مجلة العودة

محمد المحمدي : مأساة فلسطينيي العراق وحلول المفوضية السامية

مأساة فلسطينيي العراق وحلول المفوضية السامية لشؤون اللاجئين
 
 
محمد المحمدي- بغداد

يعتبر تقديم الحماية للاجئ بشكل عام اهم عمل تقوم به المفوضية السامية لشؤون اللاجئين (UNHCR) ، وقد تواجدت المفوضية في العراق وبدأت عملها مع اللاجئين الفلسطينيين مع بداية الاحتلال الامريكي للعراق كونهم تعرضوا الى حملات تهديد وتهجير وقتل ، وبعد مرور هذه السنين لابد من تسليط الضوء على سير عمل المفوضية مع اللاجئين الفلسطينيين في العراق بكافة التشكيلات التي تشكلت وفقا لمكان التواجد . تشكيلات مكانية عشوائية اعتمدت في تشكّلها على مغامرة اللاجئين بانفسهم وعوائلهم الى حد كبير .
التشكيل الاول
فمخيم الرويش داخل الاراضي الاردنية والذي تشكل ابان الغزو الامريكي للعراق هو اول المخيمات الصحراوية تشكلا ، ثم تشكل مخيم العودة على ارض ملعب نادي حيفا الرياضي في المجمع الفلسطيني في منطقة البلديات شرق العاصمة بغداد ، ثم سمح لمجموعة صغيرة من فلسطينيي العراق بالدخول الى الاراضي السورية وليعيدوا فتح مخيم الهول في الحسكة شمال سوريا ، ثم تشكل مخيم الكرامة ثم مخيم طريبيل على الحدود العراقية الاردنية ، ثم تشكل مخيم التنف بين الحدين العراقي السوري ومعه تشكل مخيم الوليد في الجانب العراقي .
التشكيل الثاني
اما المجموعة البشرية الثانية فقد تشكلت في دول، مثل سوريا وقبرص والهند وماليزيا والتي تمكن فلسطينيو العراق من الوصول اليها بحثا عن الامان وهروبا من القتل والاعتقال ، وتفاوتت الاعداد تبعا لما كان يقدم في هذه الدول من خدمات ، اضافة الى سرعة اعادة التوطين الذي تقوم به المفوضية لهذه الشريحة في هذه الدول.
التشكيل الثالث
وهذا التشكيل هو الجسم الرئيسي لفلسطينيي العراق وهم الذين بقوا في العراق وخصوصا من هم في مجمع البلديات ، باقون في العراق ليس لانهم غير معرضين للخطر، بل لانهم لم يجدوا فيما مطروح امامهم من حلول لمعاناتهم ما يؤمن لهم الحد الادنى من متطلباتهم المعاشية ، مع ضرورة معرفة ان معظم اللاجئين الفلسطينيين بكافة التشكيلات المكانية لازالوا يعانون ،لذلك آثرت هذه المجموعة البقاء في العراق متحملين هذا الضغط على اعتبار تساوي المفاسد بين الخيارات والقبول بما هو موجود ، فمنهم من له اولاد في الجامعة ومنهم من يرتبط بعمل وظيفي ، ومنهم من يرتبط بعمل تجاري ومنهم من يحمل قناعات في بقائه في العراق لحين تحرير الارض ، ومنهم من لا يملك ما يخرجه من هذا الظلم .
فلسطينيو العراق وكما بات معروفا اصبحوا حقل تجارب للمفوضية ومشاريعها ، ولعلنا نسلط الضوء على الحلول التي اعتمدتها المفوضية في عملها لهذه التشكيلات وجدواها العملية .
الحل الاول : بقاء اللاجئ الفلسطيني في مكانه (العراق)
اول تداخل للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين كان في السنة الاولى لاحتلال العراق ، اذ قامت المفوضية باحصاء اللاجئين الفلسطينيين في العراق وبدأت بتنفيذ مشاريع اريد لها ان  تخدم اللاجئين .
عدد الفلسطينيين الذين تم احصائهم في ايلول من عام 2003 كان 23100 شخص ، وتنوعت المشاريع التي قدمتها المفوضية للاجئين الفلسطينيين في العرا ق، ومن الطبيعي ان يكون الهدف من وراء ذلك هو تأمين حياة اللاجئين في مكان لجوئهم الاول – العراق- وكذلك تأمين سبل العيش الكريم لهم.
من ابرز هذه المشاريع في حينه كان تأجير وحدات سكنية رخيصة الثمن داخل بغداد للعوائل المسجلة في مخيم العودة والتي كان عددها 430 عائلة ،ليعلن بعدها عن اغلاق مخيم العودة المقام على ارض ملعب نادي حيفا، وواضح ان الهدف منه كان ابقاء اللاجئين في اماكنهم في العراق فهم لم يخرجوهم حتى من بغداد بؤرة الخطر على ارواح الفلسطينيين.
 ثم نفذ مشروع مد شبكة الصرف الصحي في ملجئ الزعفرانية (ذو الوضع الانساني المزري) واعيد تأهيل بعض مرافقه بهدف ابقاء اللاجئين فيه . في حينه كان المشروع جيد لساكني الملجئ فقد رفع وضعهم الانساني مما  دون الصفر بكثير الى ما دون الصفر بقليل . ثم جاء الدعم الصحي وتوفير الدواء على اعتبار ان الفلسطيني لم يكن يستطيع ان يذهب الى المستشفيات الحكومية خوفا من الاضطهاد او الاعتقال ثم منح حصص غذائية للعوائل المتعففة .
كلها مشاريع كان المطلوب منها ان تخدم هدفين – حماية اللاجئ وتوفير العيش الكريم. ولكن ما تم على الارض من عمل المفوضية هو اهمال جانب الحماية والتركيز على الامور الحياتية.  لذلك فان نتائج تحركات المفوضية لم تجدي نفعا تجاه ابقاء اللاجئين في اماكنهم ، بل بالعكس شاهدنا تشكل المخيمات الحدودية داخل الاراضي العراقية وخارجها ، مخيم الوليد ومخيم التنف ومخيم الحسكة .
كما شاهدنا ايضا خروج للفلسطينيين من العراق بشكل فردي وجماعي الى سوريا وقبرص وماليزيا والهند والسويد والنروج واستراليا وغيرها  ، وبدون الدخول في احصائيات الكلف المالية التي انفقت على هذا الهدف (ابقاء اللاجئ في مكانه) فاننا نقول ان هذا الحل كنتيجة هو الفشل بامتياز ، فلاهم حافظوا على حياة الناس ولا خففوا من الاضطهاد ولاهم حافظوا على ما قاموا به من مشاريع لتأمين العيش الكريم ، وما خروج معظم العوائل التي تم استئجار وحدات سكنية لها هربا من القتل اوالاعتقال اوالاضطهاد الى المخيمات الصحراوية لخير دليل على ما اقول .
الحل الثاني : بقاء اللاجئ الفلسطيني في المكان الذي هرب اليه اولا
تعامل هذا الحل مع منهم  في سوريا والهند وتركيا وماليزيا وغيرها من الدول التي لجئ لها فلسطينيو العراق ، وملامح الحل الواضحة تبرز في سوريا لان فيها العدد الاكبر من اللاجئين الفلسطينيين الهاربين من الظلم في العراق . اذ تعاملت المفوضية مع الفلسطيني القادم من العراق كحالة خاصة(لان عملها تداخل مع عمل الاونروا ) و ساوت الى حد كبير بينه وبين اللاجئ العراقي في سوريا من حيث توزيع المساعدات العينية (تأمين العيش الكريم ) اضافة الى ايجاد مكان ثالث لتوطينه (تأمين الحماية).
 من المستحيل ان يقيّم عمل المفوضية في هذا المشروع بالناجح ، ففي مسألة تأمين الحماية والتي بات واضحا انها تعني اعادة التوطين في دولة ما ، نرى ان عدد غير قليل من اللاجئين لازالوا في مخيم الهول في الحسكة  ولازال اللاجئون الفلسطينيون ممن هم في سوريا والحاصلين على ورقة الحماية من المفوضية كلاجئين يسعون الى دخوله ،مع وجود امر غريب جدا وهو ان المفوضية  تعارض دخول اللاجئين الى مخيم الهول في الحسكة وتسعى الى بقائهم في دمشق .صحيح ان هناك من اعيد توطينه في مكان ثالث ,لكن هذه العملية تجري ببطيء شديد جدا وهناك من مضى على وجوده في سوريا سنين طويلة ،اذ لا يوجد ضوابط واضحة في مسألة التوطين ولا يوجد لم شمل الا في حالات قليلة جدا ، مما يعني تراجع في الوضع الاقتصادي وحصول مشاكل اجتماعية ونفسية يلمسها كل من يراقب اوضاع اللاجئين الفلسطينيين .
اما في الجانب الحياتي فلازال عدد كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين في سوريا يعيشون حياة صعبة جدا ، فما يقدم من اعانات لا يغطي الاحتياجات اليومية للاجئ خصوصا ان فترة الاقامة طالت ومضى عليها سنين ،ولولا التكافل الاجتماعي في المجتمع الفلسطيني لما استطاع كثيرمن العوائل الصمود في سوريا لهذه الفترة .
 اما عما تقدمه المفوضية في البلدان الاخرى كالهند وماليزيا وتركيا فان الامر يكون اشد صعوبة بالنسبة للاجئ اذ ان الاونروا غير موجودة في هذه الدول وما يقدم للاجئ من فلسطينيي العراق في سوريا لا يقدم في هذه الدول ، لذلك فان اللاجئ يعتمد بشكل كبير على ما يمكن ان يحصل عليه من عمل  ، مع ضرورة معرفة انه ممنوع قانونا من العمل في هذه الدول ، وهذا يؤدي الى حصوله على اعمال منخفضة المستوى وذات دخل محدود جدا ، ولك ان تطلق العنان لخيالك في الحال الذي يعيش فيه فلسطينيو العراق في هذه الدول .
الحل الثالث : اعادة التوطين في مكان ثالث
يبدو هذا الحل هو الاقرب الى رغبة اللاجئين الفلسطينيين  لاعتبارين، اولاهما انه يتعاطى مع من هم في المخيمات الصحراوية  وبالتالي فهو متلهف لاي حل ينقذه من الصحراء ، والاعتبار الثاني هو ان الحلين الاولين قد فشلا في تجاوز محنتهم .
 ولكننا في نفس الوقت نلحظ فشلا ملحوظا في هذا الحل على المستويين تأمين الحياة وتوفير العيش الكريم ، مع وجود نجاح نسبي في بعض الساحات وخصوصا التي استطاع فيها اللاجئون اعادة تجميع انفسهم في مناطق متقاربة   ♦