مجلة العودة

قضية النازحين الفلسطينيين من سورية في الإعلام استـغـلال سيـاسـي وضعف في المواكبـة

قضية النازحين الفلسطينيين من سورية في الإعلام

استـغـلال سيـاسـي وضعف في المواكبـة
 

وسائل الإعلام اللبنانية تتبع مراجع طائفية وسياسية، لذا فإن أي قضية تتناولها لا تخرج عمّا تراه يخدم مصالح هذه الطائفة أو تلك الجهة السياسية. وتزداد هذه الوسائل طائفية في تغطيتها حين يكون الموضوع خاصاً بفلسطينيين، لتبدو الغرائز والمخاوف وقد استوطنت مكان العقل والقلب أحياناً. فلا عجب مثلاً أن تسمّي صحيفة "قومية" حرب المخيمات "حرب المعسكرات"، لتدلّ على أن عسكريين فقط هم من يسكنون، لا أطفال ونساء ومدنيون سقطوا بالآلاف. ينطبق التطييف والتسييس أيضاً على تغطية النزوح الفلسطيني من سوريا إلى لبنان، والاستغلال السياسي كان حاضراً أيضاً في معظم المقالات والتحقيقات التي تناولت هؤلاء النازحين، الذين زاد عددهم على العشرة آلاف نازح.

وبالعموم يمكن تسجيل بعض الملاحظات على تغطية وسائل الإعلام اللبنانية للنزوح الفلسطيني من سوريا إلى لبنان، ومن هذه الملاحظات:
 • إن التغطية الإعلامية كانت ضعيفة نسبياً، ولم تستطع أن تواكب معاناة النازحين بشكل تفصيلي، بل اقتصرت على تقارير موسمية.

• التغطية، رغم قلتها، ركّزت على الجانب الإنساني للنازحين في لبنان، ولم تتعدّ ذلك إلى أسباب النزوح، ومعاناة النازحين قبل فرارهم من مناطق القتال، حيث تشير الإحصاءات إلى استشهاد أكثر من 500 فلسطيني في سوريا، واعتقال أكثر من 3500، لا يزال بعضهم محتجزاً حتى اللحظة.

• تجاهلت وسائل الإعلام اللبنانية تقصير الجهات الرسمية في إغاثة النازحين، مصوّبة اتهاماتها نحو الأونروا، باعتبارها الجهة المسؤولة عن الفلسطينيين، مسقطة مسؤولية الدولة اللبنانية. فنرى، مثلاً، صحيفة "السفير" تفرد أكثر من تقرير لاحتجاجات واعتصامات النازحين ضدّ الأونروا، واقتحام بعضهم لمراكز الوكالة الأمميمن ة، دون أن يجري الحديث عن تقصير الجهات الرسمية الفاضح في إغاثة النازحين الفلسطينيين القادمين من سوريا.

• الصحف اللبنانية التي دأبت على اختصار الشأن الفلسطيني في لبنان بالبعد الأمني، عادت لتؤدي الدور نفسه في ما يخص النازحين، فنجد في تقرير لإحدى الصحف أن بعض عناصر الجيش السوري الحر يقطن مخيم برج البراجنة في الضاحية الجنوبية لبيروت، وتزعم أن هناك تدريبات تجري في "ملجأ إحدى المدارس الواقعة في محيط المخيم". وتسمّي مخيم شاتيلا بـ "البيئة الحاضنة". ومعلوم أن المخيمين يقعان ضمن مناطق نفوذ حزب الله. فهذه التقارير، التي تفتقر تماماً إلى الصدقية، تخلق توترات مع الجوار، وتسهم في مضاعفة المخاوف لدى قطاعات معينة من اللبنانيين. صحيفة "النهار" تورد خبراً في هذا السياق، فتنقل عن مسؤول فرنسي قوله "إن النزوح الفلسطيني من سوريا إلى لبنان يختلف بنتائجه عن نزوح مؤقت لسوريين إليه، ويزيد الأمور تعقيداً".

أسوأ التغطيات، كان تقريراً أوردته صحيفة "الأخبار"، التي تحدثت عن مقاتلين خرجوا من مخيم برج البراجنة إلى سوريا. فهذا التقرير كانت لغة التحريض الطائفي واضحة فيه. كذلك كان التلفيق لغايات سياسية لا تخفى على أحد، فجرى اتهام عناصر بالانتماء إلى حماس، من دون التدقيق بالمعلومة. وجرى الحديث عن تيار سلفي جهادي في المخيم، بل واتهام حماس بـ"التطنيش" عن وجوده، وهو ما يؤكد مرة أخرى غاية التقرير. ويتحدث التقرير عن دروس في مساجد المخيم حول "الفريضة المنسية" (يقصد "الفريضة الغائبة" لمحمد عبد السلام فرج)، وهو ما لم يسمع به أحد في المخيم.

وسائل الإعلام الفلسطينية في لبنان، التي تقتصر على بعض النشرات والمواقع الإلكترونية، تناولت معاناة النازحين الفلسطينيين، وقصصاً تشير إلى مدى تضامن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان مع إخوانهم النازحين. وهذه الوسائل الإعلامية، وإن كانت قد تناولت دوافع النزوح، إلاّ أنها نأت بنفسها عن اتهام أي طرف بالتسبب بهجرة النازحين، عملاً بمبدأ حياد الفلسطينيين. ويمكن تلمّس هذا الاتجاه من خلال موقع "لاجئ نت" الإلكتروني، ونشرة "البراق".

مجلة "العودة" استطلعت آراء عدد من المتخصصين بالشأن الإعلامي والسياسي حول تغطية وسائل الإعلام اللبنانية والفلسطينية لقضية النازحين الفلسطينيين من سوريا إلى لبنان، فالتقت كلاً من: المسؤول السياسي لحماس في بيروت رأفت مرة، الكاتب والإعلامي ياسر علي، ورئيس تحرير مجلة "البراق" محمد أبو طربوش.

مرّة: التغطية الإعلامية ضعيفة

يشدد المسؤول السياسي لحماس في بيروت رأفت مرة على أن "التغطية الإعلامية اللبنانية، وتغطية وسائل الإعلام اللبنانية لقضية النازحين الفلسطينيين من سورية إلى لبنان كانت ضعيفة. صحيح أنه وجدنا اهتماماً إعلامياً لدى بعض الصحف بهذه المسألة، لكن التغطية الإعلامية في التلفزيونات والمحطات الفضائية والإذاعات والمواقع الإلكترونية كانت ضعيفة. بعض الصحف اهتمت بمسألة النازحين، وخصوصاً في منطقة طرابلس، في مخيم البداوي، وفي مخيم عين الحلوة (صيدا)، وهما من أكبر المخيمات الفلسطينية في لبنان. وعولج الموضوع من جوانب إنسانية".

أضاف: "كان جزء من هذه التغطية على شكل ردود فعل ناتجة من أحداث قام بها النازحون الفلسطينيون من سورية إلى لبنان مثل الاعتصامات التي كانوا ينظّمونها احتجاجاً على أوضاعهم المزرية، أو اقتحام بعض النازحين إلى مراكز الأونروا. فالتغطية بالمجمل ضعيفة ولا تتناسب مع حجم المعاناة ولا مع عدد النازحين. وقد تكون هناك أسباب دفعت وسائل الإعلام اللبنانية إلى ذلك، منها أن هذه  الوسائل التزمت سياسة لبنان الرسمية الممثلة بسياسة "النأي بالنفس". ثم إن الأونروا لا تهتم بنحو فاعل بقضية النازحين الفلسطينيين من سورية، ولا تقدم لهم الرعاية المطلوبة، وأيضاً مستوى الدعم الذي تلقاه هؤلاء النازحون كان ضعيفاً، إذ إن الخدمات غير متوافرة، فكانت التغطية الإعلامية موازية للاهتمام الرسمي والشعبي في لبنان، وتسعى لتغطيته".

ويختم بالقول: "مع ذلك أعتقد أن الفلسطينيين والفصائل بذلوا جهداً من أجل تسليط الضوء الإعلامي على معاناة النازحين. وهناك أنشطة كثيرة نُظّمت، وكذلك من خلال البيانات والتصاريح التي تحاول لفت أنظار الإعلام والمؤسسات الدولية إلى مأساة النازحين، لكن هذا لم يصل إلى المستوى الإعلامي المطلوب".

علي: التغطية تتبع التوجه السياسي

يبدأ الكاتب والإعلامي ياسر علي حديثه بالقول: "من الواضح أن التعاطي الإعلامي مع قضية اللاجئين الفلسطينيين القادمين من سورية إلى لبنان ينبني على «همّة» الصحافي أو المراسل، لم نجد حتى الآن وسيلة إعلامية واحدة تخصص لهم برنامجاً من برامجها. بل كل ما يقتصر عليه الأمر هو تغطيات إخبارية بسيطة. ولأن تجمعهم يتركز في البقاع وصيدا، فإن الثقل الإعلامي سيكون هناك، غير أن بعدهما عن المركز (بيروت) يخفف من قوة الخبر. ومن الملاحظ أن حجم الجهد والعمل التضامني والتفاعلي معهم على الأرض أكبر بكثير من حجم الإعلام الذي يهتم بهم".

وتابع: "تركّز الصحافة اللبنانية على اللاجئين السوريين، لكونهم أساسيين في الموقف السياسي، أما الفلسطينيون الذين اتخذوا موقف الحياد، فلن يتوقع الصحافي أن يلتقط من بينهم مادة صحفية دسمة أو سبقاً صحفياً. غير أن الإعلام اللبناني يحاول قدر الإمكان تسليط الضوء على اللاجئين في بيروت، نظراً إلى سهولة الأمر قياساً إلى أوضاعهم في المناطق النائية".

أضاف علي: "يتّسم تناول قضايا اللاجئين من سورية إلى لبنان، بسمات الجهة التي تغطي، والجهة الإعلامية اللبنانية تابعة حكماً إلى طرف سياسي.. فترى وسائل الإعلام التابعة لـ14 آذار، تغطي قضايا النازحين من باب عدائهم مع النظام وتضامنهم مع المعارضة. في الوقت الذي تسعى فيه وسائل الإعلام التابعة لـ8 آذار إلى أن تظهر أن القادمين ليسوا من المعارضة، وتركز على بعض المساعدات التي تقدمها بعض الفصائل المؤيدة لهم".

وخلص إلى أن "التغطية الإعلامية في لبنان تنطلق من مواقف سياسية أكثر منها مواقف إنسانية؛ فلم نجد وسيلة إعلامية (ما خلا إذاعة الفجر) ركزت على حاجات النازحين الملحّة، وركز معظمها على الموقف السياسي والميداني. وقد رصدنا كناشطين في أوساط النازحين محاولات بعض وسائل الإعلام انتزاع مواقف من النازحين مؤيدة لهذا الطرف أو ذاك".

أبو طربوش: استغلال سياسي

يقول رئيس تحرير مجلة "البراق" محمد أبو طربوش: "لم يكن من المتوقع أن تدخل المخيمات الفلسطينية في سورية في أتون الأحداث الدامية هناك؛ لأن الفلسطينيين من البداية أعلنوا النأي بأنفسهم عن الأحداث، إلا أن المحظور حصل حقيقة ودخلت المخيمات الفلسطينية بطريقة أو بأخرى في أتون هذه الأحداث، وهذا التطور في الأحداث شل الدماغ الإعلامي المتابع للأحداث السورية وكثرت التحليلات والتباينات المختلفة في رسم صورة واضحة لحقيقة ما يجري. وبالإجمال لم يستطع الإعلام العربي أو الغربي الوصول إلى رسم صورة تقريبية لحقيقة ما يجري، واستفاد الكثير من الإعلاميين من هذه الصورة الضبابية لتضخيم ما يجري أو تقزيمه، كلٌّ بحسب أجندته السياسية حيث لا يمكننا اليوم الحديث البتة عن إعلام حيادي وموضوعي. والإعلام اللبناني، وكنتيجة طبيعية لانقساماته السياسية، استغل كلٌّ على طريقته معاناة اللاجئين الفلسطينيين في سوريا ووظفها بطريقة أو بأخرى ضمن أجندته السياسية، وبالتالي لم يستفد النازحون الفلسطينيون من سوريا من خطابه الإعلامي الذي لم يكن له ترجمه فعلية على الأرض".

وفي ما يخص الإعلام الفلسطيني، يشدّد أبو طربوش على أن هذا الإعلام "بقي عاجزاً حتى عن رفع عتبة التعاطف الإنساني مع الفلسطينيين في سوريا، فتركيز هذه الوسائل الإعلامية الفلسطينية ينصبّ على الداخل الفلسطيني، ويبدو أنها تتوجه إلى الشعب الفلسطيني داخل الحدود الجغرافية لفلسطين، وبالتحديد في قطاع غزة والضفة الغربية، وهذا يدل على العقلية التي تدير الفضائيات الفلسطينية والتي تتوجه إلى الجمهور أو الثقل الفلسطيني المؤثر في الموازين السياسية خدمة لأجندتها السياسية، وبالتالي لا يعود للاجئين الفلسطينيين، سواء في سوريا أو لبنان، إلا الفتات الإخباري أو هوامش الكلام".

ويختم أبو طربوش بالتذكير بـ"أن بعض وسائل الإعلام الفلسطيني المهتمة بشؤون اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، ولا سيما شبكة شؤون اللاجئين "لاجىء نت" ومجلة البراق، وبعض المؤسسات الفلسطينية كمؤسسة شاهد ومؤسسة ثابت، ورابطة الإعلاميين الفلسطينيين اجتهدوا في نقل معاناة النازحين الفلسطينيين، ولكن رغم ذلك بقي دور الإعلام متواضعاً في نقل معاناة النازحين الفلسطينيين من سورية حتى على المستوى الإنساني".