مجلة العودة

وحدها الصحافة الماليزية أنقذته ،اللاجئ الفلسطيني أحمد كنعان وقصة معاناة الستين يوماً

وحدها الصحافة الماليزية أنقذته
اللاجئ الفلسطيني أحمد كنعان وقصة معاناة الستين يوماً

العودة/ كوالالمبور

وكأنّ القدر يعيد نفسه معي بالسوء ذاته الذي تعرّض له والدي بعد أن خرج من الأردن في عام 1970 مع فدائيي منظمة التحرير بأوراق ثبوتية لم يعترف بها السوريون ولا الأردنيون لاحقاً، وبقي دون أوراق ثبوتية حتى منحته الحكومة البلغارية أوراق لجوء قبل أسابيع.

بهذه الكلمات ابتدأ حديثه معي أثناء حواري معه في معاناته التي لم تنكشف جلياً إلا بعد أن تحدثت عنها الصحافة الماليزية، وبعد أن انتشرت أخباره على بعض الصفحات الفلسطينية (الفيسبوكية). وبكل ألم ووجع وحزن منقطع النظير وتعب هدّه، على الرغم من أعوامه التي لم تتجاوز الاثنين والعشرين، أخذنا الحديث عن رحلة معاناة الستين يوماً بين مطارات ومحطات وكلمات وعَبَرات.

من سورية... الرحلة ابتدأت:

هلا تحدثنا عن رحلتك المكوكية التي حططت فيها رحالك أخيراً في كوالالمبور؟

أنا أحمد إبراهيم نعيم كنعان، من مواليد سورية، من أب فلسطيني من طوباس ـ قضاء جنين، وأم سورية من قرية الشجرة في محافظة درعا. وقد نشأت وترعرعت في مدينة درعا في سورية. بدأت مشوار حياتي مثل أي شخص يمرّ بمراحل الدراسة، وما إن انتهيت من دراستي الثانوية، حتى فكرت في السفر خارجاً. وفي تاريخ 14/2/2012، سافرت إلى روسيا لإكمال الدراسة الجامعية.

بعد نهاية السنة الأولى من الدراسة، أصدرت الحكومة الروسية قراراً بالعودة إلى سورية لتجديد الفيزا، وكانت الأوضاع متردية هناك، ما جعلني أمتنع عن العودة، فسافرت إلى أوكرانيا في محاولة مني للحصول على مقعد في الجامعة، حيث التقيت بأحد الأصدقاء العرب هناك، لكن لم أنجح في ذلك. ثم فكرت في السفر إلى ماليزيا طمعاً بالحصول على مقعد في إحدى جامعاتها التي لطالما تحدثوا لي عن قوتها وسهولة الدراسة فيها.

وعند وصولي إلى ماليزيا، منحتني الحكومة شهراً واحداً فقط للبقاء في البلد، وخلال هذا الشهر حاولت التسجيل في إحدى الجامعات الماليزية لإكمال دراستي، وبقيت أنتظر النتيجة لمدة شهر كامل، وبعد انقضائه أخبرتني الجامعة أنني لا أستطيع التسجيل في الجامعة؛ لأن شهادتي الثانوية أدبي، ولا يوجد فيها مادة الرياضيات.

وبعد انتهاء الشهر الذي منحتني إياه الحكومة الماليزية، سافرت إلى بلد يُدعى لاوس، وهو بلد آسيوي قريب جداً من ماليزيا، وكان غرضي من السفر إلى هذه البلد هو الحصول على شهر جديد من الحكومة الماليزية عند عودتي إلى البلد مرة أخرى، لكن عند وصولي إلى مطار لاوس لم تستقبلني الحكومة هناك، وأرجعتني إلى ماليزيا.

وعند عودتي إلى ماليزيا أعطتني السلطات 7 أيام للبقاء في البلد، وخلال هذه المدة حجزت تذكرة للسفر إلى كوسوفو على الخطوط المصرية، لكن الطيران المصري لم يسمح لي بالسفر، وذلك بسبب الجواز الذي أحمله، فعدت إلى المنزل خائب الأمل؛ لأنني خسرت ما بقي معي من المال، وهو 1600$ سعر التذكرة.

انتهى الأسبوع المصرَّح لي فيه بالبقاء، ولم أستطع أن أفعل شيء، ومرت ثلاثة أشهر قبل أن أذهب إلى مراكز اللجوء، لكنهم لم يساعدوني. بعدها ساعدني أصدقائي، وأعطوني مصاريف التذكرة وعقوبة المخالفة، وبعد دفع المخالفة أعطتني الحكومة 5 أيام لمغادرة ماليزيا، وقامت أيضاً بوضع منع على الجواز الذي أحمله لمدة 3 سنوات.

وفي تاريخ 20/5/2013، سافرت مرة أخرى إلى كوسوفو عبر الطيران التركي، وعند وصولي إلى مطار تركيا، قالت لي السلطات إنني لا أستطيع دخول كوسوفو من دون تأشيرة. وبعد ذلك طلبت من السلطات التركية في مطار إسطنبول مساعدتي والسماح لي بدخول تركيا بعد أن أخبرتهم أنني أعيش في سورية، إلا أنهم رفضوا. وفوق هذا أخذت السلطات جواز السفر وطلبت مني الانتظار.

انتظرت لساعتين، لكن لم يقم أحد بإخباري بشيء، وبعد ذلك ذهبت إلى موظف في المطار وسألته عن جوازي، وقال لي إن جواز السفر الخاص بي ليس عندهم، ووضعوني في إحدى الغرف لمدة نصف يوم، وبعدها أعادوني إلى ماليزيا بالقوة من دون جواز السفر الخاص بي.

وعند وصولي إلى مطار كوالالمبور، وضعوني في قاعة الترانزيت، وبعدها ذهبت إلى قسم الهجرة وأخبرتهم ماذا حصل معي في تركيا، لكنهم لم يساعدوني. اتصلت بالسفير الفلسطيني وأخبرته ماذا حصل معي في تركيا، لكنه أيضاً قال لي إنني كاذب ولا يستطيع مساعدتي بشيء، وحينها بدأت رحلة الإقامة في قاعة الترانزيت.

كيف كانت الأيام الأولى من إقامتك في قاعة الترانزيت؟

بدأت حياتي في المطار على النحو الآتي: كل يوم كنت أنام على أحد مقاعد الجلوس، ولا أحد يقدم لي الطعام أو الشراب. حاول أصدقائي مساعدتي بإرسال النقود لي، لكن لم يكن يوجد مصرف لتسلّمها.

بدأت حالتي تسوء من قلة الطعام والمال، بعدها بدأت أفكر في كيفية الحصول على النقود. وفي قاعة الترانزيت كنت أرى الكثير من المسافرين الأوروبيين والعرب، وكنت أخبر كثيرين منهم بقصتي وتحدثت مع العرب منهم والأجانب.

البعض منهم أعطاني بعض المال من 10$ إلى 50$، وكنت أتناول وجبة واحدة يومياً، وذلك بسبب الأسعار العالية في المطار ولقلة النقود التي أحصل عليها من المسافرين العرب والأجانب.

خلال هذه المدة كنت أستحمّ في بيت الخلاء، وكان أحد العاملين في تنظيم المطار يأخذ ملابسي لغسلها ويعيدها إليّ بعد تنظيفها تعاطفاً مع وضعي السيئ، مع العلم أنه كان سيخسر عمله إذا عرف مديره بذلك.

بوادر حلّ وانفراج على حساب القوانين الدولية والمعايير الإنسانية

يكمل أحمد: بقيت على هذا الحال مدة 50 يوماً، وبعد هذه الفترة أعطاني أحد مراكز اللجوء جواز السفر الخاص بي بعد العثور عليه، وقد كانوا يريدون إعادتي إلى تركيا أو سورية في اليوم نفسه الذي أعطوني فيه الجواز للتخلص من موضوعي وإخفاء جرائمهم الدولية مثل استقبالي من دون الجواز ووضعي في الترانزيت لمد 50 يوماً من دون أي مساعدة، لكني رفضت إعادتي إلى أيٍّ من البلدين بسبب ما فعلته الحكومة التركية معي من قبل والحرب الدائرة في سورية.

الصحافة الماليزية... سفينة الإنقاذ من قاعة الترانزيت والقادم أخطر

كيف استطعت الخروج من قاعة الترانزيت، وما قصة الصحافة الماليزية؟

بعد يوم من تسلمي جواز سفري أتى أحد الصحافيين لمقابلتي في المطار، حيث أخذ كامل قصتي مع الصور في كل الحالات التي كنت أعيشها، وبعد ذلك أخذت السلطات الماليزية الجوال والحاسوب المحمول الخاص بي ووضعتني في مكان أسوأ من قاعة الترانزيت بعد حصولها على الجواز الخاص بي.

وبعد 54 يوماً تأتي الصحافة إلى المطار وتقوم بتصويري في مقابلة رسمية بوجود السفير الفلسطيني الذي رفض مساعدتي طوال 50 يوماً، وقامت السلطات الماليزية بإدخالي البلد لمدة 30 يوماً، وأنا الآن في أحد بيوت أصدقائي في ماليزيا، حيث يشتري صديقي لي الطعام ويساعدني، ولم تقدم الحكومة لي المساعدة إلى هذه اللحظة، وأنا ما زلت خائفاً من مرحلة ما بعد انتهاء هذا الشهر، كأن يزجّوني في السجن أو أي حجز مجدداً.

ماذا تطلب اليوم؟

أرجو من كل من يقرأ قصتي من أصحاب القرار، أن يساعدني؛ لأنني أريد وطناً يحميني وأن أعيش حياتي كأي مواطن آخر.

العائلة المشردة... بين خمس دول

كحال كثير من العائلات الفلسطينية التي كانت تسكن سورية، أصبحت عائلة أحمد كنعان تعيش بين خمس دول. في كل واحدة منها قصة لاجئ فلسطيني ذاق الأمرّين... أمه وأبوه وأختان وعدد من الأحفاد في بلغاريا. أخ وعائلته في تركيا. أخ وعائلته في النمسا. أخ وأخت في سورية وأحمد في ماليزيا.

قصة نكبة جديدة ترتسم معالمها شيئاً فشيئاً وتنكشف فصولها واحداً وراء آخر... لا نقرأ المستقبل، ومعاذ الله أن نكون كذلك، لكن ما يجري في هذه الأيام - بمعادلة رياضية بسيطة - سيعطي نتيجة واحدة، هي مزيد من الشتات، ومزيد من الإصرار على العودة إلى الوطن.