبلاد إلى خطوات واسعة إلى الوراء من دون أن أحدد هذه البلدان، وبالتالي أنا أعتقد أن اللاجئين الفلسطينيين قد أُحبطوا من جديد بما آلت إليه أمور هذه الثورات ♦