مجلة العودة

هل تحوّل فلسطينيو سورية إلى عبء على إخوانهم في لبنان؟

هل تحوّل فلسطينيو سورية إلى عبء على إخوانهم في لبنان؟!


هشام منور - بيروت

لا يكفي اللاجئين الفلسطينيين النازحين للمرة الثانية من بيوتهم من سورية إلى لبنان أنهم هجروا هرباً من الموت المنتشر على أعتاب مخيماتهم وبيوتهم داخل المدن السورية المختلفة، بل تتضاعف معاناتهم وتزداد مع توافد العشرات منهم يومياً ضيوفاً على إخوتهم في لبنان، وهم الذين سبق أن استضافوهم في العديد من الأزمات التي عصفت بلبنان.. وما أكثرها!؟


لعقود خلت، تزاحم الفلسطينيون في لبنان يومياً على الوظائف البسيطة التي يلجأون إليها لسدّ قوتهم، بسبب حرمانهم العديد من الحقوق المدنية في لبنان، ومنها حق العمل في عدد من المهن، لكن هذه المهن شهدت منافساً جديداً على الساحة، ولا سيما من اللاجئين الفلسطينيين الذين وصلوا أخيراً من سورية. أعداد كبيرة من الفلسطينيين الذين لجؤوا إلى لبنان منذ عام 1948، لكن الأزمة السياسية والأمنية في سورية أدت إلى تدفق أعداد إضافية منهم وزادت من حدة التنافس على عدد قليل من الوظائف المتاحة للفلسطينيين في لبنان، فتدنت الأجور البائسة، ما أدى إلى ارتفاع تكاليف السكن وزاد من حدة الضغوط في المخيمات.


الفلسطينيون في لبنان يعيشون في فقر مدقع يشكل ضغطاً لم يسبق له مثيل على مخيمات اللاجئين؛ فالموارد ضعيفة والوظائف نادرة. وفي ظل هذا الوضع، يعجز الفلسطينيون في لبنان عن استيعاب عدد غير مسبوق من اللاجئين القادمين من سورية إلى المخيمات الخاصة بهم.


تشير تقديرات منظمة التحرير الفلسطينية إلى أنّ عدد اللاجئين الفلسطينيين من سورية قد يصل إلى 100 ألف بحلول نهاية عام 2013، أي بزيادة قدرها 20 في المئة لعدد الفلسطينيين في لبنان عموماً، الذين بلغ عددهم نحو 450 ألفاً قبل بدء الحرب في سورية، ويبلغ عددهم حالياً بحسب إحصاءات الأونروا ما يقرب من 92 ألف لاجئ.


فتحي أبو العردات، ممثل فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية في لبنان، قال في تصريحات صحفية إن المخيمات غير قادرة على استيعاب أكثر من 35 ألف لاجئ هذا العام، لكنها بالفعل تستضيف ضعف هذا العدد، في ظل وصول 6000 فلسطيني شهرياً. 7٪ فقط من اللاجئين الفلسطينيين الآتين من سورية لديهم دخل منتظم، وجميع من بقوا تقريباً يعيشون مع أسر مضيفة، تعاني في الأساس أوضاعاً اقتصادية ومعيشية صعبة؛ لأنّ الفلسطينيين في لبنان ممنوعون من العمل في القطاع العام، وفي العديد من المجالات المهنية الأخرى.


عدد اللاجئين السوريين في لبنان يتجاوز الآن مليون شخص، وفقاً لمسؤولين لبنانيين، من ضمنهم نحو 90 ألف فلسطيني، غالباً ما يكونون موضع ترحيب أو قادرين على العثور على السكن في المخيمات فقط، حيث يستقر الفلسطينيون في لبنان.

 

وبينما كانت سورية تستضيف نحو 486 ألف لاجئ فلسطيني قبل الحرب، بدأ عدد كبير منهم بالفرار مع اندلاع الحرب في البلاد، ولا سيما في تموز 2012، عندما اندلع القتال للمرة الأولى في ضواحي دمشق حيث تتركز المخيمات الكبيرة. ومعظم الفلسطينيين القادمين من سورية يستقرون في واحد من 12 مخيماً للاجئين الفلسطينيين في لبنان.


العدد الهائل من الوافدين إلى مخيمات لبنان أدى إلى أزمة من الصعب معالجتها. في 17 تموز/يوليو، حذر أبو العردات من أن تدفق اللاجئين إلى المخيمات الفلسطينية في لبنان سيؤدي إلى اشتباكات داخل المخيمات أو استغلال اللاجئين الضعفاء من قبل الميليشيات الطائفية التي تحتاج إلى المقاتلين.

 

وتفاقمت المخاوف في الشهر الماضي عندما انضم مسلحون فلسطينيون من مشارف مخيم عين الحلوة إلى رجل الدين السلفي أحمد الأسير في معركة مع الجيش اللبناني أدت إلى مقتل 18 جندياً، وبحسب أبو العردات فقط "المسألة ليست مثيرة للقلق فقط، بل هي خطيرة جداً"، أي إنّ منظمة التحرير الفلسطينية، بدلاً من القيام بواجبها تجاه شعبها، تحرّض الدولة اللبنانية والمجتمع الدولي على من لجأ من سورية إلى لبنان وتخوف من وجودهم وتحذر من خطر التطرف الذي قد يكبر لدى لاجئين مهمشين وفقراء ولا يجدون ما يسدّ رمقهم!!


الفلسطينيون القادمون من سورية يعامَلون بالتمييز نفسه، كما هم أسلافهم في لبنان؛ فعلى الرغم من أن هؤلاء لديهم العديد من الحقوق نفسها التي يتمتع بها المواطنون في سورية، إلا أن الحال في لبنان ليس مشابهاً. ويعتمد اللاجئون في المقام الأول على وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا)، التي تدير المخيمات وتوفر المساعدة والحماية للاجئين الفلسطينيين. ويحظر على الفلسطينيين في لبنان امتلاك العقارات أو دخول العديد من المهن، ما جعل سكان المخيمات في لبنان يتنافسون على وظائف وضيعة وغير رسمية في الاقتصاد اللبناني.


القواعد التي تحكم وجود الفلسطينيين في لبنان تعتمد على سياسة "النأي بالنفس". كذلك إن دخول فلسطينيي سورية إلى لبنان يتطلب منهم الحصول على وثيقة من وزارة الداخلية في دمشق بقيمة نحو خمسة دولارات، وهو مبلغ لا تستطيع العائلات الفقيرة أن تتكفل به، وفقاً لما قالته كاثرين ريتشاردز، المسؤولة الميدانية لمشروع الأونروا. و"هذا يعني أن المواطن السوري الذي احترق بيته ويريد الفرار، يحزم حقائبه ويمشي. لكن الفلسطيني عليه الذهاب إلى دمشق في رحلة خطرة إلى وزارة الداخلية للحصول على هذه القسيمة، وعندئذ فقط يستطيع مغادرة سورية". وترى المسؤولة الأممية في تعامل السلطات اللبنانية مع اللاجئين الفلسطينيين "كرماً" و"لمحة إيجابية"؛ فمن الواضح بحسبها "أنّ عدد اللاجئين المرتفع يؤثر على لبنان، لكن السلطات لا تزال تسمح بدخولهم. على الرغم من السلبيات، إلا أنه لا بد من الاعتراف بالإيجابيات والانتصارات الصغيرة أيضاً".


فهل تتحرك منظمة التحرير والهيئات الرسمية الممثلة للشعب الفلسطيني لنجدة لاجئيه القادمين من سورية بدلاً من أن تتحول إلى محرض إضافي على وجودهم، وعنصر "تحريش" بينهم وبين إخوتهم ومضيفيهم من فلسطينيي لبنان؟!