مجلة العودة

صفحة من كتاب: السياسة العسكرية أثناء الحكم المصري في فلسطين

السياسة العسكرية أثناء الحكم المصري في فلسطين

صفحة من كتاب، الحكم المصري في فلسطين، ص 117 – 120، مؤسسة الدراسات الفلسطينية - بيروت

كان الحفاظ على الجيش والبحرية قويين هو الشرط الرئيسي للدفاع عن مصر وسورية، وإقامة القانون والنظام داخل سورية واستغلال كل عائداتها المتوافرة.

أ- القيادة العسكرية

تألفت القيادة العسكرية من مستويين: القائد الأعلى ورئيس الأركان.

1- إبراهيم باشا (سر عسكر) ، القائد الأعلى:

كان إبراهيم باشا القائد الأعلى (سر عسكر) لجميع القوات المسلحة في سورية، النظامية وغير النظامية. وبحسب التسلسل السياسي، لم يخضع إبراهيم إلاّ لوالده محمد علي، الذي كان يثق به تماماً. كما كان يمتلك شخصية قوية وسمعة عسكرية ناصعة، فأطلق عليه بعض الكتّاب العرب لقب «إبراهيم الفاتح». وبصفته سر عسكر، فهو الذي قاد الجيش المصري خلال الحملات العسكرية على العثمانيين وحملات إخضاع الثورات المعادية للمصريين في الثلاثينيات، وهو المسؤول عن تجنيد الرجال ونزع سلاح سكان سورية. وعلى الرغم من أنه احتفظ بكل السلطة العسكرية في يده وكرس كل اهتمامه الأساسي للفعاليات العسكرية، فإنه كان أيضاً يحل مشكلات الإدارة المدنية.

وفي ضوء مسؤولية إبراهيم باشا العسكرية المتمثلة في حراسة الحدود الشمالية الخطرة على سورية، بنى قصراً في أنطاكية حيث كان يقيم، ولا سيما في فصل الشتاء. ووضع هناك ستة آلاف من القوات التي أقامت بثكنات بنيت حديثاً. وكان جيشه الذي بلغ، سنة 1836، نحو 60000 رجل، موالياً له تماماً، وكان يتألف في معظمه من مصريين تعلموا التكتيكات العسكرية الفرنسية على يد مدربين أوروبيين، وأغلبيتهم من الفرنسيين والإيطاليين، وكان الجيش يحتفظ بعدد كبير منهم، بمعدل واحد أو اثنين في كل فوج.

2- سليمان باشا، رئيس الأركان

كان سليمان باشا هو الكولونيل سيف، ذلك الضابط النابليوني الفرنسي الذي ذهب إلى مصر سنة 1819. وبعد اعتناقه الإسلام، نظّم الجيش المصري وفق النمط الفرنسي وشغل المرتبة العليا فيه. وبمرور الوقت، نجح في الحصول على ثقة محمد علي الشخصية المطلقة وثقة إبراهيم أيضاً، وأصبح بمثابة اليد اليمنى للأخير خلال غزو سورية وما بعد ذلك.

وفي 11 محرم 1250ه/20 أيار (مايو) 1834م، أغدق عليه محمد علي رتبة ميرميران العسكرية تقديراً لمواهبه وإخلاصه. وقد كان في الواقع يتمتع بكثير من المواهب، إضافة إلى مواهب أخرى غير عسكرية. وكانت إحدى مهماته غير العسكرية التوسط بين القناصل الأجانب وأوروبيين آخرين من جهة، وبين السلطات المحلية من جهة أخرى. فقد أوكل محمد علي إليه تفحص شكاوى القناصل في سورية بعد تكرر مطالباتهم بأن ينظر في تظلماتهم. غير أنه لم يكن مطلق اليد في ذلك المجال، وإنما كان عليه الرجوع إلى إبراهيم باشا لتلقي الأوامر.

ب- الجيش المصري في سورية وفلسطين

حرص إبراهيم باشا وهو يتابع أهدافه الاستراتيجيةعلى ضمان تحصين ممرات طوروس في وجه العثمانيين. فجعل ممر كولاك بوغاز سداً منيعاً في وجههم، وذلك بنصب بطاريات على الصخور المسيطرة على الطريق، كما أن الطرق الوحيدة في الجهة الشمالية الشرقية التي كان يمكن أن تستخدمها المدفعية سُدت بعد نصب القلاع ونظم الدفاع العسكرية. وأُعيد بناء كل عكا خلال السنوات التي مضت، ودُعمت بحصون خارجية وتحولت إلى قاعدة عسكرية بحرية قوية، كذلك جرت محاولات مماثلة قرب الإسكندرية. وأُنشئت اثنتا عشرة ثكنة في معظم المدن الرئيسية لإيواء الجنود. كما أقيم في عكا بناء عسكري ضخم يستطيع استيعاب نحو 6000 جندي. وفي القدس أقيمت ثكنات كبيرة تستوعب نحو 2000 جندي، وبوشر بناء ثكنات أُخرى في عسقلان التابعة لسنجق غزة.

في بداية سنة 1836، كان الجيش المصري موزعاً في فلسطين كالآتي:

مشاة نظاميون: الفوج رقم 25، معسكراً في القدس.

الفرسان: الفوج – حرس، رقم واحد، معسكراً في غزة.

الفوج – خط رقم 9، معسكراً في غزة.

الفوج – خط رقم 7، معسكراً في الرملة.

الفوج – خط رقم 1، معسكراً في عكا وحيفا.

كان الفرسان العثمانيون غير النظاميين يعسكرون في غزة والخليل وأماكن أخرى في مجموعات صغيرة تبلغ الواحدة منها نحو 400 رجل.

وكان هناك فرسان بدو تحت إمرة إبراهيم باشا يعسكرون في العادة في الجبهة الشرقية من سورية. وكانت مهمتهم الأساسية منع الفرار من الجيش النظامي، والتصدي لهجمات القبائل البدوية من الصحراء على القوافل والبلديات الصغيرة الواقعة على مقربة منها.