مجلة العودة

 

طفلُ الشّتات

بودابست / محمود كلّم 

طفل الشتات في المخيمات الفلسطينية المبعثرة في أرجاء المعمورة , يولد الطفل الفلسطيني وفي يده بطاقة لاجئ ، متشرداً سوف يعيش ويبقى ، وربما يُقتل في غارة ، وان حالفه الحظ فقد يهاجر مرة ثانية وثالثة ، وقد لا تنتهي هجراته .يكبر الطفل الفلسطيني في المخيمات بين الجثث المحروقة والبيوت التي دمرتها القنابل ، وبقايا أجساد لأُناس كانوا احياء قبل لحظات متناثرة في كل مكان ، ودماء اصطبغت الحيطان بها ، وعويل امهات فقدت فلذات اكبادها ، وصرخات اطفال مثله أرعب طفولتهم الموت ورسم الحزن خنادق في وجوههم ودمار ودخان وموت يترصد كظلمة الليل ، يحيطهم كالحزام للخصر والخاتم للاصبع . يكبر الطفل الفلسطيني بين أزقة المخيم الضيقة وبيوت متداخلة لا تدخلها الشمس حتى في واسطة النهار حيث لا ماء سوى مياه مالحة غير صالحة للشرب تنافس مياه البحر في ملوحتها ، ولا كهرباء ولا خدمات صحية ، في المخيم يُفقد الإحساس بالاشكال وتحتاج الى فترة حتى تستعيد إحساسك باللون والصورة . في الشتات يكبر الطفل الفلسطيني في ظل تنظيمات واحزاب متهالكة على السحت تاجرت بحق العودة طويلا وبالمقاومة والممانعة حتى تهرأت وتفسخت وفاحت عفونتها ، ناهيك عن الجمعيات المسمات منظمات المجتمع المدني التي تسرق وتنهب باسم طفل الشتات ، وهي في ازدياد يوما بعد يوم حتى اصيبت بالتخمة . في ظل هذا الدمار يتمسك الطفل الفلسطيني بحق العودة وان ظل حلماً يراوده ساعة النوم . في المخيمات يتلقى هذا الطفل اول درس في الوطنية والثورة وحب الوطن والنضال بكل اشكاله واساليبه المتاحة له من أجل أن يصنع مستقبله . ويضج عقله الصغير بأسئلة لا يجد اجابات لها ، فهي ليست سوى طلاسم بالنسبة لعقل كعقله . وتبدأ عملية البحث عن اجابات ترسم له قدره ومستقبله ، ويبدأ بالأهل ، وحين يتعرف على واقعه الذي رسمه وخطّه له الآخرون ، يكونhttp://www.alawda-mag.net/assets/issue72/p-1-3.jpg قد اصطدم بجدار الصمت والخيانة وتجار القضية وحثالات من يدعون الوطنية وسماسرة القضية الذين باعوا الوطن بالرخيص وقبضوا الثمن ، وتركوا الشعب يلعق جراح الهزيمة المُرّة وهو يرى الوطن يتشرذم وتتقطع أوصاله . نحن سكان المخيمات نعيش مجتمعاً طبقياً متمايزاً ، نحن في المخيمات ننام تحت رحمة القدر المجهول وقادتنا ينامون في فنادق الاعداء ... اطفالنا تسحقهم المجنزرات ويموتون تحت الانقاض والقنابل واطفال قادتنا في قصور منيعة وفيلات فارهة تنقلهم سيارات فارهة الى مدارسهم وعند العودة منها تكون موائد الطعام مجهزة بكل شيء ، يسهر على راحتهم خدم اسيويون بينما اطفالنا حفاة عراة يقتاتون الإغتراب وتراب الوطن وفي كل ليلة يقرأون وصية امهاتهم الممهورة بالدم الطاهر ، قم يا ولدي لا تنم واثأر لا تستسلم . وتحفر ارض المخيمات خنادق في ارجلهم الطرية كعود الريحان ، وجوه اطفال قياداتنا ناضرة ووجوه اطفالنا نحن اليها ناظرة للنعيم الفاضح في الاولى والبؤس المتخم في الثانية . لكن تبقى هناك فسحة أمل وحلم بحياة أفضل ولو بالقليل لأطفال هذا الشعب الجبار العظيم صاحب التضحيات ، شعب فلسطين.