مجلة العودة

تحرير مخيم اليرموك.. البوصلة التائهة!

تحرير مخيم اليرموك.. البوصلة التائهة!

هشام منوّر
 

لا يمكن لأحد ان ينكر حجم المعاناة التي يقاسيها الشعب الفلسطيني اللاجئ في مخيمات اللجوء السورية وخارجها، إزاء اشتداد الحملات العسكرية على هذه المخيمات وما حولها، ولا يمكن في الوقت نفسه تبرير هذه الأعمال العدائية باي حال من الأحوال، حتى لو كان الأمر متعلقاً بالأمن القومي للبلد المضيف، فحصار المخيمات الفلسطينية، وهي التي نأت بنفسها عن الشأن السوري، وقصفها ليل نهار، وتعمد منع إدخال المواد الغذائية والطبية إلى المخيمات، رغم كونها ملاذاً لكثير من العائلات السورية والفلسطينية على حد سواء، وشن حملات اعتقال عشوائي بين أبناء المخيمات الفلسطينية، والزج بهم في أقبية التعذيب، كلها أمور لا يمكن تبريرها أو السكوت عنها تحت أي ظرف كان.

منذ عدة أيام، ومخيم اليرموك الذي يعد واحداً من أكبر المخيمات الفلسطينية خارج فلسطين، والذي يصل تعداد سكانه (قبل تهجير ونزوح معظمهم) الى نحو مليون نسمة، ثلثاه من السوريين، يتعرض إلى حملة أمنية وعسكرية شعواء، يشنها الجيش السوري عليه، بذريعة تطهيره من العصابات الإرهابية المسلحة التي تحتله، كما يقول، لكن الجديد هذه المرة، مشاركة بعض فصائل التحالف الفلسطيني في هذه المعركة، ما يبرز حجم تورط بعض هذه الفصائل في الشأن السوري، على خلاف ما تدعيه وتصدح به.

أمين سر تحالف قوى الفصائل الفلسطينية، خالد عبد المجيد، لم ينكر أن نحو 60 % من سكان المخيمات الفلسطينية في سورية أصبحوا نازحين، مقدراً الحاجة إلى نحو 4 ملايين دولار شهرياً لمعالجة وضع اللاجئين الفلسطينيين هناك. فالمشهد القائم في المخيمات صعب للغاية، حيث لم يبق في مخيم اليرموك اليوم سوى 30 ألف لاجئ فلسطيني، من إجمالي سكانه الفلسطينيين المقدرين بزهاء 200 ألف، غداة نزوح غالبيتهم، نتيجة الاشتباكات والعمليات العسكرية. بينما ما يزال النازحون منهم في مراكز الإيواء التي أعدتها الحكومة السورية والفصائل الفلسطينية، وتلك التابعة لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) لدى سورية.

ما يسمى اللجان الشعبية الفلسطينية، التي تضم بعض المنتمين لفصائل تحالف القوى الفلسطينية، وفي مقدمتهم القيادة العامة وحركة فتح الانتفاضة ومنظمة الصاعقة، أخذت على عاتقها خوض ما سماه عبد المجيد، "معركة تحرير مخيم اليرموك"، الذي يشهد منذ عدة أيام ارتفاعاً في وتيرة الاشتباكات المسلحة. ولفت إلى إخفاق الجهود والاتصالات التي جرت مؤخراً من قبل أطراف معينة مع المجموعات المسلحة، بسبب رفضها التفاهم والانسحاب من المخيمات، لاسيما مخيم اليرموك، أي أن معركة تحرير مخيم اليرموك التي أوقعت حتى الآن عشرات الشهداء والجرحى بسبب القصف اليومي العنيف على المخيم، تستهدف تحرير كامل المخيمات الفلسطينية في سوريا، وليس مخيم اليرموك فحسب؟!

عبد المجيد أوضح أن ما يسمى اللجان الشعبية أنذرت بضرورة انسحاب المجموعات المسلحة من المخيم تحت طائلة استمرار المعركة، مشيراً إلى سيطرة اللجان على ثلث مساحة المخيم ومواصلتها النضال حتى تحريره، بحسب زعمه، وهي معلومات لا ترقى إلى إلى أن تكون مجرد معلومات يرفع من خلالها معنويات من يخوض هذه لامعركة، إن جاز لنا التعبير. أما مسؤولية من يتحمل الدماء التي سوف تسفك في هذه المعركة المقدسة، فإنها بحسب المسؤول الفلسطيني الرفيع يتحملها المسلحون الذين احتلوا المخيم، وإن كانت عبر صواريخ وقذائف تطلق من خارج المخيم على بيوت الناس في داخله من قبل بعض الفصائل الفلسطينية كما حدث في مجزرة 15 رمضان قبل أيام، والتي راح ضحيتها ما يقرب من 25 شهيداً،"، فيما بلغ عدد الشهداء الفلسطينيين في سورية منذ بداية الأزمة نحو 1685 شهيداً.

نزوح زهاء 28 ألف لاجئ فلسطيني من سكان مخيم اليرموك إلى لبنان، ونحو 18 ألفا إلى مصر، بينما يتوزع البقية منهم بين الأردن وتركيا وبلدان أخرى، أرقام لا تعني شيئاً بالنسبة لبعض الفصائل الفلسطينية التي أضاعت بوصلتها منذ أن خرجت من عباءة الوحدة الوطنية، وبات همها الحفاظ على المكاسب السياسية ولو على حساب دماء شعبها اللاجئ والنازح.

مخيمات بأكملها تم إخلاؤها في سوريا من سكانها، على غرار مخيمي درعا وحندرات (في حلب)، حيث اضطر قرابة 13 ألف لاجئ لمغادرة الأخير نتيجة الأحداث الدائرة، ورغم شح المساعدات التي تقدم للاجئين الفلسطينيين، فإن منظمة التحرير والفصائل الفلسطينية قدمت نحو مليون دولار خلال عامين، عالجت وضع 10 % من النازحين فقط، بينما تسلمت لجنة من فصائل المنظمة منذ مطلع العام الحالي حوالي 750 ألف دولار، من إجمالي المبلغ المذكور، تم توزيعها على أهالي اللاجئين، بمعدل 1500 ليرة سورية للفرد الواحد، وهو أمر غير كاف ولا يكاد يسد رمق آلاف اللاجئين الفلسطينيين.

حاجات اللاجئين الفلسطينيين في سوريا في تعاظم مستمر، وهناك تقديرات تشير إلى الحاجة إلى 8 ملايين دولار شهرياً لمعالجة وضع اللاجئين الفلسطينيين، بينما تقدم الأنروا بحسب بعض التقديرات أقل من نصف المبلغ شهرياً.

فهل يستغل تجار الدم والسياسة من بعض الفصائل الفلسطينية الوضع الإنساني المزري للاجئين لتبرير ضلوعهم في الشان السوري وتسويغ انفضاح مشاركتهم في عدد من المعارك التي تجري يومياً في سوريا، كما في عدرا وحران العواميد في ريف دمشق، وحندرات والراشدين في حلب؟