مجلة العودة

رأفت مرة :التطورات الأمنية في لبنان تعيد النقاش بشأن المرجعية الفلسطينية

التطورات الأمنية في لبنان تعيد النقاش
بشأن المرجعية الفلسطينية وحماية المخيمات

رأفت مرة/بيروت
 

اهتزّت الأوضاع الأمنية في لبنان مجدداً، فوقعت أحداث أمنية متنقلة على امتداد الأراضي اللبنانية، واشتبك لبنانيون متصارعون في منطقتي باب التبانة وجبل محسن القريبتين من مخيم البداوي للاجئين الفلسطينيين في مدينة طرابلس في شمال لبنان، وحصلت أحداث قتل واضطرابات في منطقة عكار الملاصقة للحدود اللبنانية السورية، حيث مخيم نهر البارد، وحدثت اشتباكات مسلحة بين قوى لبنانية من تيار المستقبل وأخرى تابعة لشاكر البرجاوي المقرَّب من حزب الله والسوريين، في منطقة الطريق الجديدة ببيروت، وهي منطقة تسكنها عائلات فلسطينية كثيرة، وتحتضن تجمعات فلسطينية صغيرة، والمنطقة قريبة أيضاً من منطقة صبرا حيث توجد كثافة فلسطينية، ومن مخيم شاتيلا الذي يقع على الخط الفاصل بين محافظتي بيروت وجبل لبنان، وبين الأحياء اللبنانية السنيّة والشيعية.

وفي مدينة صيدا لم تكن الحال أحسن، حيث أعلن رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري أنه سلّم عزام الأحمد عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، قائمة بأسماء فلسطينيين متهمين بالتخطيط لاغتياله، ويقيمون في مخيم عين الحلوة، وهم ينتمون إلى تيارات إسلامية سلفية مقربة من تنظيم القاعدة.

ثم أعلن خروج مجموعة إسلامية متشددة من المخيم، قيل إنها اتجهت إلى سوريا، لكن بعد أيام نفت جهات فلسطينية داخل المخيم خروج هذه المجموعة.

وعادت مصادر فلسطينية مطلعة وقريبة من أجواء الإسلاميين لتنفي قصة محاولة اغتيال رئيس المجلس النيابي اللبناني، حيث تبين أن مصدر هذه المعلومات جهات غربية مشاركة في قوات الطوارئ الدولية.

العنصر الفلسطيني

سرد هذه الأحداث جاء بهدف إظهار حضور العامل الفلسطيني في الواقع اللبناني، أو محاولات تيارات لبنانية لاستحضار العامل الفلسطيني قصداً بهدف إضفاء المزيد من التوتر على الأزمة اللبنانية الداخلية.

فقد أشارت مصادر متعددة إلى أن عناصر فلسطينية مقربة من سوريا ومعارضة لها شاركت في الهجوم الذي استهدف مقر شاكر البرجاوي في الطريق الجديدة.

وخرج شاكر البرجاوي عبر وسائل الإعلام ليتهم عناصر من حركة فتح بالهجوم على مقارّه، بينما خرجت جهات في تيار المستقبل لتتهم عناصر من القيادة العامة بأنها هي التي أنقذت شاكر البرجاوي.

وفيما نفى الجانبان هذه الاتهامات، ظل العنصر الفلسطيني حاضراً.

وفي الاشتباكات التي حصلت بين منطقتي التبانة وجبل محسن في شمال لبنان، اتهمت جهات لبنانية عناصر من القيادة العامة بدعم جبل محسن المحسوب على سوريا بالذخيرة والمؤن من خلال مواقعها في محيط مخيم البداوي، بينما اتهمت جهات لبنانية أخرى عناصر من حركة فتح بدعم تيارات إسلامية في المدينة محسوبة على تيار المستقبل.

لماذا الاتهامات؟!

إشراك العامل الفلسطيني في لبنان في الأزمة السياسية الحاصلة في البلد جرى وفقاً لما يأتي:

1- إن الأزمة التي تعيشها سوريا لها انعكاس مباشر على الأوضاع في لبنان، ولبنان مجتمع يتأثر بالأجواء السياسية والأمنية المحيطة.

2- كما يوجد انقسام لبناني تجاه الأحداث في لبنان وسوريا، هناك انقسام فلسطيني أيضاً؛ فهناك فئات محسوبة على سوريا وفئات معارضة لها، وفئات مقربة من تيار المستقبل وأخرى من حزب الله.

3- لا انضباط فلسطينياً في ما يحصل؛ فهناك تيارات لبنانية سياسية وأمنية متعددة اخترقت جسم عدد من الفصائل الفلسطينية وتتحكم بأعمال ومواقف عناصرها وقيادتها، وهذا ما أعلنته هذه القوى مباشرة.

4- هناك جهات محلية وإقليمية مؤثرة في القرار الفلسطيني، وتعمد دوماً إلى إشراك العنصر الفلسطيني في أعمالها الخاصة من أجل إثارة التوتر.

مواقف فلسطينية رافضة

صدرت عدة مواقف فلسطينية رافضة لإشراك الفلسطينيين في الأزمة اللبنانية، ومن ذلك ما حصل في منطقة الشمال، حيث عقدت الفصائل واللجان الشعبية الفلسطينية اجتماعاً في مخيم البداوي، أصدرت بعده بياناً أوضحت فيه أنها «ناقشت الأوضاع الأمنية المحيطة بالمخيم، وتوقفت عند الاشتباكات في جواره»، مؤكدة «حزنها الشديد على الدم اللبناني النازف، وتمنياتها بالحفاظ على أمن طرابلس والشمال واستقرارهما، والعيش المشترك، ووقف إراقة الدماء التي لا يستفيد منها سوى العدو الصهيوني».

ودعت إلى «إنهاء هذه الحالة المأسوية»، مؤكدة «أن المخيم يقف على مسافة واحدة من الجميع»، وطالبت بعض وسائل الإعلام بتوخي الحذر قبل تسريب المعلومات التي لا تمت إلى الحقيقة بصلة.

بدوره، أكد عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح» عزام الأحمد، خلال زيارته لرئيس الجمهورية اللبنانية ميشال سليمان، أن الفلسطينيين لن يكونوا طرفاً سلبياً في الأزمة اللبنانية. وشدد على أنه «إذا كان هناك فرد فلسطيني شارك في الأحداث التي جرت في منطقة الطريق الجديدة، فهو قد قام بذلك على مسؤوليته الشخصية».

وأكد الأحمد «أننا لن نقبل بأن نكون طرفاً في الصراع، ونحن ننأى بأنفسنا أن نكون كذلك، وسنتصدى لأي محاولة لجرّ المخيمات الفلسطينية في لبنان، وسنعمل لإبعاد العنصر الفلسطيني عن أن يكون طرفاً في نزاعات لبنانية - لبنانية».

بالإضافة إلى ذلك، عقد لقاء تشاوري بين أمين سر القوى الإسلامية، أمير الحركة الإسلامية المجاهدة، الشيخ جمال خطاب، يرافقه القيادي في الحركة أبو محمد بلاطة، وأمين سر حركة فتح وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان فتحي أبو العردات يرافقه قائد الأمن الوطني في لبنان صبحي أبو عرب، وأمين سر تحالف القوى الفلسطينية ممثل حركة حماس في لبنان علي بركة يرافقه المسؤول السياسي للحركة في منطقة صيدا وسام الحسن، بحضور القيادي في عصبة الأنصار الإسلامية الشيخ أبو طارق السعدي، وذلك في مركز النور الإسلامي.

وتداول المجتمعون في الأوضاع الأمنية والسياسية الراهنة على الساحة اللبنانية عموماً، وتوقفوا عند الأحداث الأمنية المؤسفة التي وقعت أخيراً في أكثر من منطقة في لبنان.

وكان الاتفاق على ضرورة التواصل للتشاور في الأوضاع الراهنة على الساحتين الفلسطينية واللبنانية.

وأكد المجتمعون ضرورة حماية المخيمات الفلسطينية ومنع انزلاق أي فلسطيني في أي فتنة لبنانية داخلية، وأن الفصائل الفلسطينية تحرص على أمن لبنان واستقراره، وأن وحدة لبنان وأمنه واستقراره هي قوة للقضية الفلسطينية.

كذلك، شدد الحضور على رفضهم جميعاً استخدام المخيمات للإساءة إلى السلم الأهلي في لبنان، وأن تكون المخيمات مكسر عصا لأحد في هذا البلد، حيث إن الفلسطينيين لديهم مشروع واحد، هو مشروع العودة إلى فلسطين.

مرجعية فلسطينية

هذه الأحداث طرحت مجدداً فكرة تشكيل مرجعية سياسية فلسطينية موحدة تشرف على أوضاع الفلسطينيين في لبنان وترعى مصالحها وتنسق المواقف بين قواهم، وهي الفكرة التي حملها ممثل حماس في لبنان علي بركة.

وعاد موضوع تشكيل المرجعية الموحدة للفلسطينيين في لبنان نقطة أساسية على جدول أعمال القوى والفصائل. حيث تؤكد مصادر فلسطينية في مخيم عين الحلوة أن الأحداث التي عصفت في لبنان أخيراً والخشية من إدخال العامل الفلسطيني في التداعيات اللبنانية هي التي أعادت طرح «بند» تشكيل المرجعية الموحدة من أجل المحافظة على الوجود الفلسطيني في لبنان وعدم استخدام الفلسطينيين في أي معركة لبنانية داخلية والتأكيد أن المعركة الأساسية مع العدو الصهيوني، وأن الفلسطينيين في لبنان مشروعهم العودة إلى فلسطين.

ويأتي، في هذا الإطار، اللقاء الذي عقد بين القوى الإسلامية في مخيم عين الحلوة وقيادة قوى التحالف الفلسطينية في لبنان.

وأشارت المصادر إلى أن النقاشات خلال اللقاء شملت كل النقاط التي يمكن أن تثير هواجس وتباينات بين القوى والفصائل كافة، على طريق إيجاد المرجعية الموحدة للفلسطينيين في لبنان. وقد جرى التوافق على تشكيل لجنة اتصال مؤلفة من أمين سر القوى الإسلامية الشيخ جمال خطاب وأمين سر تحالف القوى الفلسطينية علي بركة للاتصال بفصائل منظمة التحرير الفلسطينية وبـ»أنصار الله» على الساحة الفلسطينية للتشاور معهم في هذه المسألة والتواصل مع الجهات الرسمية المعنية وكافة القوى السياسية اللبنانية.

وصدر عن اللقاء بيان جدد التشديد على «أن الفلسطينيين في لبنان هم عامل استقرار ولن يكونوا طرفاً في أي نزاعات داخلية لبنانية». كذلك دعا إلى «عدم المراهنة عليهم بأي فتنة داخلية، إن حصلت، والتشديد على أن السلاح الفلسطيني لم ولن يوجه إلا نحو العدو الصهيوني لتحرير فلسطين، وهذا السلاح هو الضامن لعودتنا إلى أرضنا فلسطين الحبيبة ومانع لتوطيننا في لبنان أو غيرها من الدول». وقد شدد خطاب على أن الهدف من إيجاد مرجعية فلسطينية هو تحصين المخيمات والمحافظة عليها، وكذلك العمل على تطوير العلاقات مع الأطراف كافة على الساحة اللبنانية.

من جهته، أشار بركة إلى أن «اللقاء ليس موجهاً ضد أحد، وأيدينا ممدودة ومفتوحة لكافة الفصائل الفلسطينية من أجل أن نعمل لحماية الوجود الفلسطيني وحق العودة».

النتائج

لم تنجح مساعي تشكيل مرجعية فلسطينية موحدة بين تحالف القوى ومنظمة التحرير والقوى الإسلامية، وذلك بسبب الموقف المتصلب الدائم الذي تردده منظمة التحرير حيث تريد الاستمرارية في سياسة الاحتكار والهيمنة.

لكن المساعي استمرت بين تحالف القوى الفلسطينية والقوى الإسلامية لتشكيل المرجعية، وإن كانت الأهداف التي ترفعها حماس موافقاً عليها من الجميع، وأهمها:

1- عدم الزجّ بالعنصر الفلسطيني في الخلافات اللبنانية.

2- وقوف الفلسطينيين على الحياد.

3- التزام مسيرة الأمن والاستقرار في لبنان.

4- حماية الأمن اللبناني الفلسطيني المشترك.

5- عدم تحويل المخيمات إلى نقاط انطلاق لضرب الأمن اللبناني.

6- التزام حق العودة ورفض التوطين والتهجير♦