مجلة العودة

الفلسطينيون النازحون من سوريا إلى لبنان ارتفاع في الأعداد يُنذر بمزيد من الكوارث الإنسانية

الفلسطينيون النازحون من سوريا إلى لبنان

ارتفاع في الأعداد يُنذر بمزيد من الكوارث الإنسانية

 

مع ارتفاع أعداد النازحين الفلسطينيين من سوريا إلى لبنان، تزداد التوقعات لمواجهة الأسوأ على المستوى الإنساني؛ فمخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان لم تمرّ بمرحلة مشابهة في السابق، ففي الأوضاع المشابهة، اعتاد اللاجئون أن يكونوا مهجرين نازحين، سواء إلى المدن والمناطق اللبنانية أو حتى إلى خارج لبنان. مرّت المخيمات بتجارب سابقة باحتضان المهجرين من اللبنانيين إبان العدوان الصهيوني على لبنان في عام 2006، لكن فترة الاحتضان كانت محدودة، فقط لثلاثة وثلاثين يوماً، أما اليوم فقد مر على نزوح الكثير من العائلات أكثر من خمسة أشهر.

فاق عدد النازحين الفلسطينيين إلى لبنان العشرة آلاف في إحصاء غير نهائي تبعاً للأوضاع الأمنية في سوريا وتعرض المخيمات للاستهداف اليومي، إن من عمليات قصف وسقوط شهداء وجرحى وتدمير ونهب وحرق للمنازل وعمليات خطف وقتل وفقدان للاجئين، فضلاً عن أجواء الخوف والرعب الدائمين، وفقاً للتقرير اليومي الذي تصدره مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا. ومنطقة صيدا ومخيماتها، تليها منطقة البقاع، هما الأكثر احتضاناً للنازحين بحكم العلاقات والموقع الجغرافي.

للكارثة الإنسانية أوجه متعددة، لعل أبرزها مداهمة فصل الشتاء المبكر وازدياد الحاجة إلى المزيد من الاحتياجات الضرورية من الفرش والملابس والوَقود وتوفير الإيواء والغذاء والدواء، ومع مرور الوقت الطويل لفترة النزوح وإنفاق ما ادخره النازحون ليومهم الأسود، بدأت تبرز الحاجة إلى أهمية توفير فرص العمل للنازحين، وخاصة مع ارتفاع نسبة البطالة والفراغ والخوف الدائم من المستقبل.

النأي بالنفس

المراقب لتصريحات فصائل العمل الوطني الفلسطيني، يلاحظ أن هناك دعوات صريحة وموقفاً موحداً قائماً على سياسة الحياد الإيجابي للمخيمات والتجمعات والنأي بالنفس عمّا يجري في سوريا، والتفرغ للعمل الإنساني وتقديم يد العون لأبناء الشعب السوري واللاجئين النازحين، ولا سيما في مخيم اليرموك، الذي تحوَّل إلى عنوان سياسي ومعنوي وبشري فلسطيني يضم نحو 250 ألف فلسطيني، بقي منهم نحو 25% بسبب عمليات النزوح الدائم.

تجارب تعلم منها الفلسطيني

السؤال المطروح الآن: مَن الذي يريد تفجير الوضع الداخلي في مخيم اليرموك، وجرّ المخيم بالقوة إلى الأزمة الداخلية، وتحمُّل نتائج لا تحمد عقباها، ولمصلحة من؟ وخاصة في الوقت الذي يجمع فيه ليس فقط المرجعيات الوطنية الفلسطينية على الحياد الإيجابي، ولكن أيضاً معها ينضم شعبنا الفلسطيني في سوريا وخارج سوريا وبكافة توجهاته السياسية، ومعه الكثير من الحرصاء على الشعب الفلسطيني وقضيته المشروعة. فالتجارب السابقة شكلت مدرسة حقيقية تعلم منها الفلسطيني الكثير، إن كان أحداث أيلول في الأردن عام 1970 التي أدت إلى إنهاء وجود المنظمات الفلسطينية هناك، أو في الحرب الأهلية اللبنانية، أو حرب الخليج الثانية عام 1991 وخروج الفلسطينيين من الكويت، أو احتلال العراق في عام 2003 وما حصل من تشتيت للاجئين الفلسطينيين إلى أكثر من خمسين دولة حول العالم وغيرها من المحطات، حيث دفع الفلسطيني فيها أثماناً باهضة لا تزال تداعياتها وتردداتها حاضرة حتى الساعة.

توريط المخيمات

نعم، هناك من يريد توريط المخيمات في الأزمة الداخلية السورية، ولا نعتقد أن الفاعل فلسطيني نتيجة للتجارب السابقة. لذا، إن استهداف أي من المخيمات الفلسطينية في سوريا، من قِبل أي جهة كانت، هو أمر مستنكر ومرفوض ولا يخدم المشروع الوطني الفلسطيني، ولا يخدم أي مشروع تغيير أو تطوير مستقبلي في سوريا، لا بل يساهم في المزيد من التعقيد وفقدان للبوصلة التي إن لم تكن باتجاه فلسطين فستكون حتماً بوصلة مزيفة غير حقيقية؛ فاللاجئون الفلسطينيون في سوريا وخارج سوريا ليس لهم أي مشروع سوى مشروع العودة، واحتضان سوريا للاجئين الفلسطينيين طوال 64 سنة هي عمر النكبة، وقوننة وضعهم الداخلي من خلال إلحاق الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين بوزارة الشؤون الاجتماعية بدل وزارة الداخلية، وصدور القرار الشهير رقم 260 لعام 1956 الذي يعامل الفلسطيني كالسوري باستثناء الترشح والانتخاب مع احتفاظهم بجنسيتهم الأصلية، جاء ليخدم مشروع اللاجئين بالعودة بخلاف لبنان الذي يتعاطى مع اللاجئين الفلسطينيين من الزاوية الأمنية مع حرمانهم الحقوق المدنية والاجتماعية. يريد اللاجئون في سوريا أن يكونوا عامل بلسم للجراح النازفة بسبب الأزمة لا أن يتحولوا إلى وقود أو حطب للنار المشتعلة.

حماية اللاجئين

دعوات توفير الحماية الدولية للاجئين لا تكاد تتوقف، الأمم المتحدة تعي تماماً ما الذي يجري للاجئين في سوريا وخارج سوريا، وهذه الدعوات باعتقادنا لن تلقى آذاناً صاغية؛ فمصير اللاجئين الفلسطينيين في سوريا مرتبط بالوضع السوري العام، إذا تحقق "الهدوء" في سوريا، حتماً فسينعكس على اللاجئين والمخيمات، والعكس صحيح، ويبقى العُجاب من تقصير الأمم المتحدة والدول المانحة و"الأونروا" والدولة اللبنانية و (م ت ف) من توفير الخدمات الإنسانية للنازحين، الفجوة التي تغطيها مؤسسات المجتمع المدني وبعض فصائل العمل الوطني الفلسطيني، سواء في سوريا أو لبنان أو الأردن، وهذا يفوق قدرتها بسبب بروز المزيد من الاحتياجات.